فشل قيادة كوسوفو: اختطاف خطير للديمقراطية

يصعب تخيّل كيف أن بلدًا صغيرًا يعاني من ضائقة اقتصادية كبيرة ويخوض صراعًا مستمرًا مع جاره، لا يزال تحت حكم حكومة انتقالية بعد أربعة أشهر من الإنتخابات الوطنية. يجب على رئيس الوزراء كورتي إنهاء هذا الجمود، إذ لا يُبشّر بالخير بالنسبة له عند إجراء حتمًا انتخابات جديدة.

لا تزال كوسوفو بعد أربعة أشهر من الإنتخابات البرلمانية عالقة في مأزق سياسي. يُعطي رئيس الوزراء كورتي وقادة المعارضة الأولوية للأنانية على التسوية، مما يترك البلاد بدون حكومة فاعلة ويُشلّ الإقتصاد ويُبعد المستثمرين ويُضعف ثقة الجمهور بالديمقراطية.

وما يحدث في كوسوفو ليس مجرد مأزق سياسي؛ بل هو اختطاف للعملية الديمقراطية برمتها. للمرة الثامنة والثلاثين، يفشل النواب في تنصيب برلمان جديد بعد أكثر من أربعة أشهر من الإنتخابات. وعلى الرغم من تصدره استطلاعات الرأي، لم يحصل حزب “فيتيفيندوسجي” بزعامة ألبين كورتي على مقاعد كافية لانتخاب رئيس البرلمان من طرف واحد. وقد عرقلت المعارضة بدورها مرشحه مرارًا وتكرارًا. يرفض كورتي التنازل. والنتيجة ؟ لا برلمان فعّال، لا تقدم، لا مساءلة، لا استئناف للحوار مع صربيا، لا إصلاحات، لا خطط اقتصادية شاملة، ولا استثمارات أجنبية تساعد في انتشال البلاد من ركودها المالي.

والآن تدخلت المحكمة الدستورية مانحةً النواب 30 يومًا فقط للوفاء بالتزامهم الدستوري الأساسي: انتخاب رئيس للبرلمان وبدء العملية البرلمانية التشريعية. إن مجرد صدور أمر من المحكمة بهذا الشأن أمرٌ مُقلق للغاية. ليست هذه هي الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية. فالشلل المؤسسي مدفوعٌ بالأنانية الشخصية والمصالح الحزبية التي تعلو فوق المصلحة الوطنية. يستحق شعب كوسوفو ما هو أفضل من مسرحية سياسية لا نهاية لها. هذا الصراع على السلطة يُقوّض مؤسسات كوسوفو ويُقوّض ثقة الجمهور ويُضعف الحكومة بشكل خطير.

يجب اتخاذ عدة خطوات ملموسة لإنهاء الجمود السياسي المستمر في كوسوفو، ويتعين على رئيس الوزراء المؤقت ألبين كورتي وقادة الأحزاب السياسية الآخرين إعطاء الأولوية لمصالح البلاد على المكاسب الحزبية.

خطوات رئيسية لإنهاء الجمود
بما أن المحكمة الدستورية قد أمرت بالفعل بتشكيل الجمعية البرلمانية وانتخاب رئيس لها في غضون 30 يومًا، فإن هذا يتطلب من جميع الأحزاب، وخاصة حزب فيتيفيندوسي، وهو الحزب الأكبر، الإنخراط في مفاوضات جادة والإستعداد للتنازل عن اختيار رئيس البرلمان. قد تكون الإنتخابات البرلمانية المبكرة ضرورية إذا لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء خلال مهلة الثلاثين يومًا. في الواقع، أظهر الفشل المتكرر في انتخاب مرشح فيتيفيندوسي أن الإصرار على مرشح مثير للإنقسام لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد الأزمة. وفي هذا الصدد، ينبغي تبني دعوة أحزاب المعارضة إلى تصويت مفتوح وتوافق، رافضةً الإقتراع السري باعتباره أقل شفافية. إذ من شأن اعتماد إجراءات شفافة أن يساعد في بناء الثقة وكسر الجمود.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي النظر بجدية في اقتراح زعيم الرابطة الديمقراطية لكوسوفو (LDK)) الذي اقترح تشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة شخصية محايدة سياسياً، مع استثناء قادة الحزب أنفسهم من المناصب التنفيذية وتولي الوزارات من قِبل متخصصين من جميع الأحزاب، وتحديد موعد جديد للإنتخابات. ستركز هذه الحكومة الإنتقالية على استعادة الأداء المؤسسي وتنفيذ إصلاحات عاجلة ريثما يتسنى إجراء انتخابات جديدة.

الإستعداد لتغيير المرشحين
يقترح العديد من المحللين، بمن فيهم كاتب هذا المقال، أن يقترح حزب فيتيفيندوسيه مرشحاً جديداً أقل استقطاباً لمنصب رئيس البرلمان كمخرج منطقي. لقد حان الوقت لكي يواجه كورتي واقعاً تحداه ليُثبت جدارته بقيادة الحزب الأكبر. إن موافقته على ذلك ستُثبت أيضاً امتلاكه للشجاعة والثقة بالنفس والصفات القيادية اللازمة لتحسين فرص فوزه بأغلبية مطلقة في الإنتخابات المقبلة.

