مسيحيّو العراق في الأردن يتطلّعون إلى مستقبل أفضل      البابا تواضروس يُهنىء البابا لاون ويبحث الأوضاع في غزة ودير سانت كاترين      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يحتفل بالقداس الإلهي في كنيسة السيدة العذراء في تنستا في ستوكهولم      أوغنا يشارك في ندوة عن الحرية والتنوع في الشرق      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يصل إلى السويد      مجلس كنائس الشرق الأوسط يهنّئ قداسة الكاثوليكوس آرام الأوّل      افتتاح مكتبة المطران ابراهيم في ولاية مشيغان الامريكية      غبطة البطريرك ساكو يهنئ المسلمين بعيد الاضحى المبارك      سيادة المطران جاك مراد: الصعوبات التي تواجه المسيحيين في سوريا في الوقت الراهن      قداسة البطريرك مار آوا الثالث روئيل: العلاقات المسكونيّة دعوة إنجيليّة ومسؤوليّة تاريخيّة      صحة دهوك تمنع إدخال اللحوم الى المحافظة      ترامب يذكّر: لن نسمح لإيران بالتخصيب وإلا سنضطر للتحرك      عميل أميركي يعرض نقل "معلومات حساسة" لألمانيا.. ما السبب؟      هل يكون عام 2025 هو عام زوال غوغل؟      هالاند يوقّع على "إغراق إيطاليا" في تصفيات المونديال      الفاصولياء على المائدة كل يوم.. دراسة تكشف "الفوائد الكبيرة"      البابا لاوُن الرابع عشر: شكرًا لأنكم تُظهرون وجه الكنيسة في أبهى تجليّاته      85 حادثة احتراق سيارات سُجلت في أربيل منذ بداية العام الجاري      مصر واليونان تتفقان على حماية وضع دير سانت كاترين      الخارجية الأمريكية: استقلال العراق في مجال الطاقة عن نفوذ إيران يمر عبر غاز كوردستان
| مشاهدات : 6483 | مشاركات: 0 | 2013-06-01 15:26:55 |

الدليل الرسمي للعراق لسنة 1936وسياسة إقصاء القوميات

ايفان جاني كوربيل


ايفان جاني كوربيل*

تعتبر عملية التوثيق من العمليات القديمة التي عرفتها البشرية حتى قبيل معرفتها الكتابة. حيث إستخدم الإنسان قبل بلوغه مرحلة الكتابة، الرسوم والأشكال للتعبير عن نشاطاته في الفترة التي عاشها والظروف التي عهدها ومامرت عليه من أحداث. ولولا التوثيق التاريخي للأحداث التي مرت على البشرية، ماكنا اليوم قادرين على التواصل مع أفكار أسلافنا وتحليل تصرفاتهم. وبمرور الزمن إزدادت أهمية هذه العملية عند المجتمع الإنساني، وقام بتطوير وإيجاد طرق حديثة وعلمية لتوثيق أحداثه، وإتسعت دائرة التوثيق هذه، فشملت السلالات البشرية وإصولها وألوانها وأعدادها وتوزيعها الجغرافي، وفيما بعد وثقت أدق التفاصيل الإجتماعية والإقتصادية وغيرها.

وقد شكلت عمليات التوثيق، خصوصاً في البلدان التي عرفت أولى الحضارات البشرية، مثل العراق ومصر مادة خصبة للمهتمين والمتخصصين في هكذا مجالات-أي دراسة وتحليل المراحل التاريخية للبشرية وإعادة تدوينها بلغة العصر-.

إلا أن هذه العملية المهمة والصعبة، والتي تتطلب حرفية ومستوى علمي عال ودعم مالي كبير، في باديء الأمر كانت حكراً على عدد من الدول المتقدمة والمستعمرة حينها، مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها. وقد إنتقلت تلك العملية- أي التوثيق- بعد تحرر شعوب تلك الدول إلى أبنائها.

