عشتار تيفي كوم - آسي مينا/
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
رغم التغييب القسريّ لمسيحيّي الموصل عن مدينتهم وأرض آبائهم وأجداهم بسبب أحداث 2014، ما زال حضورهم مؤثِّرًا وجذّابًا ومتميِّزًا، وتراثهم محطّ اهتمامٍ كجزءٍ أصليٍّ وأصيل، بل صانع أساسيّ للهويّة الموصليّة.
في خلال سعي «مؤسّسة بيتنا للثقافة والفنون والتراث» إلى أرشفة تراث الموصل وتوثيقه، لا يمكن أن تستثني تراث مسيحيّيها وإسهامهم الفاعل في مناحي الحياة كلّها، «فمنهم الأديب والطبيب والمؤرِّخ والمربّي والمعمار والصائغ والنجّار والفنّان وسوى ذلك، بجانب كهنة وأساقفة وبطاركة كثر أنجبتهم الموصل، خدموا مدينتهم وأبناءها بمحبّة وتفانٍ»، كما بيَّنَ عبر «آسي مينا» صقر زكريا، مؤسّس «بيتنا» ورئيسها.
في «بيتنا»، يتزيَّن أكثر من جدارٍ بصور روّادٍ أسهَموا في صنع تاريخ الموصل في خلال المئة عامٍ المنصرمة على الصُعُد كافّة. «هنا نفتخر بأهلنا، مسيحيّين ومسلمين دون تمييز، ونزهو بكبارنا: متّي عقراوي أوّل رئيسٍ لجامعة عراقيّة، المعمار عبّودي طنبوره جي، المؤرّخ بهنام حبّابه، الآثاريّ بهنام أبو الصوف والمطربة عفيفة إسكندر، بجانب زكّا عيواص البطريرك السريانيّ الأورثوذكسيّ السابق، والمطارنة سليمان صائغ والشهيد فرج رحّو، وسواهم كثيرون يضيق المجال عن ذكرهم»، بحسب زكريا.
مقصد مسيحيّي الموصل المغتربين يتنوّع زوّار «بيتنا» بين مسؤولين حكوميّين ودبلوماسيّين وسيّاحٍ محلّيّين وأجانب «فضلًا عن وفود مسيحيّي الموصل المغتربين المشتاقين إلى الوطن، ويتعرّف تلاميذ المدارس على تراث مدينتهم».
ومن المفارقات المفرحة والمحزنة في آن، أنّهم حين يشاهدون صور مشاهير الروّاد، يتعجّبون متسائلين إن كانوا حقًّا مسيحيّين موصليّين، و«من المؤسف أن يفتقد هذا الجيل ما اعتادته الأجيال السابقة من تعايش مع مسيحيّين كجيرانٍ وأصدقاء وزملاء مدرسةٍ وعمل». ضمن حيّز المتحف التراثيّ، تجذب الأزياء التراثيّة المسيحيّة أنظار الزوّار واهتمامهم، كما يبرز بين مقتنياته إنجيلٌ وصليب يرويان قصّة محبّة لم ينقطع خيطها بين أبناء الموصل.
«يعود الصليب والإنجيل إلى عائلةٍ مسيحيّة غادرت الموصل إبّان احتلال داعش الإرهابيّ، وإذ لم يُسمَح لها بحمل أيّ مقتنياتٍ معها، وَضعتهُما أمانةً عند جيرانها المسلمين. وعقب التحرير، اتّفقت العائلتان على إهدائهما لمتحفنا لِيَبقيا شاهدَين على التعايش المشترك في الموصل»، بحسب زكريا.
تفتخر «بيتنا» بإسهامها مع باقة شبابٍ موصليّين مسلمين، في الإعداد لزيارة البابا فرنسيس إلى الموصل، متعاونين مع الأب عمانوئيل كلّو «عبر تنظيف باحة حوش البيعة وتنظيمها لاستقباله، وتنظيم حملة إعلاميّة على منصّات التواصل الاجتماعيّ وتعليق منشورات ترحيبيّة».