تُعد المنتديات السياسية والفكرية والثقافية منصات علمية وأدبية لمواجهة التحديات، وتلاقح الأفكار والآراء، وتشجيع سياسات التناصح، وتبادل الرؤى والتجارب الإنسانية لمواجهة الصعوبات المركبة التي تحيط بالإنسان والدول.
وتبرز مكانة المنتديات في تصميمها لسياسات الحاضر ورسمها لمخططات المستقبل، وطرحها للحلول العملية لغالبية المشاكل الدولية وتعزيز الترابط بين الدول، والسعي لبناء الإنسان، ومحاربة الحروب والفقر وسياسات تخريب الوعي الإنساني!
وتعتبر المنتديات، ومنها "منتدى الدوحة" الذي تأسس في العام 2000، ميادين وواحات ومنابر للقاء كبار قادة العالم من السياسيين والمفكرين والمثقفين، ولقراءة الأحداث الدولية والتفاهم والعمل لخير الإنسانية عبر سياسات قائمة على العدل والسلام والمحبة!
وبناءً على ذلك، وتحت شعار "حتمية التغيير" افتتح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، يوم 7/12/2024، أعمال "منتدى الدوحة" في نسخته الـ22، وبحضور مميز ولافت لعدد من الرؤساء والمسؤولين العرب والأجانب!
وقد تزامنت أعمال المنتدى مع جملة أحداث محورية وهامة، حيث إنه عقد بعد أسبوع من انتهاء قمة مجلس التعاون الخليجي، وبعد عام وشهرين تقريبا من المعارك المستمرة في غزة، وكذلك بالتزامن مع الأحداث المتسارعة والمفاجئة في سوريا، وسيطرة الفصائل المسلحة على غالبية مفاصل الدولة، حين انعقاد المنتدى، عدا العاصمة دمشق!
ومَن يتابع الأوضاع الإقليمية سيتيقن بأن الشرق الأوسط عموما، ومنطقتنا بالأخص في مواجهة حالة مخاض قد تكون مليئة بالمفاجئات الجوهرية والتحولات العالية!
ومنتدى الدوحة، الذي استمر ليومين، يُعدّ أرضية متينة لخفض التوتر الإقليمي والعالمي في ظل المخاوف الدولية من احتمالية تطور الصراع الروسي الأوكراني إلى حرب كونية ثالثة!
وكانت كلمة رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني خلال افتتاح المنتدى واضحة ومفصلية حيث أكد بأن ما تشهده غزة هو دوامة عنيفة وأزمة إنسانية غير مسبوقة، وينبغي "ابتكار أساليب جديدة لإنهاء العنف والتأسيس لسلام مستدام"!
وكشف الشيخ آل ثاني بأن الخلافات بين "إسرائيل" وحركة (حماس) ليست جوهرية، وأن" قطر تتعاون مع الإدارة الأميركية لوقف إطلاق النار في غزة".
إن "حتمية التغيير" ضرورة ملحة وخصوصا مع استمرار دوامة العنف في غزة، وتداعياتها التي وصلت إلى لبنان وسوريا، وربما، ستصل لبلدان أخرى!
ولذلك التقى، وعلى هامش أعمال المنتدى، وزراء خارجية دول مسار أستانا (روسيا وتركيا وإيران)، ومصر والسعودية وقطر والعراق والأردن لمناقشة التطورات السورية.
وشدد بيانهم الختامي على أن استمرار الأزمة السورية تطور خطير على البلاد والأمن الإقليمي والدولي، وتستوجب السعي لحلّ سياسي يوقف العمليات العسكرية تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جامعة!
وتوافق المجتمعون على "حفظ وحدة سوريا، وحمايتها من الفوضى والإرهاب".
ونسخة "منتدى الدوحة" لهذا العام، وبحسب "مها الكواري" مديرة المنتدى، شهدت مشاركة أكثر من (300) متحدث، بينهم سبع رؤساء دول، و(15) وزير خارجية، وسبع رؤساء حكومات، من بين (4500) مشارك من أكثر من (150) دولة.
إن زراعة روح التفاهم، وفتح الآفاق السلمية بعيدا عن الحروب تُعتبر من أهم منطلقات الوصول إلى الحلول العادلة والجذرية للمشاكل بين الدول بعيدا عن التسلط والهمجية القائمة على منطق القوة والترهيب!
وحتمية التغيير تأتي من النوايا الصافية، والمصداقية في التعامل السياسي، والعمل الجاد لتحقيق المصالح الإنسانية، والابتعاد عن سياسات التسلط والقتل والدم والإرهاب والاستخفاف بالإنسان وحاضره ومستقبله!
"منتدى الدوحة" واحة إنسانية شامخة لتأسيس "شرق أوسط" آمن ومطمئن، وقائم على الأعراف والقوانين الدولية واحترام سيادة الدول والابتعاد عن التدخل في شؤونها، والحفاظ على الإنسان والبيئة، والعيش المشترك على أرض خالية من القلق والإرهاب!
@dr_jasemj67