ما يهمنا هنا هو الحديث عن سياسة التوثيق التي مارستها الحكومات العراقية بعد توليها دفة قيادة البلاد المتحررة من نير الإستعمار البريطاني عام 1921م إبان تأسيس المملكة العراقية وتأثيراتها السلبية على شعبنا الآشوري، وذلك بقراءة نقدية لأول وأهم دليل صادر عنها ألا وهو (الدليل الرسمي للعراق لسنة 1936 ) والمعروف بإسم "دليل المملكة"، والذي إعتبر ولايزال أحد أهم المصادر الأساسية التي يعتمد عليها الباحثين في دراسة وتحليل الكثير من المجالات الحياتية خصوصاً التأريخية منها. بحكم كونه موسوعة سنوية شاملة للمملكة أنذاك يهتم بشؤونها السياسية والإدارية والإجتماعية والإقتصادية والتجارية والزراعية.

وبحسب القائمين على المشروع فقد صدر الدليل تحت عناية وإشراف وزارة الداخلية وبدعم كبير منها، وهذا مانقرأه في مقدمة الدليل التي جاء فيها مانصه" هيأت لنا "وزارة الداخلية" جميع الوسائل التي توصلنا إلى أدق وأتقن الإحصاءات وكل مايهم من شؤون البلاد، فجاء دليلنا حاوياً الشيء الكثير مما يهم العالم والأخصائي والمؤرخ والإجتماعي..."[1]

