إيبارشية أربيل الكلدانية – نشاط اليوم الأول لبرنامج النشاط الصيفي 2025      دير الربّان هرمزد... حين ينطق صمت الحجارة بجلال النُّسك      بالصور.. جانب من القداس الإلهي بمناسبة تذكار القديس مار يوسف خنانيشوع - كنيسة مار كيوركيس في ديانا      حفل تأبيني على روح مثلث الرحمات مار ابرم موكان في تريشور/ الهند      سوريا: شابتان مسيحيتان مختفيتان.. ولا معلومات عنهما حتى الآن      اليوم الثاني من "أيام عنكاوا للشباب "AYM 2025: شباب يُصغون للدعوة ويُجدّدون التزامهم      غبطة المطران مار ميلس زيا، يقيم في تريشور قداس اليوم الثالث على رحيل غبطة المطران مار ابرم موكن      محافظ نينوى يبحث مع مطران الكنيسة الشرقية القديمة عودة المسيحيين إلى الموصل ويؤكد: سيتم إعادة بناء كنيسة حي النور      الأب كولومبا ستيوارت... حارس المخطوطات المشرقيّة      بذريعة البحث عن كنز مزعوم.. تدمير كنيسة أثرية أرمنية في تركيا      الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين يهاجم الفيفا ورئيسه وكأس العالم للأندية      هل يمكن لمخ البشر تجديد خلاياه؟.. دراسة تحسم الجدل      بيان مشترك لـ "الديمقراطي الكوردستاني" و"الاتحاد الوطني" بشأن مستحقات إقليم كوردستان      وزارة الثروات الطبيعية: هجوم إرهابي بطائرة مسيّرة يستهدف حقل سرسنك النفطي في دهوك      القضاء العراقي: أكثر من 5 آلاف حالة طلاق في البلاد خلال حزيران      الصحة العالمية توصي بحقن "ليناكابافير" للوقاية من الإيدز      اليابان تحذر من تصعيد عسكري صيني قرب أراضيها      تسارع دوران الأرض يثير القلق.. وتحذيرات من "كوارث محتملة"      إسقاط مسيرة مفخخة قرب مطار أربيل الدولي      طقس العراق.. شديد الحرارة مع غبار و"زخات خفيفة" محتملة في دهوك
| مشاهدات : 2379 | مشاركات: 0 | 2024-05-12 11:05:29 |

"أصداء الذاكرة"

نشوان عزيز عمانوئيل

"أصداء الذاكرة" 

 

 

قراءة في التجربة الشعرية  للدكتور بهنام عطاالله: تلاوة الغياب وتأثيث الخراب"

 

 

 ثلاث قصائد 

 

في قلب الأدب الحديث، تتجلى الشعرية بكامل أبهتها عندما تلامس الروح الإنسانية بتعقيداتها، شجونها وآمالها المفقودة، وهو ما يحاول الشاعر بهنام عطاالله أن يصوره من خلال قصائده التي تجتاح عوالم الغياب، الذاكرة، والألم الإنساني بلغة شعرية غنية وعميقة.

في تجريف الكلمات من طين اللغة واستخلاص الذهب الخالص من ركام العبارات، يكمن فن الشعر، ذلك الفن الذي يقوم ليس فقط كمرآة تعكس الواقع بل كمطرقة قد تشكله أو تحطمه. هكذا يبرز الشاعر كصانع للحقيقة، لا كمجرد ناقل لها، في زمن يكثر فيه الخطاب وتخبو فيه الحقائق وفي عالم تتلاشى فيه الحدود بين الذات والآخر، بين الداخل والخارج، يستعمل الشاعر اللغة ليبني جسورًا تمتد عبر هذه الفجوات، مانحًا الأصوات صدى في فضاءات قد تبدو، للوهلة الأولى، صامتة.

