

الوطنية ليست بالعناد والاعتماد على الشعارات الفارغة والخطابات العقيمة وكثرة الكلام، ولا بكثرة الصلاة أو الصيام، أوبالإنغماس في الصراخ وإطلاق الوعيد والتهديد خوفاً من فقدان المكسب والموقع، إنما الوطنية، على أرض الواقع، أفعال وقرارات شجاعة وتواضع وتقدير للذات وللآخرين، وإلتزام بالموضوعية وشعور بالثقة والقوة، وحاجة إلى فكر الآخرين وإحترام آرائهم ومبادراتهم وإنتقاداتهم، وإعتراف بالأخطاء إذا وقعت، وتلك الصفات تتجلى وتتكوَّن عند الذي يُحسن أدائه ويُعبر عن نواياه بصدق. ولكنها تنعدم عند الذي يعتبر الصلافة شجاعة ويُثير الجدل من خلال بيانات صحفية أو تصريحات على القنوات الفضائية ويتدخل في أمور لاتعنية.
أما السياسة، التي تُعتبر عند البعض نوعاً من الوطنية الحقيقية، فإنها إذا وصلت الى الغرور فستصبح غطرسة، والغطرسة تعني التقليل من إحترام الآخرين وخلق الفجوات وتضخيم الذات والتستر خلف الشكليات، والمغرور إن لم يجد من يمدحه ويثني عليه، يتنرجس ويتكفل بمهمة الهجوم على الآخرين، وفي عالمه الخيالي لا يتردد في تنسيب إنجازات غيره لنفسه، وإذا فشل فيلقي أسباب فشله على الآخرين.
سقت بهذه المقدمة لأقول لأحدهم : حينما كان داعش يقتل ويذبح ويستبيح الحرمات، في الموصل وصلاح الدين والأنبار وما حولها، وحينما ترك الأنباريون الكرام بيوتهم نحو بغداد، وتخلى الكثيرون عنهم، وحينما تمادت حكومة حيدر العبادي في إستقبالهم ومنعتهم من دخول عاصمتهم. شاهدتَهُم وشاهدناهم وهم يعيشون بين اليأس والحيرة والإستغراب قرب جسر بزيبز وفي بقية السيطرات الحكومية، ومن المعاملة السيئة معهم في تلك الأجواء القاسية.
ماذا فعلت لهم يا سيد، وماذا قلت؟
طبعاً، لا تملك جواباً، لأنك لم تفعل شيئاً، وأن أجبت فأن جوابك لايقنع.
إذا لماذا إستعجلت في الرد على أقوال السيد مسرور بارزاني المتعلقة بكركوك. هل وصلتك قصاصة ورقية من سيد أو حاج مازال العناد عنده سيداً لمواقفه تجاه الكورد، أو من جهة نافذة ومتمكنة وشديدة التأثير تجلس وراء الكواليس، تدعوك الى الرد على رئيس حكومة إقليم كوردستان السيد مسرور بارزاني بهدف المساهمة في تعطيل الحقوق الدستورية لإقليم كوردستان؟. أم إنك تحمل ثقافة شوفينية وعنصرية بالية.
ردك يا سيد، مع إنه غير معزول عن السيل الجارف من الأقاويل والشك والريبة تجاه دستور صوت له غالبية العراقيين، يُظهر للجميع حقائق واضحة غير قابلة للتأويل. مع ذلك هو ليس نهاية قصة، بل بداية لحوار ونقاش أوسع حول المفروض وغير المفروض، والذي يجوز والذي لا يجوز، والدستور والقانون والفدرالية والديمقراطية والمصالح العامة وكيفية إعادة بناء دولة حقيقية في العراق.
حضرتك يا سيد تعلم أكثر من غيرك أن لا حيلة أمامنا سوى اللجوء الى الدستور والبحث عن الحلول للأزمات المطروحة والمفتعلة، وتعلم أن هناك، في الخارج والداخل، من ينفخون النار المخفية تحت الرماد. مع ذلك، تحاول بتصريحاتك إثارة الجدل سواء بشأن وصف هوية العراق بالسخيفة أو بالتهديد بقطع مياه نهري دجلة والفرات عن الشيعة، في حال إعلانهم لإقليم الجنوب، وأخيرا بوصف ما قاله رئيس حكومة إقليم كوردستان السيد مسرور بارزاني بشأن كركوك بالمرفوض، وتعلم أن أقاويلك تمسّ بوقار السلطة التي تمثلها، وتتجاوز حدود النقد المهني وتخرق وتنتهك روح الدستور وتشجع على الفوضى والتشكيك .