أما بخصوص الهدف من إصدار دليل ضخم مؤلف من (1218)صفحة فقد كان مايلي" كان العراق ولما يزل في أمس الحاجة إلى معظم أساليب الدعاية التي تعرفه إلى العالم المتمدن وتبسط نهضته الحديثة أمام الأمم والشعوب وتلفت الأنظار إلى مايتم فيه من مشروعات عمرانية وصحية وإقتصادية في عهده الجديد. وكانت هذه الناحية مهملة وياللأسف إلى زمن قريب ولعل إنشغال بال الحكومة والشعب بحل المشاكل الخارجية وسواها كان من أهم عوامل هذا الإهمال واالنقص"[2] رغم إننا وغالبية المهتمين يدعمون هكذا خطوات وأعمال خصوصاً في حينها لما تبرزه للعالم من وجه مشرق وحقيقي لهذه البلاد وماعرفته من تطورات خلال تلك الحقبة، لكن في ذات الوقت كان هذا العمل بمثابة نقطة إنطلاق لتهميش وسحق ومحو وترقيق الوجود القومي والديني والطائفي لعدد من الشعوب العراقية الأصيلة، وهذا مانراه يتجدد مع كل التعدادات العراقية الأخرى التي عقبت هذا الدليل بعد ترسخ ثقافة الإلغاء كما أسلفنا. فعندما يطالع القاريء الكريم صفحات هذا الكتاب سيحصل على كم هائل من المعلومات التي تمس مجمل المرافق الحياتية في العراق الملكي يومها، من سياحة وتجارة وإقتصاد وطرق نقل ومواصلات وخدمات إضافة إلى تعريفات كبيرة فيما يخص تضاريسه ومناخه وموقعه الجغرافي وإلى ماذلك، لكن ماجذبنا حقيقة في هذا الدليل كان الجزء المخصص للطوائف المسيحية – على حد تعبير الدليل-، فقد قسم الدليل الطوائف المسيحية والتي أعطى نبذة مختصرة عن نشأتها وأفكارها وعدد أتباعها وكنائسهم وتوزيعهم الجغرافي على مستوى الوحدات الإدارية في المملكة، قسمها إلى أربعة أقسام وهي (الكرمليون أو اللاتين وعددهم 975 نفساً 280 نفساً من أهل البلاد، السريان الأرثذوكس 12000 نفساً، السريان الكاثوليك 25000نفساً، الكاثوليك 79930نفساً)، وبهذا بلغ عدد المسيحيين في البلاد (117950)نسمة، وبذلك كانوا أقل عدداً من الطائفة اليهودية التي بلغ عدد أتباعها (120000)نسمة!!.[3]. والملم بتقسيمات الطوائف المسيحية أو الكنائسية، سيتضح له ومن الوهلة الأولى خلل في هذا التقسيم، لأن هناك أكثر من كنيسة وقومية قد أقصيت من هذا التقسيم ومن هؤلاء الآشوريين أتباع الكنيسة الشرقية في العراق وكذلك الأرمن (الكنيسة الأرمنية بشقيها الكاثوليكي والأرثذوكسي)، وقد أثر هذا الإقصاء على العدد الحقيقي للمسيحيين في العراق فجاءوا في المرتبة الثالثة بعد المسلمين واليهود، كما أربك حسابات الجهات المعنية في تحديد العدد الكلي لسكان العراق. وسياسة إقصاء هذا المكون أو ذاك يبدو بأنها لم تأتي عن طريق الصدفة أو نتيجة تقصير أو إهمال، بل كانت متعمدة، خصوصاً بعد أحداث سميل عام 1933، تلك الحادثة الدموية والفاجعة التي إقترفها الجيش الملكي أنذاك بقيادة بكر صدقي وبدعم وإسناد من قبل ملك العراق وحكومة الكيلاني وبريطانيا ناكثة الوعود. وعلى إثر تلك الحادثة إرتبط إسم الآشوريون في العراق بالخيانة ومحاولة سلخ وحدته وتأسيس "أثور" مستقلة لهم في شماله. ونفس الحالة تنطبق على الأرمن الذين طالبوا الحكومة العراقية بضرورة تجميعهم في قرية هوريسك والقرى المجاورة لها في لواء الموصل حفاظاً على وجودهم القومي والإثني، وجوبه طلبهم بالرفض من قبل الحكومة، ووصف تحركهم المذكور بالمحاولة "الخبيثة" من قبل مؤرخ ومُحرف تاريخ الوزارات العراقية المعروف بتشنجه وشوفينيته القومية (عبدالرزاق الحسني) في كتابه ذي الأجزاء السبعة (تاريخ الوزارات العراقية).