
التمثال النصفيّ للكرمليّ في بغداد | مصدر الصورة: موقع الكرمليّين الحفاة
عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
بغداد, الخميس 4 ديسمبر، 2025
رغم أنّ والده لبنانيّ الأصل، يمكننا أن نعدّ بطرس جبرائيل يوسف عوّاد عراقيًّا، لأنّه وُلِد في بغداد سنة 1866 من أمٍّ عراقيّة، وفيها أكمل تعليمه في مدرستَي الآباء الكرمليّين ثمّ الاتّفاق الكاثوليكيّ، قبل أن يلتحق بكلّيّة الآباء اليسوعيّين في بيروت، ثمّ يقصد بلجيكا وفرنسا لإتمام دراسته اللاهوتيّة وينتمي إلى الرهبنة الكرمليّة سنة 1887 ويُرسم كاهنًا سنة 1894 باسم «أنستاس ماري الكرمليّ».
عيَّنَه الآباء الكرمليّون مديرًا لمدرستهم في بغداد سنواتٍ عدّة، وفيها علَّم العربيّة والفرنسيّة، ثمّ تفرّغ للكتابة والبحث والتأليف. عُرف الكرمليّ بشغفه باللغة العربيّة وحبّه لها، فضلًا عن إتقانه الفرنسيّة واللاتينيّة واليونانيّة، وإلمامه بالسريانيّة والعبريّة والحبشيّة والصابئيّة والفارسيّة والتركيّة والإنجليزيّة والإيطاليّة والإسبانيّة، وفق ما أورَدَ كوركيس عوّاد في كتابه «الأب أنستاس ماري الكرمليّ، حياته ومؤلّفاته».
شرع الكرمليّ سنة 1911 في إصدار مجلّته الفريدة «لغة العرب»، وقد جاء في ترويستها أنّها «مجلّةٌ شهريّة أدبيّة علميّة تاريخيّة»، واستمرّت حتّى العام 1931. ونظرًا إلى أهمّيّتها، أعادت وزارة الإعلام العراقيّة طبعها بمجلّدَين في العامَين 1971 و1975. وأصدر أيضًا «جريدة العرب» اليوميّة السياسيّة الإخباريّة (1917-1920)، و«مجلّة دار السلام» الأسبوعيّة الأدبيّة التاريخيّة (1918-1921) وكانت تُعنى بشؤون العراق.
لم يكُن الكرمليّ لغويًّا فحسب، بل كتب مقالاتٍ كثيرة في التراث الشعبيّ والتاريخ والأدب والأقوام، نشرها في مجلّات عدّة في العراق ولبنان وسوريا ومصر، باسمه الصريح تارةً وبآخَر مستعار تارات. كما ألّف وحقّق عددًا غير يسير من الكتب، طُبِع بعضها في حياته وبعضٌ بعد مماته وبعضٌ آخَر ما زال مخطوطًا، منها: أديان العرب وخرافاتهم، النغم الشجيّ في أغلاط الشيخ إبراهيم اليازجيّ، خلاصة تاريخ العراق منذ نشوئه إلى يومنا هذا، والفوز بالمراد في تاريخ بغداد الذي نشره باسمه مقلوبًا: «ساتسنا»، وسواها. وكان منجزه الفكريّ موضوعًا لكُتبٍ، ومقالات، وأبحاثٍ كثيرة وغزيرة.
الراهب العالِم
انتُخِب الكرمليّ عضوًا في المَجْمَع العلميّ العربيّ بدمشق (1920)، ومَجْمَع اللغة العربيّة الملكيّ بالقاهرة (1933)، واختير عضوًا في لجنة التأليف والنشر في وزارة المعارف العراقيّة التي تطوّرت لاحقًا إلى المجمع العلميّ العراقيّ، لذا يُعدّ من مؤسّسيه. اشتهر بمجلسه الأسبوعيّ الذي كان يعقده في دير الآباء الكرمليّين ببغداد، جامعًا نُخَب الأدباء والباحثين ليُناقشوا شؤون اللغة والأدب والشعر والتاريخ والبلدان، «ويندُر أن يحلّ عالم أو أديب أو مستشرق في بغداد دون أن يزور الأب أنستاس ومجلسه... وجميع روّاده يعلمون أنّ الدين والسياسة لا يُباح الحديث فيهما».
«كان الأب أنستاس طيّب القلب، نقيّ السريرة، متواضعًا ساذجًا في حياته، لم يكن للمظاهر الخلّابة مكان عنده، فلم يكن يحفل بكثير من الأمور التي يوليها الناس شطرًا كبيرًا من اهتمامهم»، كما وصفه عوّاد، مشدّدًا على أنّه «كان راهبًا كاملًا جمع بين فضيلَتَي التقوى والعلم».
الأب أنستاس ماري الكرمليّ. مصدر الصورة: موقع متحف التراث السريانيّ