ليس من العدل، ولا من المسؤولية، أن يبقى أكثر من مليون موظف ومنتسب في إقليم كوردستان من دون رواتب منتظمة، بسبب خلافات سياسية ومالية مزمنة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. خلافاتٌ طال أمدها، وتعذّر معها الوصول إلى صيغة واضحة تُنهي هذا النزاع ضمن إطار مؤسساتي مستقر وعادل، لا يُقايض قوت الناس بتوازنات السياسة.
مئات آلاف العوائل في الإقليم، ممن يعوّلون على راتب شهري لتدبير شؤونهم الأساسية، يعيشون اليوم تحت وطأة قلق دائم. الغلاء يستنزفهم، والمدارس والمستشفيات تحتاج إلى مصاريف، والسوق يضغط، فيما الراتب محجوب أو متقطّع أو غير مضمون. هذا ليس مجرد تأخير إداري، بل اختلال جوهري في العلاقة بين المواطن والدولة.
نعلم جميعاً أن جوهر الأزمة لا يتوقف عند الإجراءات المالية، بل يمتد إلى جذور أعمق، حجم الحصة المخصصة للإقليم من الموازنة العامة، والإيرادات غير النفطية التي يُفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة، وآليات تسليم النفط المصدر والمستهلك داخلياً، وموقع الإقليم في المنظومة الاتحادية، وحجم الرقابة والشفافية، وتضارب الصلاحيات بين المركز والإقليم.
هذه إشكالات حقيقية، وبعضها معقّد، ومتوارث منذ سنوات طويلة. لكن الأصعب من كل هذا، أن يُترك الموظف في كوردستان، الذي لا سلطة له على هذه الملفات، بلا مورد ثابت، يُعينه على إدارة حياته اليومية. أن تتحوّل الراتب، وهو أبسط حقوق الموظف، إلى ورقة ضغط، أو أداة في تفاوض لا نهاية له.
الرواتب ليست مكرمة، ولا منّة، بل استحقاق قانوني وأخلاقي، لا يحق لأي سلطة أن تعرّضه للتعليق أو التعطيل. وليس من المقبول أن يكون الموظف، في أربيل أو السليمانية أو دهوك، او حلبجة، رهينة لعقد سياسي لم يُحسم، أو خلاف نفطي لم يُفكك.
المطلوب اليوم أن تتحمّل الحكومتان، في بغداد وأربيل، مسؤوليتهما الكاملة، وأن يضعا نهاية لهذا الملف الشائك، وفق مبادئ الدستور وروح العدالة والإنصاف. لا مخرج من هذه الأزمة إلا من خلال اتفاق مستقر وشفاف، يعيد للمواطن ثقته، ويعيد لمؤسسات الدولة معناها، بعيداً عن الحلول المؤقتة أو المعالجات الموسمية.
إنّ تحميل الناس أعباء الخلاف السياسي بين الحكومتين، هو إخلال بواجب الدولة في رعاية مواطنيها دون تمييز. وإذا لم تتمكّن القوى السياسية من وضع حدٍّ لهذا الانسداد، فستتراكم آثاره ليس فقط في الاقتصاد، بل في بنية الثقة والشرعية.
إن الطريق إلى الحل ليس مستحيلاً، لكنه يحتاج إرادة صادقة، وقراراً شجاعاً بأن تكون حياة الناس فوق الاعتبارات السياسية، وأن تُفصل الخلافات الدستورية عن الحقوق الأساسية. وما لم تُفعل هذه الإرادة، سنبقى ندور في حلقة مفرغة، يدفع ثمنها من لا ذنب له.
فالموظف الذي يُحرم من راتبه، لا يسأل عن تفاصيل الأنابيب النفطية ولا عن نصوص الاتفاقيات، بل يسأل ببساطة: كيف أعيش؟ كيف أطعم أطفالي؟ كيف أواجه الغد؟
أليس من حقه أن يسمع جواباً واضحاً لا وعداً مؤجلاً؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب" ص2
الخميس 17/ 7/ 2025
المركز الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي عند النشر