[4] وقد جاء سبب عدم إدراج الآشوريين في هذا الدليل وبعد مرور سنين طوال رغم وضوحه للمتابع، على لسان أحد القائمين على الدليل ألا وهو (مير بصري)*، خلال إجابته على سؤال طرحه عليه الكاتب العراقي المعروف (رشيد الخيون) بخصوص سبب عدم إدراج الآشوريين في ذلك الدليل حيث قال: " الظروف قادت إلى ذلك، والوضع العام كان متجهاً ضدهم"[5] والمقصود بالظروف وكما سبق وأوضحنا هي المجزرة التي ألحقتها القوات العراقية بالأشوريين العزل في سميل وعدد من قرى ولاية الموصل وما تبعها من إجراءات تعسفية منها إسقاط الجنسية عن عدد كبير منهم ونفيهم إلى الخارج ومن أبرزهم البطريرك (مار إيشاي شمعون) وعائلته والإستيلاء على الكنائس والأملاك العائدة للكنيسة الشرقية.[6] وفي الدليل إشارات أخرى لاتقل خطورة عن الفكر الشوفيني المستشري اليوم بين مجموعة من الأحزاب والجهات، التي لاشك قد تغذت من هكذا مصادر وما شابهها. فبالعودة إلى مقدمة الدليل نقرأ مايلي:" يتألف الشعب العراقي من عرب وكرد وتركمان وأقوام أخرى بعضها من أقدم الأمم التي عرفها العراق وبعض منها نزح إليه في العصور القريبة وفي الأيام الأخيرة ومن أولئك السريان والكلدان والآشوريين"[7] ولو قرأنا هذه العبارة  بتمعن فسنجد فيها نوع من المفاضلة بين ثلاث قوميات معترف بها وأصيلة إلى جانب شعوب وقوميات أخرى بعضها أصيل ومنها مانزح إلى العراق ويعتبر ضيفاً وليس شريكاً، والسؤال المطروح هنا: كيف سيتمكن القاريء غير المطلع على تاريخ العراق من الفصل بين الشعوب الأصيلة القديمة والمهاجرة على حد تعبير القائمين على الدليل، وإذا كان بين أبناء شعبنا (الكلداني السرياني الآشوري)، شعب أصيل فلماذا لم يتم إدراجه إلى جانب الكرد والعرب والتركمان كشعب عراقي أصيل؟ هذا في الوقت الذي يتفق المؤرخون على أن جزءاً كبيراً من عرب العراق والأكراد والتركمان لم يكونوا من سكان البلاد الأصليين بل قدموا إليه مع دخول الإسلام والجيوش العربية ومع الغزوات المغولية والقبائل التركمانية أوبعد دحر الثورات الكردية على يد القوات التركية[8]، ولماذا لم يذكر القائمون على الدليل والرأي العام العراقي أن خط الحدود الذي رسم بين العراق وتركيا وبإشراف بريطانيا عام 1926(خط بروكسل) قسم موطن الآشوريين الأصلي بين الدولتين فعلاً كما جزء الوطن الكردي بين الدولتين، مثلما جزأت المعاهدات العثمانية الفارسية هذا الوطن من الشرق وشطرت قبائل واحدة إلى شطرين، وقد بقي الإنتقال بين الحدودين عملاً إعتيادياً لايثير أي إعتراض بل نصت على هذا الحق الكثير من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية[9]، وهذا ماتؤكده المادة الثلاثون من معاهدة لوزان الدولية التي وقع العراق عليها عام 1923والتي تنص على أن المواطنين العثمانيين الساكنين في الأراضي التي فصلت عن تركيا يصبحون مواطنين للدولة التي نقلت إليها تلك الأراضي، في حين إن المواد (31 و36) نظمت حق الخيار ونقل الإقامة .[10] هذا ناهيك عن الإلتزامات والضمانات التي ألقيت على عاتق العراق بخصوص حقوق الأقليات وبالدرجة الأولى الأكراد والآشوريين، وأقرت حكومة الأخير تنفيذها مقابل موافقة عصبة الأمم على إستقلال العراق وخروجه من تحت نير الإنتداب البريطاني وإنضمامه لها.[11]

