عشتار تيفي كوم - سيريك برس/
في خطوة تُعد من أبرز إنجازات العراق في مجال حماية تراثه الثقافي خلال العقدين الأخيرين، أعلنت وزارة الثقافة والسياحة والآثار عن استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية كانت قد سُرقت وهُرّبت إلى خارج البلاد على مدى سنوات الاضطراب الأمني والسياسي، وذلك في إطار جهود دبلوماسية وأمنية امتدت لأربع سنوات متواصلة.
وقال المتحدث باسم الوزارة، أحمد العلياوي، إن عمليات الاسترداد تمثل “أحد الملفات الكبرى” التي توليها الحكومة العراقية أهمية قصوى، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تمت بالتعاون مع وزارة الخارجية وسفارات العراق في عدد من الدول، إضافة إلى تنسيق مستمر مع منظمة الإنتربول واليونسكو وهيئات ثقافية عالمية. وأوضح أن غالبية القطع المستعادة كانت في الولايات المتحدة وبريطانيا، إضافة إلى دول أوروبية وآسيوية أخرى.
من بين القطع التي استعادت طريقها إلى الوطن، تبرز لوحة جلجامش الشهيرة، التي تعود إلى نحو 3,500 عام قبل الميلاد، وتمثل إحدى أقدم الملاحم الأدبية في تاريخ البشرية، (أي لحضارة الشعب الكلداني السرياني الآشوري) كما تم استرجاع تمثال الكبش السومري الذي يعود إلى نحو 4,500 عام، ويُعد من أبرز رموز الحضارة السومرية القديمة.
هذه القطع وغيرها، تعرض حاليًا في المتحف الوطني العراقي في بغداد، ضمن معارض خاصة تسلط الضوء على مسيرة استرداد التراث المنهوب، في مشهد يختلط فيه الفخر الوطني بمرارة التاريخ.
منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، تعرضت المواقع الأثرية العراقية لحملات نهب واسعة، مستفيدة من الفراغ الأمني وضعف المؤسسات الرسمية، وبلغت عمليات التهريب ذروتها بعد عام 2014، مع سيطرة إرهاب “داعش” على مساحات شاسعة من شمال وغرب البلاد، حيث نُهبت مواقع أثرية بكاملها، وتحوّل التراث العراقي إلى سلعة في السوق السوداء العالمية.
لكن بغداد لم تقف مكتوفة الأيدي، ففي عام 2021، نجحت السلطات العراقية بالتعاون مع واشنطن في استعادة لوح جلجامش بعد معركة قانونية طويلة، وفي العام التالي، عادت عشرات القطع الأثرية من دول مثل إيطاليا واليابان ولبنان وهولندا، لتُعرض أمام الجمهور في العاصمة، في لحظة رمزية تعكس استعادة جزء من الكرامة الوطنية المسلوبة.
ويقول العلياوي إن العمل لم يتوقف، مضيفًا: “جهودنا مستمرة لمواجهة النبش العشوائي والتهريب. هناك تنسيق مع دول عديدة لمنع الاتجار غير المشروع بالآثار، إلى جانب جهد أمني كبير لضبط القطع المسروقة داخل البلاد وخارجها”
ويرى خبراء أن استعادة هذا العدد الكبير من القطع خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا، يعكس تطورًا ملحوظًا في أدوات العراق الدبلوماسية والثقافية، كما يشير إلى تزايد الوعي الدولي بأهمية حماية التراث الإنساني المشترك، وخصوصًا في مناطق الصراع.
ورغم حجم ما أُعيد، لا يزال جزء كبير من الإرث العراقي مفقودًا في متاحف خاصة وسوق الآثار غير القانونية حول العالم. ومع ذلك، فإن استعادة أكثر من 40 ألف قطعة تمثل خطوة واثقة في رحلة طويلة لاسترداد هوية حضارية عمرها آلاف السنين.