عشتارتيفي كوم- بطريركية السريان الكاثوليك/
في تمام الساعة الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر يوم الأحد 14 أيلول 2025، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بالقداس الإلهي بمناسبة عيد الصليب المقدس، وذلك على مذبح كنيسة أمّ المعونة الدائمة السريانية الكاثوليكية في سان دييغو بولاية كاليفورنيا، الولايات المتّحدة الأميركية.
عاون غبطتَه في القداس الخوراسقف عماد حنّا الشيخ، والمونسنيور حبيب مراد، بحضور ومشاركة الأب بهنام للّو، والراهب الفرنسيسكاني الأب سيبستيان. وخدم القداس شمامسة الرعية، وجوق الترانيم، بمشاركة جموع غفيرة جداً من المؤمنين من أبناء الرعية، غصّت بهم الكنيسة وساحاتها وقاعة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، يتقدّمهم أعضاء مجلس الرعية، وأخوية السيّدات، وكادر التعليم المسيحي، والشبيبة، وفرسان كولومبوس، وجماعة مار شربل، وجميع اللجان والهيئات والفاعليات العاملة في الرعية، وقد حضر المؤمنون بهذه الأعداد الكبيرة والملفتة وهم ممتلئون فرحاً، يغمرهم الشوق وتحدوهم اللهفة للمشاركة في استقبال غبطته ونيل بركته الأبوية والإحتفال بهذا العيد المبارَك.
بدايةً، استُقبِل غبطةُ أبينا البطريرك استقبالاً كنسياً وشعبياً حاشداً أمام الباب الخارجي للكنيسة، حيث افتتح ناقوس الكنيسة الجديد والصليب الذي يعلوه، وقرعه للمرّة الأولى. ثمّ دخل غبطته بموكب حبري على أنغام نشيد استقبال رؤساء الأحبار، يتقدّمه الكهنة والشمامسة، واحتفل بالقداس الإلهي بمناسبة عيد الصليب المقدس.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتقديم "الشكر القلبي للخوراسقف عماد حنّا الشيخ لخدمته المبارَكة في هذه الرعية العزيزة"، مؤكّداً على أنّ "كلمة الصليب حماقة وجهالة لدى الأمم، كما يكتب مار بولس، أما لنا نحن المؤمنين فهي ينبوع الخلاص. اليوم هو عيد ارتفاع وتعظيم الصليب المقدس ܥܺܐܕܳܐ ܕܪܽܘܡܪܳܡܶܗ ܕܰܨܠܺܝܒܳܐ. وفي التاريخ حادثتان كانتا مهمّتين للشعب المسيحي، أولاً في أوائل القرن الرابع، اكتشفت الملكة هيلانة عود الصليب في أورشليم، لذلك عمّت الفرحة بين جميع المؤمنين. وفي بداية القرن السابع أيضاً استرجع المسيحيون عود الصليب الذي كان قد سُلِبَ من الأرض المقدسة. وعندما كان عود الصليب يمرّ بالقرى والمدن، كان المسيحيون يشعلون النيران للإحتفال بهذا الصليب المقدس الذي نعتبره آيةً للأمان ورايةً للظفر، كما ننشد بالسريانية ܨܠܺܝܒܳܐ ܐܳܬܳܐ ܕܫܰܝܢܳܐ، ܨܠܺܝܒܳܐ ܢܺܝܫܳܐ ܕܙܳܟ̣ܽܘܬܳܐ".
ولفت غبطته إلى أنّنا "نحتفل اليوم بعيد الصليب، إذ "به خُلِّصنا"، و"به افتخارنا"، وله نشهد من دون خجل أو عيب، كما بعض الذين يعتبرون أنفسهم حكماء بحكمة العالم، حسبما يقول مار بولس، وهم يعتبرون الصليب عثرةً وشكّاً وحماقةً غير حكيمة. نحتفل بهذا العيد إذاً بالفرح والإفتخار، لأنّ الرب يسوع خلّصنا من خلال آلامه وصلبه وموته وقيامته. ونحن مسرورون جداً أن نرى شبابنا وأطفالنا يشاركوننا الإحتفال اليوم بالقداس الإلهي في هذا العيد، ونحن نعلم أنّ الكثيرين من أطفالنا وشبابنا يفرحون كثيراً بلبس صليب الرب، والذي يذكّرهم أنّ يسوع يحبّهم وقد منحهم حياته، وهكذا نحيا جميعنا بالفرح معه".