وما سيثير دهشة القاريء والمطلع على هذا الدليل ماجاء في مقدمته حول اللغات التي يتحدث بها الشعب العراقي، ويبدو وللوهلة الأولى أن القائمون على العمل قد أنصفوا العراقيين وميزوهم على أساس اللغة والثقافة، وهذا هو الصحيح كون جمال العراق يكمن في تنوعه الإثني والثقافي، إلا أن تلك اللوحة الجميلة والحقيقة الجلية لم تكتمل حتي نهاية تلك السطور، وذلك لربما تلبية لطلب أسيادهم أو تملقاً لهم أو محلوة يائسة منهم لإخفاء سطوع الشمس بالغربال، وقد جاءت الجملة الخاصة باللغة كما يلي:" في العراق لغات هي العربية والكردية والكلدانية والعبرية والتركية والأرمنية، ولكن اللغة العربية هي أم للجميع ولسان للكل". ومن ملاحظتنا لكلمة و"لكن" و"أم" و"لسان الجميع" سنشعر بوجود نوع من التجني أو الفرض والإستعلاء من قبل شريحة وثقافة وقومية معينة على باقي القوميات الأخرى، وكأنها رسالة مبطنة مفادها لكم لغة ونحن ندرك ذلك، لكن إياكم أن تستخدموها أو تفكروا وتظنوا بأنها أو في يوم ما ستبلغ مصاف اللغة العربية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل اللغة العربية أم للغات المذكورة، أم أنها إشتقت من لغات أخرى كالسريانية والعبرية والحبشية؟؟ وألا يجدر باللغة الأم أن تكون أقدم عمراً من اللغات الأخرى ليصح تعبير لغة الأم بالنسبة لها؟؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإقصاء القومي والكنسي الذي أوقع بالأشوريين كقصاص إثر مطالبتهم بحقوقهم القومية لم يتوقف عند ذلك الحد، بل تجاوزه ليبلغ إلغاء اللغة التي يتحدثون ويكتبون ويقرأون بها ألا وهي الآشورية والمعروفة للجميع. ورغم كون ماذكرناه مناقض ويتقاطع مع ما جاء في الإتفاقيات الدولية وماتعهدت الحكومات العراقية بتنفيذه فيما يخص حقوق القوميات غير العربية، فهو ينافي أيضاً ماجاء على لسان ملك العراق فيصل قبيل وفاته بستة أشهر أثناء إنتقاده للوضع العام في العراق في مذكرة موجهة إلى السياسيين العراقيين وجاء فيها:" إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الإجتماعية، وهو الوحدة الفكرية والملية والدينية. فهي والحالة هذه مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل، والموزنة، والقوة معاً، على جانب كبير من الإحترام لتقاليد الأهالي، لاينقادون إلى تاثيرات ردعية، أو إلى أفكار متطرفة، تستوجب رد الفعل".[12] ومن يدقق في كلمات الملك وخطابه هذا سيجد فيها تجسيد لحالة العراق القديمة والحالية، لكن أين كانت هذه الأفكار ساعة شنت جيوش الملك هجومها الغاشم على القرى الآشورية المسالمة وسوتها بالأرض، ألم تكن سياسته متطرفة وطائفية وغير عادلة وإفتقرت للإنصاف والحكمة، ولماذا إنقاد وفضل التأثيرات الردعية ضد التمرد الآشوري على حد زعمهم. هذه الكلمات الرنانة كان بالإمكان العمل بها لاتشويه تأريخ البلاد وجرها نحو الهاوية بإتباع سياسة الإيقاع بين قومياته وطوائفه وتحوله – أي الملك - إلى أداة طيعة لتنفيذ المخططات والأجندات الخارجية التي لازالت أثارها وإفرازاتها حاضرة في ثقافة وفكر المجتمع العراقي. فبعد أن نجحت الحكومة العراقية يومها من مجابهة مطالب الشعب بالقوة وإخراس صوت الحق، تحولت كما ذكرنا إلى إسقاط تلك الشعوب من تأريخ وذاكرة العراق وثقافته ونسيجه الإجتماعي، وقد عبرت تلك الألاعيب والأفكار المريضة إلى الحكومات العراقية المتعاقبة على سدة حكم هذه البلاد، فبإستثناء تعداد عام 1957، سيجد المطلع أن سياسة تغيير الهوية  القومية وحتى الدينية بالنسبة للشعوب غير العربية، بغية ترقيق حجمهم والنيل من وجودهم وإلغاء هويتهم الثقافية، أصبحت حاضرة وبشكل فاضح في ماتلا هذا التعداد من تعدادات وطنية، وهذا ما قلل من أهمية هذه العملية الحيوية التي لها فوائد جمة للدولة ولايمكن الإستغناء عنها، في دولة تسعى لبلوغ مصاف الدول المتحضرة.