وعلى الرغم من أن كورتي اتخذ خطوات بدعوة قادة المعارضة إلى المحادثات، إلا أن هذه الخطوات يجب أن تكون جوهرية وتهدف إلى تسوية حقيقية، لا مجرد مواقف إجرائية. يجب أن يكون مستعدًا لسحب أو استبدال المرشحين المثيرين للإنقسام، ودعم تدابير بناء التوافق، حتى لو أدى ذلك إلى فقدان مؤقت لنفوذ حزبه. بالإضافة إلى ذلك، بصفته رئيس وزراء مؤقتًا، تقتصر صلاحيات كورتي قانونيًا على الأنشطة الأساسية والمخطط لها مسبقًا؛ وعليه تجنب اتخاذ أي تعيينات أو قرارات مثيرة للجدل تتجاوز هذا التفويض. يجب عليه إعطاء الأولوية لاستقرار كوسوفو وسلامتها الإقتصادية ومكانتها الدولية على المصالح الحزبية لحزبه.

مسؤوليات قادة المعارضة
يجب على أحزاب المعارضة المشاركة بشكل بناء في المحادثات وعدم استغلال الأزمة لإضعاف الحزب الحاكم الانتقالي أو فرض انتخابات مبكرة. وينبغي أن تدرس بجدية مقترحات تشكيل حكومة وحدة أو حكومة مؤقتة وتجنب الإصرار على مواقف متطرفة مما يُديم حالة الجمود. وفي هذا الصدد، يجب على جميع الأطراف إدراك مسؤوليتها المشتركة تجاه الأزمة والحاجة الملحة لاستعادة المؤسسات العاملة.

يُلحق هذا الجمود السياسي ضررًا بالغًا باقتصاد كوسوفو ويُهدد بفقدان القروض الدولية وأموال الإتحاد الأوروبي ويُقوّض ثقة الجمهور بالديمقراطية. وقد دعا المجتمع المدني ومجموعات الأعمال والشركاء العالميون إلى اتخاذ إجراءات عاجلة والمساءلة. ومع ذلك، فإن إنهاء هذا الشلل يتطلب إرادة سياسية ومرونة واستعدادًا للتسوية أو إيجاد حلول وسط من جميع الأطراف. وبعيدًا عن المشاحنات السياسية، فإن المطلوب الآن ليس الإثارة، بل نقاشًا جادًا بين قادة الأحزاب لكسر الجمود والإهتمام بالحوار “المشلول” بين كوسوفو وصربيا.

استغلال صربيا للجمود السياسي في كوسوفو
إلى جانب الشلل الداخلي الحادّ الذي يُؤثر سلبًا على جميع جوانب أجندة كوسوفو الداخلية تقريبًا وعلى علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي، تستغل صربيا الجمود السياسي في كوسوفو للقول إن بريشتينا تفتقر إلى حكومة شرعية مما يُعيق أو يُضعف موقف كوسوفو في الحوار والمفاوضات التي يتوسط فيها الإتحاد الأوروبي. ويُشدد المسؤولون الصرب على تدهور وضع الصرب في كوسوفو، مُلقين باللوم على تصرفات بريشتينا، مُستغلين هذا الجمود للضغط من أجل مزيد من الإهتمام الدولي وتقديم تنازلات. إضافةً إلى ذلك، يُقال إن حزب القائمة الصربية المدعوم من صربيا والذي يمتلك مقاعد مضمونة في برلمان كوسوفو، يُعمّق الجمود السياسي بمقاطعته الإنتخابات، مما يُصعّب على كوسوفو تشكيل حكومة ويعزز مصالح بلغراد.

تُشير صربيا أيضًا إلى عدم الإستقرار السياسي في كوسوفو، مُجادلةً ضد الدعم الغربي لبريشتينا ومُقاومةً الضغوط لتقديم تنازلات في محادثات التطبيع. يُحذّر بعض المحللين من استفزازات مُحتملة، مع أن تركيز صربيا الرئيسي يبقى دبلوماسيًا وسياسيًا نظرًا لتوتر وضعها الداخلي وليس تصعيدًا عنيفًا مباشرًا، ناهيك عن شنّ حرب، وهو ما يدّعي ترامب زورًا أنه منعها.

من المؤكد أن صربيا تستغل مأزق كوسوفو بشكل رئيسي لإضعاف مكانتها الدولية وموقفها التفاوضي، في حين تقوم بتعزيز نفوذها على الأقلية الصربية في كوسوفو وعلى عملية الحوار. هذا الوضع يعزز أكثر ضرورة استئناف الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للمفاوضات بين كوسوفو وصربيا، لأن المزيد من التعطيل للمحادثات يجعل احتمال التوصل إلى حلّ مستدام وسلمي أبعد من أي وقت مضى.

ينبغي على كورتي وقادة الأحزاب الآخرين النظر في كلّ ما سبق بجدية والتصرف بحزم. يجب على كورتي، إلى جانب قادة الأحزاب السياسية الآخرين، أن يضعوا المصالح الضيقة جانبًا ويركزوا على استعادة المؤسسات الديمقراطية في كوسوفو لما فيه خير جميع المواطنين. هذه هي السمة المميزة لرجال الدولة التي كانت مفقودة بشدة. السؤال هو: هل سيرتقي كورتي إلى مستوى الحدث أم سيُخذل البلاد بثمن سياسي لا يرغب في دفعه ؟