 

شعر بهنام عطاالله ينبثق كتعبير صرف عن هذه الرؤية، حيث الكلمات تُنحت بعناية لتشكل لوحات تتداخل فيها الألوان العاطفية والفكرية بصورة تخلق تجربة جمالية وذهنية غنية. حيث تبدو نصوصه الشعرية  كأنها تنقيب عن الأنساق العميقة التي تربط الإنسان بعالمه، تلك الروابط التي قد تكون مفعمة بالجمال أو مثقلة بالألم.

 لا يقف الشاعر مكتوف الأيدي أمام اللغة، بل يعمل على تفكيكها وإعادة تركيبها بطرق تكشف عن طبقات جديدة من الوعي والإحساس.

 

اللغة عند عطاالله لا تقتصر على كونها وسيلة للتواصل أو أداة لوصف الواقع، بل هي حقل تجريبي حيث تُختبر الإمكانيات الإبداعية للفكر والعاطفة. يمكن رؤية كل قصيدة كمشروع فلسفي بحد ذاته، يسبر أغوار الوجود الإنساني ويطرح أسئلة عميقة حول الهوية والذاكرة والفقد. وفي هذا المجال، يعمل الشاعر ليس فقط كمحرض على التفكير بل كموجه للمشاعر، مستكشفًا الطرق التي يمكن من خلالها للغة أن تمتد لتلامس الروح.

 

في قصيدته "رئة الكلمات"، يستهل الشاعر رحلته بالبحث عن معنى في زمن يبدو أنه تخلى عن المعاني، حيث تتراءى الكلمات ككائنات حية تبحث عن النفس والنجاة في بحر من الضياع. يستعير عطاالله صوراً متقاطعة بين الحزن والجمال، معززاً إياها بالمفارقة بين اليأس والأمل. هذا البناء الشعري يضعنا أمام مرآة الذات الإنسانية التي تواجه تحديات الوجود والهوية في عالم متغير حيث  يبدأ عطاالله رحلته بالسير نحو المنفى الذاتي، مصحوباً بأوجاعه، في صورة قطار اليأس الممتلئ بالرهبة والقلق، حيث يصور الصفير الذي "رج رأسي صادحاً.. متدفقاً عند إنطلاق الرحلة التالية" ليبرز حالة الاضطراب الداخلي التي تعتري الذات.

 

 

"حينما تشهق اسمائي من رئة الكلمات

ولغة الفصول

في ثوب الألم المستديم

أغسل كآباتي بالبوح

وبتجليات تروي عطشي

في ذلك الهزيع الأخير من الليل

ثم أكوي ما تبقى منها 

أنشرها في دفتر ذكرياتي"

 

 تلك الخسارات المشحونة بألوان الغروب البرتقالية، تكشف عن التمرد الباطني ضد الواقع. 

 

أما في قصيدة "رائحة الغياب"، فيتجلى الغياب ليس فقط كفقدان جسدي بل كظاهرة معقدة تمس كينونة الشخص نفسه. من خلال الرموز الشعرية مثل

 

" وجهكِ تعويذة ثكلى أضاء رواق الوقت

بترنيمة تؤثث للرحيل صوب المنافي القصية

تهذي مثل نصوصي المعطلة

فوق الرفوف" 

 

 "تعويذة ثكلى" و"ربيع لا لون له"، ينجح الشاعر في إيجاد لغة شعرية تخترق أعماق الفقد الإنساني، وتبحث عن إجابات في متاهات الوجود والزمن حيث يبدو الشاعر هنا مثل نحات يشكل تمثالاً للحنين، مستخدماً أدوات الكلمة ليعبر عن هذا الشعور المعقد بأسلوب يكاد يكون سيمفونياً

وأيضا هذهِ القصيدة تأخذنا في رحلة حنين ملونة بالشجن، حيث "وجهكِ تعويذة ثكلى أضاء رواق الوقت". حيث يعتمد الشاعر على اللغة كوسيلة لاستدعاء المفقود، والتعبير عن التعلق العميق الذي يظل حاضراً حتى في الغياب. يتسلل الحزن إلى الروح كربيع يختلف عن كل الفصول، ربيع بلا لون يؤشر إلى فقدان دائم ولا مفر منه. 