وقبل أن أختم كلامي هذا، يبدو بأن السيد (إلياهو دنكور) اليهودي الأصل الذي ساهم هو الأخر في رسم سياسة إقصاء جزء مهم من المكون العراقي قد نال نصيبه من المؤامرة على القوميات غير العربية حين إنقلب السحر على الساحر، فبالرغم من العمل والجهد الكبير الذي بذله السيد دنكور في تجميع معلومات الدليل المذكور وتصنيفها وطبعها في مطبعته الخاصة، إلا أن معظم الكُتاب والمؤرخين العراقيين ممن يستعينون بهذا الدليل في كتاباتهم لايذكرون إسمه على البتة، وذلك بسبب إصوله اليهودية، بل يفضلون كتابة إسم شريكه في العمل السيد (فهمي درويش)، وهذا ما توضح لنا من متابعة العديد من الكتب والأطاريح الأكاديمية التي إستعانت بالدليل كمصدر.

ختاماً، توضح لنا بأن العراق قد دخل عالم التوثيق والإعلام منذ عقود طويلة، إلا أن السياسة التي مارستها الحكومة العراقية وإنحياز قادة الدولة لصالح فئة أو طائفة أو قومية محددة، قد جعل من هذه العملية المهمة وعلى  كافة الأصعدة موضع شك وريبة، وذلك بسبب المعلومات الناقصة والمغلوطة التي غذيت بها حيث ألقت بضلالها القاتمة على قيمتها ومصداقيتها العلمية. كما إنتقلت عدوة إقصاء القوميات والطوائف العراقية وبمرور الزمن إلى الحكومات المتلاحقة بعدما أمست جزءاً من ثقافتها، وأصبحت أداة ووسيلة بيد عصبة من الإنتهازيين غير الوطنيين الساعين لبلوغ غاياتهم الشخصية على حساب الصالح العام. وعلينا أن نعي تماماً بأن هذه السياسة قد أثبتت فشلها، فبعد صراعات طويلة ومخاضات عسيرة لازالت القوميات والطوائف العراقية صامدة وستبقى، وفي ذات الوقت على المجتمع العراقي وقادته أن يدركوا أن التنوع الإثني والثقافي العراقي يعتبر مصدر قوة لا ضعف، ووحدة لا تفرقة، لوعرفنا كيف نستفيد منه ونوجهه.

ماجستير في الجغرافية الأثنوغرافية.

 



[1]   الياهو دنكور ومحمود فهمي درويش، دليل المملكة (الدليل الرسمي للعراق لسنة 1936)، موسوعة سنوية إدارية إجتماعية إقتصادية تجارية زراعية مصورة)، مطبعة دنكور، بغداد، 1936، صفحة المقدمة.

[2]   نفس المصدر والصفحة.

[3]   أنظر: الياهو دنكور ومحمود فهمي درويش، مصدر سابق، ص722-725، ص733-738، ص742-746.

[4]  عبدالرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، الجزء الثالث، منشورات مركز الأبجدية للطباعة والنشر، بيروت، 1982، ص184.  

*   مير بصري يهودي الأصل وإسمه الكامل مير شلومو بن بصلئيل ولد في بغداد عام 1911، وهوباحث وصحفي كما عمل لسنوات في وزارة الخارجية العراقية وحضر العديد من المؤتمرات الدولية عن العراق، رفض مغادرة العراق إبان طرد اليهوديين (1950-1951)،  وشغل منصب الرئيس الفخري للطائفة اليهودية فترة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، إضطر إلى هجرة العراق عام 1974 بسبب المضايقات التي المستمرة التي تعرض لها إضافة إلى سلسلة الإعدامات التي طالت اليهود ممن رفضوا فكرة هجرة العراق إلى إسرائيل، مع هذا تبرع بمكتبته الشخصية والتي ضمت حوالي أربعة آلاف كتاب هدية للمكتبة الوطنية العراقية، توفي في لندن عام 2005. www. Wikipedia.com

[5]   للمزيد راجع: رشيد الخيون، الأديان والمذاهب بالعراق، منشورات لسان الصدق، بدون مكان الطبع،  2005، ص196.

[6]  رشيد الخيون، مصدر سابق، ص196.

[7]  الياهو دنكور ومحمود فهمي درويش، مصدر سابق، صفحة المقدمة.

[8]  راجع: جرجيس فتح الله، نظرات في القومية العربية مداً وجزراً حتي العام 1970، الجزء الأول، مطبعة وزارة التربية، أربيل، 2004، ص284، ص470.

[9]  نفس المصدر السابق، ص470.

[10]  للمزيد راجع: الدكتور فاضل حسين، مشكلة الموصل ، مطبعة إشبيلية، بغداد، 1977، ص184.

[11]  أ.م.منتشاشفيلي، العراق في سنوات الإنتداب البريطاني، ترجمة الدكتور هاشم صالح التكريتي، مديرية مطبعة جامعة بغداد، بغداد، 1978، ص297.

[12]  رشيد الخيون، المجتمع العراقي(تراث السامح والتكاره)، معهد الدراسات الإستراتيجية، بيروت، 2004، ص152.










أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.4456 ثانية