ونوّه غبطته بأنّنا "بالحقيقة فرِحون جداً أن نكون معكم في هذا الإحتفال، ونحن نرى هذا العدد الكبير الذي يشارك في قداس الأحد، غير ما يدّعي البعض للأسف أنّ رعية أمّ المعونة الدائمة هي في تَقَهْقُر، بل على العكس، فالبارحة وأول البارحة التقينا بفعاليات الرعية ومجلسها والشمامسة والجوق وأخوية السيّدات ومعلّمات التربية المسيحية والشبيبة وسائر الفعاليات، وهذا ملأ قلبنا فرحاً، أن نجد هذا العدد من المؤمنين والمؤمنات الذين يغارون على كنيستهم وهم يعطون المثال الصالح لأبنائهم وبناتهم رغم الأيّام الصعبة التي نمرّ بها، أكان في الشرق، أو هنا أيضاً في بلاد الإنتشار حيث التحدّيات كبيرة، خاصّةً بالنسبة إلى تربية الأولاد ومرافقة المراهقين والشبيبة في مسيرتهم نحو الرب يسوع ونحو تكميل شخصيتهم. نشكر جميع هؤلاء الذين يتفانون بغيرة في خدمة الكنيسة وخدمة إخوتهم وأخواتهم بدون مقابل، لأنّ الرب يسوع هو الذي يعوّض جميع الذين يخدمونه ويخدمون كنيسته".
وأعرب غبطته عن "جزيل شكرنا للخوراسقف عماد الذي يحتفل هذا العام أيضاً بذكرى سيامته الكهنوتية الخامسة والعشرين، أي باليوبيل الكهنوتي الفضّي. فقد بذل كلّ جهده، وأنا كنتُ معه منذ البداية في نشأة هذه الرعية، وكلّما كنتُ آتي وأجد هذا التقدُّم وهذا الإزدهار، يمتلئ قلبي فرحاً، على عكس ما يقوله البعض. لذلك نتذكّر أنّ الكنيسة تُبنى بتضامننا ووحدتنا معاً، ليس فقط البطريرك والمطران والكاهن، بل الشعب المؤمن الذي يعيش في المجتمع، إذ يبدو أنّ البعض من أعضاء المجتمع قد ابتعدوا عن الله، أمّا المؤمنون فهم الرسل، كما يقول مار بولس، ويفتخرون بالرب يسوع. نشكر الخوراسقف عماد، ونسأل الرب أن يبارك جميع الكهنة الأمناء الذين يخدمون كنيستهم بالنزاهة والمحبّة والتضحية، ليس بالأقوال، إنّما بالأفعال".
وشكر غبطته "جميع الذين قدّموا لي التهاني اللطيفة بمناسبة الذكرى السنوية الرابعة والخمسين لسيامتي الكهنوتية، وأدعو لهم بكلّ خير وبركة. واليوم، سنعود، إن شاء الله، إلى لبنان، ونطلب صلواتكم وأدعيتكم لي وللمونسنيور حبيب مراد، أمين سرّ البطريركية، الذي يرافقني، كي نستطيع أن نعود بالسلامة ونقوم بخدمة الكنيسة. ويوم الأربعاء القادم، سنبدأ، بإذنه الله، زيارة مهمّة جداً إلى إخوتنا السريان الملنكار في ولاية كيرالا في جنوب غرب الهند، حيث سنقضي أسبوعاً معهم، وسنكون شاهدين للتقدُّم الذي أحرَزَتْه هذه الكنيسة الشقيقة التي تحتفل بما يقرب من مئة سنة على اتّحادها بالكرسي الروماني".
ووجّه غبطته كلمة من القلب إلى الشبيبة: "نودّ أن نذكّركم، أعزّاءنا الشبيبة، أنتم لستم فقط حاضر الكنيسة، بل أنتم مستقبل كنيستنا أيضاً. علينا أن نكون جميعاً على الدوام شهوداً للرب يسوع المصلوب والمائت على الصليب والقائم لأجل خلاصنا".
وجدّد غبطته التهنئة "للخوارسقف عماد، وكعبارة عن شكرنا لخدمته الكهنوتية، قرّرنا أن نقدّم له ميدالية سيّدة النجاة البطريركية الفضّية، وسيّدة النجاة شفيعة أبرشيتكم في الولايات المتّحدة، وشفيعة كنيستنا السريانية بأسرها".
وختم غبطته موعظته بالقول: "بارككَ الرب، أبونا الخوراسقف عماد، ومنحكَ القوّة. وفيما نقدّم لكَ هذه الميدالية، يشاركنا في فرحتنا سيادة أخينا المطران مار برنابا يوسف حبش، راعي أبرشية سيّدة النجاة، باركه الرب، وهو قد احتفل قبل أسبوعين بيوبيله الكهنوتي الذهبي، وبالذكرى السنوية الخامسة عشرة لسيامته الأسقفية، راعياً لهذه الأبرشية المبارَكة، ألف مبروك. فليبارككم الرب وليقوّيكم أجمعين، وليحفظ الخدّام الأمناء".
