عشتارتيفي كوم- سيرياك برس/
نظم حزب اليسار الألماني (دي لينكه)، في 24 تموز، جلسة حوارية بهدف تسليط الضوء على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة في سوريا، من خلال الاستماع إلى ممثلين عن مكونات محلية أصيلة، غالبًا ما تم تهميشها في العملية السياسية.
وجاءت هذه الخطوة بعد الانهيار المفاجئ لنظام البعث في كانون الأول الماضي، وما أعقبه من فوضى سياسية لا تزال تلقي بظلالها على مستقبل البلاد. فرغم الآمال التي رافقت المرحلة الانتقالية، والتي قادها الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، إلا أن مخاوف كبيرة برزت بشأن غياب الشمولية، خصوصًا مع استبعاد معظم المكونات غير المرتبطة بالحكومة الجديدة من مفاوضات صياغة الدستور، ومن آليات صنع القرار.
الجلسة الحوارية – التي عُقدت في مبنى باول لوبه التابع لمجلس النواب الألماني (البوندستاغ) – افتتحها كل من الرئيس المشترك للحزب، يان فان آكن، والناطقة باسم الحزب في ملف السياسة الخارجية، جانسو أوزديمير، وقد جمعت 8 ممثلين عن الطوائف السريانية (الاتحاد السرياني الأوروبي)، والكردية (حزب الاتحاد الديمقراطي ومنظمة مؤتمر ستار)، والدرزية (منظمة “برو-ازيل” الحقوقية)، إضافة إلى ممثلين عن المكونين الإيزيدي والعلوي، حيث استعرضوا أبرز التحديات التي تواجه مجتمعاتهم، أمام عدد من السياسيين والإعلاميين.
زيارة ممثلي المكونات السورية لحزب اليسار الألماني، تأتي في أعقاب تصاعد أعمال العنف الدامية التي شهدتها سوريا مؤخراً، بما في ذلك الهجوم الإرهابي الذي استهدف العلويين في غرب البلاد خلال شهر آذار، والتفجير الانتحاري الذي طال كنيسة مار إلياس في دارمسوق (دمشق) في 22 حزيران، إلى جانب الاشتباكات العنيفة التي اندلعت هذا الشهر في محافظة السويداء، وأودت بحياة أكثر من 1000 شخص.
ونظراً لحجم الكارثة الإنسانية في السويداء، استُهل اللقاء بكلمة من ممثلي الطائفة الدرزية، إيفلين عساف، وطارق العويس، عن منظمة “برو-ازيل” الحقوقية، قبل أن يقدم متين رهوي، ممثل الاتحاد السرياني الأوروبي، رؤية مؤسسته حول المشهد السوري العام.
وفي مداخلتها، شددت إيفلين عساف، على أهمية بناء سوريا ديمقراطية وتعددية، تعكس التنوع الثقافي والديني العميق في البلاد، معتبرة أن اعتماد النظام الفيدرالي هو السبيل الأنسب لتحقيق العدالة والاستقرار والتعايش السلمي وتعزيز التماسك المجتمعي، كما دعت إلى تقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمناطق المتضررة من النزاع.
بدوره، أشار طارق العويس، إلى أن الجهات التي تقف وراء المجازر الأخيرة، تمثل أقلية إسلامية متشددة ضمن الطائفة السنية، مؤكدًا أن غالبية أبناء الطائفة السنية في الداخل السوري وفي الشتات، يدينون هذه الجرائم ولا يرون أنفسهم ممثلين بهذا النهج العنيف تجاه المكونات الأخرى.
من جهته، طالب ممثل الشؤون الخارجية في الاتحاد السرياني الأوروبي، متين رهاوي، بضرورة وضع حد فوري للعنف الجهادي والطائفي الذي اجتاح البلاد خلال الأشهر الأخيرة، وفي هذا السياق، دعا رهاوي الحكومة الألمانية والمجتمع الدولي، إلى ممارسة ضغوط جدية على الرئيس السوري، أحمد الشرع وحكومته، من أجل وقف دوامة العنف ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة.
