البابا ليو الرابع عشر بابا الفاتيكان الجديد من شيكاغو ، الولايات المتحدة      عاجل : اختيار بابا جديد للفاتيكان الان بأنتظار معرفة قداسته      افتتاح مؤتمر "المسيحيون في المشرق العربي وطموحات الوحدة والتنوير"/ الاردن      الفنان طلال كريش يزور قناة عشتار الفضائية في دهوك      رئيس أبرشية دير مار متي يرافقه الاباء الكهنة في زيارة لجامعة الحمدانية      بالصور ـ تذكار مارت شموني \ قرية دهي      مهرجان عنكاوا يقدم منح مالية للمدارس الحكومية في عنكاوا      قداسة البطريرك مار آوا الثالث يستقبل رئيس جماعة بوزيه الرهبانيّة في إيطاليا      ما أثر زيارة البابا فرنسيس في قلوب الموصليّين؟      قداسة مار كيوركيس الثالث يونان يحتفل بالقداس الإلهي في كنيسة القديس دانيال الشافي بقرية بخيتمة      سر التصديات المذهلة لسومر حارس إنتر ميلان ضد برشلونة      دراسة: البشر يتعاطفون مع المجموعات أكثر من الأفراد      194 شكوى من رجال ضد زوجاتهم خلال 4 أشهر في إقليم كوردستان      رابطة المصارف الخاصة: بدأنا توطين رواتب موظفي القطاع الخاص      حبوب التوقف عن التدخين قد تفيد في الإقلاع عن السجائر الإلكترونية      وزير دفاع إسرائيل: ما فعلناه للحوثيين سنفعله في إيران      الجولة الأولى من الكونكلاف: دخان أسود مع عدم انتخاب الكرادلة بابا جديدا      ريال مدريد يحسم مستقبل دكته.. تشابي ألونسو مدربا في صيف 2025      دراسة صادمة تكشف كيف تستهلك بعض السيارات الهجينة وقودا أكثر من نظيراتها العاملة بالبنزين      الفاتيكان يُلغي رمزين من رموز سلطة البابا فرنسيس
| مشاهدات : 786 | مشاركات: 0 | 2025-03-06 12:35:50 |

بانتظار {نوائح سومر}

جاسم الحلفي

 

 

بلغني أخيراً أن رواية "نوائح سومر" سترى النور، بعد ان تبنّى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق طباعتها.

لقد رافقتُ هذه الرواية منذ أن كانت فكرة مجردة في ذهن كاتبها، وأزعم أنني كنتُ من المشجعين على كتابتها، بل وربما المحرّضين على إخراجها إلى العلن. كان ذلك عندما حدّثني الروائي عبد الستار البيضاني عن قصة استشهاد سعدون، ابن منطقتهم، الذي كان طالبا في كلية الطب بجامعة البصرة. ذلك الشاب اليساري المتميّز، الذي ظل وفياً لقناعاته حتى لحظاته الأخيرة، ولم يبدّل موقفه رغم فظاعة المصير الذي كان ينتظره.

 

كانت قصته تستحق أن تُروى، وكنتُ أخشى أن تطويها الأيام كما طوت آلاف القصص التي لم تُكتب، ولم تجد من يُخلّدها. قلتُ للبيضاني حينها: إن لم تُكتب فستُنسى، ولن يتذكرها أحد.. الكتابة وفاءٌ لسعدون، ونسيانها خذلان له).

 

لم يكن هدفي مجرد التوثيق لسيرة سعدون، فالتخليد حقٌ له ولأمثاله من رفاق الطريق الذين مضوا شهداء لمواقفهم. المسألة لم تكن مجرد واجب تجاه ذكراهم، بل كانت تتعلق أيضاً بكتابة شهادة عن مرحلة حساسة جداً في تاريخ العراق، مرحلة شهدت صعود الدكتاتورية وفرض قبضتها الحديدية على المجتمع، مع تحولات كبرى كان لها أثر كارثي على مصير اليسار العراقي.

 

كنتُ أرى أن الرواية يجب أن تكون أكثر من مجرد تأبينٍ لسعدون أو استعادةٍ لحياته، ان تكون  شهادة حية على الزمن الذي عاش فيه. وهو زمنٌ بدأ فيه النظام بالتوحش شيئاً فشيئاً، وتحوّلت فيه شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية إلى أداة لخنق الأصوات المعارضة، وبدأت آلة القمع تفرغ المجال السياسي من أي صوت يساري، مستعملة أبشع الوسائل وأشدها قذارة.

 

كان سعدون نموذجاً لشباب تلك المرحلة، ابن عائلة كادحة، نشأ في بيئة تشكل فيها الوعي الطبقي بوضوح، وارتبطت أحلامه وتطلعاته بمعاناة الطبقة المسحوقة التي كان جزءاً منها. لم يكن مجرد ناشط سياسي، بل كان شاباً مفعماً بالحياة: يدرس، يعمل، يشارك في النشاطات الثقافية، ويفكر بمستقبله، لكنه أيضاً كان يرى الواقع كما هو، منقسماً بشكل ظالم بين قلة تتحكم بالمقدرات، وكثرة لا تجد سوى الفقر والقمع والتهميش.

 

حينما قُبض عليه، كان يعرف أن مصيره قد حُسم، لكنه واجه ذلك بثبات نادر. لم يساوم، لم يتراجع، لم يطلب الرحمة. كانت التصفية بمادة "السيانيد" واحدة من أبشع الجرائم التي لجأ إليها النظام المقبور، جريمة تعكس همجية السلطة التي لم تكتفِ باعتقال اليساريين وتعذيبهم، بل أرادت أن تجعل من قتلهم درساً للآخرين. ولم يكن الاعدام مباشراً، بل موتاً بطيئاً ومهيناً، حيث يُجبر المعتقل على شرب السم، بينما يُمنع الأطباء من تقديم أي إسعاف له، فيتحوّلون إلى شهود على الجريمة، وربما شركاء فيها بصمتهم.

 

كان "سعدون" يعرف أن لحظاته الأخيرة قد اقتربت، لكنه لم يفكر بنفسه، بل فكر بأمه. لم يشأ أن يموت وحيداً في زنازينهم القذرة، بل طلب أن يُعاد إلى حضن امه "مناهل"، تلك المرأة التي صنعت منه رجلاً صلباً، وظلّت تؤمن بأن ابنها سيحقق طموحه رغم كل العوز والفقر والمعاناة. أراد أن يكون قربها عندما يفارق الحياة، لأن الموت في حضنها أكثر رحمة من الموت بين جدران السجن.

 

الرواية بالنسبة لي ليست مجرد عمل أدبي، بل رد اعتبار لتاريخٍ حاولت السلطة محوه، وتذكير بمن تم سحقهم لأنهم حلموا بعراق مختلف. كان يجب أن تُكتب هذه الشهادة، لا لتكريم الأموات فقط، بل ولتنبيه الأحياء إلى حجم الفظائع التي ارتُكبت، وللحفاظ على الذاكرة من التشويه والنسيان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جريدة "طريق الشعب" ص2

الخميس 6/ 3/ 2025

 

المركز الإعلامي للحزب الشيوعي العراقي










أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 1.2023 ثانية