ثمّ أهدى غبطتُه إلى الخوراسقف عماد ميدالية سيّدة النجاة البطريركية الفضّية، عربون محبّة وشكر، بمناسبة يوبيله الكهنوتي الفضّي، وتقديراً لخدمته المتفانية في تأسيس ورعاية رعية أمّ العونة الدائمة في سان دييغو.
وكان الخوراسقف عماد حنّا الشيخ قد توجّه إلى غبطته بكلمة بنوية طيّبة، قال فيها: "يعلن مار بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيليبي: أستطيع كلّ شيء في المسيح الذي يقوّيني. لم يكن بولس يتحدّث عن المعجزات، بل كان يشير إلى قوّته في تحمُّل الصعوبات بفضل إيمانه وثقته بالمسيح. بكلّ الفرح والمحبّة، يطيب لي أن أرحّب بكم جميعاً، باسم راعي أبرشيتنا، أبرشية سيّدة النجاة، سيادة المطران مار برنابا يوسف حبش، وباسم كنيستنا، كنيسة أمّ المعونة الدائمة، ونحن نستقبل معاً غبطةَ أبينا البطريرك، راعينا ومدبِّرنا ورئيس كنيستنا، والعين الساهرة التي لا تتعب ولا تعجز عن القيام بالرعاية الأبوية والتدبير والقيادة الحكيمة لكنيستنا السريانية الكاثوليكية في كلّ العالم".
وتابع: "غبطته يبذل الجهود الكبيرة، ويتحمّل المسؤوليات الضخمة، في ظلّ ظروف عصيبة تجابهها بلداننا في الشرق الأوسط، ولا سيّما العراق ولبنان وسوريا والأراضي المقدسة. فيعتني عناية الأب والراعي الصالح والمُحِبّ، ويرعى شؤون المؤمنين في بلاد الإنتشار الذين هجروا أرض الآباء والأجداد بسبب الظروف القاسية، وباتوا ينتشرون تحت كلّ سماء. كلّ ذلك يزيد من عزيمة غبطته، تعضده النعمة الإلهية التي لطالما رافقَتْهُ ورعَتْهُ، كي يتابع المسيرة ويقود كنيستنا على طريق الحقّ والتقوى والإيمان. جميعنا ندعو لغبطته بالصحّة والعافية والعمر المديد، وبمناسبة مرور 54 سنة على سيامته كاهناً، نسأل الله أن يبارك خدمته ويوفّقه بما فيه الخير، ويديمه راعياً صالحاً لكنيستنا السريانية الكاثوليكية في العالم كلّه. ألف مبروك سيدنا".
وأردف: "لا ننسى أنّ غبطته هو الذي وضع البذرة الأولى لهذه الرعية، سيدنا البطريرك أسّس الرعية يوم كان خوراسقفاً، وكان القداس الأول لنا يوم 6 نيسان 1994 حيث بدأنا بالإحتفال بالقداس في كنيسة سانتا صوفيّا، والحمد لله هذه البذرة كبرت وأصبحت أنتم المؤمنين. وببركة ربنا، وشفاعة أمّنا الطوباوية مريم، وبصلوات سيدنا البطريرك وسيادة راعي أبرشيتنا، أصبح لدينا هذه الكنيسة".
وختم قائلاً: "أشكر الآباء الكهنة وجميع الحاضرين من أبناء وبنات الرعية. قوّة صليب الرب تحميكم جميعاً، لأنّها قوّة الله، بارخمور سيدنا".
وبعدما منح غبطته البركة الختامية، انطلق في موكب حبري مهيب، يتقدّمه الكهنة والشمامسة وأعضاء الجوق، وتتحلّق حوله جموع المؤمنين، وتوجّه إلى الباحة الخارجية حيث أشعل النار في موقدة، فيما أنشد الكهنة والشمامسة تشمشت (خدمة) الصليب المقدس، سائلين بركة الرب وحماية صليبه المقدس.
بعدئذٍ استقبل غبطته المؤمنين الذين احتشدوا في باحات الكنيسة، طالبين بركته، وأخذوا معه الصور التذكارية، في جوّ من الفرح الروحي والمحبّة التي تغمر الجميع وهم يلتقون أباهم الروحي ورئيسهم وينالون بركته الأبوية.