وانتقد رهاوي بشدة ما وصفه بانتهاك أحمد الشرع المتكرر للوعود التي قطعها أمام الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بحماية جميع المكونات في سوريا. وقال في هذا الصدد: “لا يمكننا التعاون مع رجل يوقّع قراراته باسم أحمد الشرع، لكنه يتصرف وكأنه محمد الجولاني”
وأضاف رهاوي: “عدد الراغبين في مغادرة سوريا أكبر بكثير من أولئك الذين يريدون العودة، لأنه ببساطة، لا يوجد أي شعور بالأمان أو الاستقرار”. وأكد أن سوريا في ظل الحكم الحالي، تفتقر إلى “التنوع والديمقراطية”، وهو ما يتجلى بوضوح في تركيبة الحكومة القائمة. واقترح إصدار قرار جديد من الأمم المتحدة يحمّل الرئيس الشرع، مسؤولية أعمال العنف والانتهاكات التي وقعت خلال الأشهر الماضية.
وفي سياق حديثه، سلط رهاوي الضوء على تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا، معتبراً إياها نموذجاً ناجحاً يمكن الاستفادة منه، ليس فقط لسوريا، بل لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها. ووجه نداءً عاجلاً للاعتراف بجميع المكونات العرقية والدينية الأصيلة في سوريا، وضمان مشاركتها الفعلية في صياغة دستور جديد للبلاد، كما شدد على ضرورة وصول المساعدات الإنسانية لمن هم بأمسّ الحاجة إليها.
وفي ختام كلمته، دعا رهاوي إلى دعم ألماني ودولي “للقوى السورية التي تدافع عن المساواة والتنوع والقيادة المدنية والحكم الشامل، وترفض استبدال دكتاتورية بأخرى”. وأكد أن “سوريا بحاجة إلى شركاء ينصتون إلى صوت الشعب ويقفون إلى جانبه، لا إلى حكام يفرضون سطوتهم عبر الخوف والقمع”.
من جهتها، عبّرت المتحدثة باسم السياسة الخارجية في حزب اليسار، جانسو أوزدمير، عن موقف الحزب بالقول: “نحن نؤيد مطالب أطياف المعارضة السورية بوقف المجازر فوراً. لا ينبغي القبول بالتطبيع مع حكومة هيئة تحرير الشام الإسلامية، لمجرد أن ذلك يسهل على ألمانيا إعادة اللاجئين السوريين. هذا التوجه الذي تتبعه الحكومة الألمانية في التعامل مع الإسلاميين مدمّر، ليس فقط لسوريا، بل للشرق الأوسط بأكمله”.
وتطرقت أوزدمير، إلى المجازر الأخيرة في السويداء، معتبرة أن “الوقت قد حان لألمانيا وأوروبا للتحرك من أجل التأثير على الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، قبل أن تتفاقم الأوضاع أكثر”.
من جانبه، أوضح الرئيس المشترك لحزب اليسار، يان فان آكن، أنه يدرك أن الحكومة الألمانية لا تستطيع الامتناع تماماً عن التفاوض مع الحكومة السورية القائمة في دارمسوق (دمشق)، لكنه شدد على أن “الحكومة الاتحادية يمكنها _ ويجب عليها _ أن تطالب بإشراك جميع مكونات المجتمع المدني في الحوار مع الرئيس، وهو ما لم يحدث حتى الآن”، حسب تعبيره.
وفي سياق متصل، من المقرر تنظيم مسيرة تضامنية في العاصمة برلين يوم الجمعة، تحت شعار “التضامن مع الدروز”، حيث ستنطلق من مقر وزارة الخارجية الألمانية، مروراً ببوابة براندنبورغ، وصولاً إلى السفارة الأمريكية.
متين رهاوي_مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد السرياني الأوروبي