عشتار تيفي كوم - الفاتيكان نيوز/
استهل البابا لاوُن الرابع عشر مقابلته العامة مع المؤمنين قائلا نتأمل اليوم في ذروة حياة يسوع في هذا العالم: موته على الصليب. وأشار إلى أن الأناجيل تتحدث عن تفصيل ثمين جدا يستحق التأمل فيه بنور الإيمان. فعلى الصليب، لم يمت يسوع في صمت، بل ترك الحياة بصرخة "وصَرخَ يسوعُ صَرخَةً شَديدة وَلفَظَ الرَّوح" (مرقس ١٥، ٣٧). وهذه الصرخة تشمل كل شيء: الألم، التخلي، الإيمان، التقدمة. وهي ليست فقط صوت جسد ينهار إنما العلامة الأخيرة لحياة تقدم ذاتها. وأضاف البابا لاوُن الرابع عشر أن صرخة يسوع سبقها سؤال من أكثر الأسئلة إيلامًا "إلهي إِلهي، لِمَاذا تَركتَني؟" إنها الآية الأولى من المزمور الثاني والعشرين لكنها تكتسب وقعًا فريدًا على شفاه يسوع. فالابن الذي عاش دائما في شركة عميقة مع الآب، يختبر الآن الصمت والغياب والهاوية. ليست أزمة إيمان، بل بالمرحلة الأخيرة من محبة تبذل ذاتها حتى النهاية. صرخة يسوع ليست صرخة يأس بل صدق وحقيقة وثقة تصمد حتى حين يصمت كل شيء.
وتابع الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي لافتًا إلى أنه في تلك اللحظة خيّم الظلام وانشق حجاب المقدِس (راجع مرقس ١٥، ٣٣. ٣٨). وكأن الخليقة نفسها تشارك في هذا الألم، وتكشف عن شيء جديد: فالله لم يعد يسكن خلف حجاب، فوجهه صار مرئيا بالكامل في المصلوب. هنا، في هذا الإنسان المعذب تظهر المحبة الأعظم. وإن قائد المئة، الوثني، فهم ذلك، لا لأنه سمع خطابا بل لأنه رأى يسوع يموت بهذه الطريقة " كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً!" (مرقس ١٥، ٣٩). إنه أوّل إعلان إيمان بعد موت يسوع. إنه ثمرة صرخة لم تتبدد في الريح بل لامست القلب. وأشار البابا لاوُن الرابع عشر إلى أنه في بعض الأحيان، ما لا نتمكن من قوله في الكلمات نعبّر عنه بالصوت. فعندما يمتلئ القلب يصرخ. وليس ذلك دائما علامة ضعف، بل يمكن أن يكون فعلاً إنسانيًا عميقا. لقد اعتدنا أن نعتبر الصراخ كشيء يجب كبته. ولكن يضفي الإنجيل قيمة كبيرة على صراخنا ويذكّرنا بأنها يمكن أن يكون ابتهالاً، احتجاجا، رغبة. لا بل قد يكون أقصى شكل للصلاة حين لا تبقى لدينا كلمات. وفي تلك الصرخة، وضع يسوع كل ما تبقى لديه: كل محبته وكل رجائه.
وأضاف البابا لاوُن الرابع عشر يقول هناك أيضا في الصراخ رجاء لا يستسلم. نصرخ حين نثق بأن هناك من يسمعنا. صرخ يسوع إلى الآب. أظهر لنا أن رجاءنا يستطيع أن يصرخ حتى عندما يبدو أن كل شيء قد ضاع. وتابع الأب الأقدس مشيرا إلى أن الصراخ يصبح هكذا علامة روحية. وهو ليس فقط أول فِعل عند ولادتنا – حين نأتي إلى العالم ونحن نبكي – بل أيضا طريقة للبقاء على قيد الحياة. نصرخ حين نتألم، وأيضا حين نحب، ونتضرع. الصراخ يعني أننا موجودون، ولا نريد أن ننطفئ في الصمت، وأنه لا يزال لدينا ما نقدمه. وفي رحلة الحياة، هناك لحظات قد يؤدي فيها كتمان كل شيء في داخلنا إلى استهلاكنا ببطء. يعلّمنا يسوع ألاّ نخشى الصراخ شرط أن يكون صادقًا، متواضعًا وموجها إلى الآب. فالصرخة لا تذهب أبدا سدى إن كانت نابعة من المحبة. ولا يتم تجاهلها إن أُوكلت إلى الله. إنها طريق لنواصل الإيمان بأن عالمًا آخر ممكن.
وفي ختام مقابلته العامة مع المؤمنين صباح اليوم الأربعاء في ساحة القديس بطرس، قال البابا لاوُن الرابع عشر أيها الإخوة والأخوات الأعزاء فلنتعلّم هذا أيضا من الرب يسوع: لنتعلم صرخة الرجاء عند ساعة المحنة الشديدة. لا لنجرح بل لنوكل أنفسنا. لا لنصرخ ضد أحد، بل لنفتح قلبنا. وإن كان صراخنا حقيقيا فقد يكون عتبة لنور جديد، ولادة جديدة. وكما حدث مع يسوع: فحين بدا أن كل شيء قد انتهى، فإن الخلاص أوشك أن يبدأ. وإذا تم التعبير عنه بثقةِ وحرية أبناء الله، فإن الصوت المتألم لإنسانيتنا، المتحد بصوت المسيح، يمكن أن يصبح ينبوع رجاء لنا ولَمن هم بقربنا.