 

وفي قصيدته "الخريف الجميل"، يصور الشاعر الفصل كمثال على الحياة التي تتجدد في النهايات، حيث تصبح الخسارة موضع تأمل وجمال. هذا التناقض بين جمال الطبيعة وألم الذاكرة يعكس تناقضات الحياة نفسها، حيث تتحول الأحزان إلى جزء لا يتجزأ من الخلق والإبداع الشعري. القصيدة تعكس صدق الشاعر ومواجهته للحقائق المؤلمة بروح رائعة من الإبداع والتأمل فيبرز عطاالله الجمال الحزين للفصول كمثال على التحولات الحياتية التي يمر بها كل منا، "وهو يمتد نحوي ليعلن حرباً جديدة دون شروط". الخريف، مع صفير القطارات وحفيف الشجر، يصير رمزاً للنضج والتسليم بالفقد، لكن أيضاً للجمال الذي يحمله الاعتراف بما هو زائل. 

 

"خيمة اقلقتها الهواجس 

ومحطات الذبول

ها أنا الآن أغادر النعاس 

ثم أدنو من صوت

صفير القطارات

وحفيف الشجر" 

 

من خلال هذه القصائد ، يبرز بهنام عطاالله كشاعر يمسك بزمام المبادرة لاستكشاف الأعماق الإنسانية بلغة شعرية تمتاز بغناها وعمقها الفلسفي. تظهر قدرته على استخدام اللغة ليس فقط كأداة للتعبير بل كوسيلة لإعادة صياغة تجربتنا الإنسانية، ما يجعل قصائده مرآة تعكس تجاذبات الروح والوجود بكل تعقيداتها. وبذلك، يقدم عطاالله نفسه كصوت شعري قوي ومؤثر في مجال الأدب العربي الحديث، معبراً عن مكنونات الذات البشرية بطريقة تجمع بين العمق الشعوري والصياغة الفنية المتقنة.

تتجلى قدرة بهنام عطاالله في استخدام اللغة لاستكشاف المشاعر الإنسانية العميقة وتقديمها بأسلوب شعري يحتفي بالجمال في خضم الألم والفقد، مانحًا أعماله طابعًا خاصًا يمزج بين الرهافة والقوة وانا أجزم أن الشاعر بهنام عطاالله يعد  نموذجًا للشاعر الذي ينحت من اللغة تماثيل شعرية تعبّر عن تقلبات النفس ومكنونات الإنسان بأسلوب يتسم بالأصالة والابتكار. 

 

إن لمساته الشعرية تعكس تجارب إنسانية موحدة، تصل بالقارئ إلى لحظات من الوحي والإلهام، مما يجعل القصائد ليست مجرد نصوص تُقرأ بل تجارب يُعاشها. بعد هذه الرحلة في عالم عطاالله الشعري، لا يمكن للقارئ إلا أن يشعر بأنه أمام شاعر يجيد نقل العواطف والأفكار بكلمات تبقى معلقة بالذاكرة، مشكّلة جسرًا بين اليأس والأمل، بين الغياب والحضور.

ليست قصائده مجرد مرثيات للحظات فائتة، بل هي احتفاء باللحظة الشعرية التي تتخطى الزمان والمكان، وتؤكد على أن الكلمة، حين تُنقش بمهارة شاعر مثل عطاالله، تصبح أبدية، تخلق عوالمها الخاصة التي تعيش وتتنفس في وجدان القارئ. بكل هذا، يثبت  أن الشعر ليس مجرد فن بل هو سبيل للتعبير عن الروح الإنسانية بكل 

تعقيداتها وجمالياتها.

 

 

نشوان عزيز عمانوئيل‎ ‎

ستوكهولم‎ ‎

‎2024 ‎

 

 

صورة للشاعر بهنام عطاالله











أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.4064 ثانية