عشتار تيفي كوم - آسي مينا/
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
لم يَرِد اسم القدّيس مرقس في الأناجيل الأربعة صراحةً، لكنّه كان حاضرًا كونه أحد الرسل الاثنين والسبعين الذين عَيَّنَهم الرّبّ «وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ» (لو 10: 1).
وذُكِر اسمه مرّاتٍ عدّة في أعمال الرُّسل والرسائل بصفته مرافقًا لبولس ولبرنابا خاله في رحلة التبشير. وسجّل حضوره الأكبر بصفته أحد الإنجيليّين الأربعة، فضلًا عن كونه أوّل بابا للإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة.
فيما ينسب أحد التقاليد ولادة مرقس الإنجيليّ إلى أورشليم، يشير آخر إلى ولادته في درنة الليبيّة. ويؤكّد كلاهما انتماءه إلى عائلةٍ يهوديّةٍ تقيّة تعود أصولها إلى قيرين، إحدى المدن الخمس الغربية في شمال ليبيا.
لذا، لا غرابة في أنّ مرقس قصد هذه البقاع مبشِّرًا، ولجأ إليها حين هاج عليه الشعب الوثنيّ في الإسكندريّة قبل أن يعود إليها ليواصل مهمّته الأسمى في إرساء قواعد مدرستها اللاهوتيّة وتوطيد أركان كنيستها.
مرقس اللّيبيّ يبرز وادي مرقس المعروف أيضًا بـ«وادي الشواعر»، الواقع بين رأس الهلال والأثرون في الجبل الأخضر ضمن الجبال المتاخمة للشريط الساحليّ، باعتباره أحد أجمل المقاصد السياحيّة في ليبيا لما يتميّز به من بِرَكٍ وشلالاتٍ ومغاور.
وميزته الأبرَز أنّ القديس مرقس الإنجيليّ لجأ إليه مع أتباعه في خلال فترات الاضطهاد الروماني، ما يضفي عليه أهميةً مضاعفة بصفته مقصدًا للسياحة الدينيّة. جزم الباحث داود حلّاق في كتابه «مرقس الإنجيليّ» بارتباط المواقع الأثريّة في الجبل الأخضر بمرقس الإنجيليّ.
وعزا جزمَه إلى أنّه ثابتٌ تاريخيًّا أنّ القدّيس ولد في قيرين، «أبرياتولس» تحديدًا في الجبل الأخضر، وأنّه بشَّر المدن الخمس «بنتا بوليس»، لذا فإنّ ارتباط اسم مرقس بهذا الوادي يعود إلى زمنٍ بعيد.
وعلى مقربةٍ من وادي مرقس، نجد واديًا آخر يُعرَف بـ«وادي الإنجيل». يقول حلّاق «بكلّ ثقةٍ وارتياح إنّ مرقس الإنجيليّ قد دوّن إنجيله في ما أسميناه "وشز الإنجيل"، وادي الإنجيل قرب نبع "عين الإنجيل"، فالتصق اسم عمل مرقس الذي دوّنه بهذه الأماكن منذ ذلك الزمن، وحتى يومنا هذا، بل إلى الأبد».
جديرٌ بالذكر أنّ القدّيس حمل اسمًا عبريًّا هو «يوحنّا» ومعناه «الله يتحنّن»، ولقبًا لاتينيًّا هو «مرقس» ومعناه المطرقة، ويُرمَز إليه في الأيقونات بالأسد. وأكّدت جميع المؤشّرات التاريخيّة والأثريّة أنّ مرقس الإنجيليّ كان ذا شأنٍ عظيم في المنطقة، دينيًّا ووطنيًّا.