إن الجهود المستمرة التي يبذلها رئيس وزراء كوسوفو كورتي لتأكيد سيادة كوسوفو على البلديات ذات الأغلبية العرقية الصربية لا تعزز استقلال كوسوفو، بل إن جهوده غير المبررة لا تؤدي إلا إلى إجهاد العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وكوسوفو في حين تكشف عن افتقاره إلى الثقة في مرونة كوسوفو السيادية.
إن قرار رئيس وزراء كوسوفو كورتي بإغلاق خمس مؤسسات موازية لذوي الأغلبية الصربية العرق في شمال كوسوفو يمكن تبريره على أساس ثلاثة أسباب. أولاً، يتوافق الإجراء مع اتفاقيات الحوار لعامي 2013 و2015 التي نصت على إغلاق المؤسسات الموازية. ثانياً، إنه يتفق مع دستور كوسوفو، وثالثاً، يؤكد على حقوق كوسوفو السيادية على كافة مناطق كوسوفو، بما في ذلك البلديات ذات الأغلبية العرقية الصربية. ومع ذلك، فإن الإغلاق يثير العديد من الأسئلة التي كان ينبغي لحكومة كورتي أن تدرسها بعناية قبل اتخاذ مثل هذا الإجراء.
التوقيت: يثير قرار كورتي بالتصرف في هذه اللحظة بالذات تساؤلاً حول ما إذا كان الدافع وراء هذا القرار هو اعتبارات سياسية محلية. وأنا أتفق في هذا السياق مع تشارلز كوبشان، المدير السابق للشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي الأميركي، الذي قال: “بالنسبة لي، هذه مجرد إيماءات ومناورات على مستوى السياسة الداخلية، والتي قد تكون جيدة للمصير السياسي لكورتي، لكنها ليست جيدة لكوسوفو”. ومع ذلك، سواء كان كورتي ينوي اتخاذ مثل هذا الإجراء الآن للاستفادة سياسياً في الداخل أم لا، فقد خلق كورتي عن غير قصد انطباعاً بأن الانتخابات المقبلة في كوسوفو المقرر إجراؤها في التاسع من فبراير/شباط 2025 لعبت دوراً في اتخاذه للقرار، والفائدة التي قد يجلبها أو لا يجلبها هذا القرار تبقى رهن المستقبل.
ونظراً للبيئة المتوترة الحالية، فأنا أؤكد أنه في المجمل أي فائدة يمكن أن يجنيها كورتي يعوضها التصرف الآن عندما كان بإمكانه الانتظار بعد الانتخابات. لقد أثارت أفعاله حفيظة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة التي انتقدت تصرفات كوسوفو في الشمال. وحتى قبل أن يغلق كورتي هذه المؤسسات الموازية، كان بالفعل على خلاف مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بسبب إغلاقه من جانب واحد لستة فروع لبنك مرخص من صربيا في شمال كوسوفو في وقت سابق من هذا العام، فضلاً عن تبادل العملات من الدينار إلى اليورو.
القومية: يبدو أن كورتي، الذي يصوّر على نحو متزايد على أنه قومي، يظهر نفاد صبره في سعيه إلى تأكيد وإعادة تأكيد استقلال كوسوفو، وخاصة في الشمال الذي تقطنه أغلبية عرقية صربية. ويعلم كورتي تمام العلم أن كوسوفو، إعترفت بها صربيا أم لا، فإن بلاده مستقلة ومعترف بها من قبل أكثر من مائة دولة. وأعتقد أن صربيا، تحت قيادة جديدة، سوف تتوصل عاجلاً أم آجلاً إلى استنتاج مفاده أن استقلال كوسوفو لا رجعة فيه، وسوف تتقبل سيادتها. إن اعتراف بلغراد بكوسوفو سوف يتسارع بمجرد رحيل بوتن، الذي يعارض بشدة استقلال كوسوفو، عن الساحة السياسية.
ويتعين على كورتي وفي هذه المرحلة أن يركز بشكل أكبر على عملية التكامل مع الاتحاد الأوروبي من خلال معالجة المشاكل المحلية، بما في ذلك الاقتصاد والبنية الأساسية والتعليم وحقوق الإنسان والرعاية الصحية وجعلها متوافقة مع معايير الاتحاد الأوروبي بدلاً من إثارة عداوة المنظمة التي يرغب في الانضمام إليها. وعلى سبيل المثال، أدى إصرار كورتي على فتح جسر إيبر إلى زيادة التوتر مع الاتحاد الأوروبي بشكل كبير، مما أجبر بعثة حفظ السلام التابعة لحلف شمال الأطلسي في كوسوفو(KFOR) على نشر قوات إضافية من وحدتها المتخصصة المتعددة الجنسيات على الجسر الذي يقسم ميتروفيتشا إلى الجنوب الذي تقطنه أغلبية ألبانية والشمال الذي تقطنه أغلبية صربية.
الافتقار إلى التنسيق: مرة أخرى، ونظراً للظروف السائدة، فإن أي إجراء يتخذه كورتي، بغض النظر عن مدى مبرره، ينبغي تنسيقه مع الاتحاد الأوروبي طالما أنه قد يخلق تأثيراً سلبياً. هذا لا يعني أن كورتي ليس له الحق في اتخاذ مثل هذا الإجراء؛ غير إن التنسيق مع الاتحاد الأوروبي ضروري، وخاصة بسبب العلاقات الوثيقة بين الجانبين ولأن الاتحاد الأوروبي متورط في أي تطورات مرتبطة بالصراع بين صربيا وكوسوفو.
لقد كانت السفارة الأميركية في كوسوفو محقة في تأكيدها يوم الجمعة الماضي على “قلق واشنطن وخيبة أملها إزاء الإجراءات غير المنسقة المستمرة” التي تتخذها بريشتينا “والتي لا تزال تخلف تأثيراً مباشراً وسلبياً على أفراد المجتمع الصربي العرقي والطوائف الأقلية الأخرى في كوسوفو”. ومن المثير للاهتمام أن الرئيسة فيوسا عثماني أكدت في اجتماعها مع السفير الأميركي يورن رودي على الحاجة إلى تنسيق الجهود مع الحلفاء، وخاصة الولايات المتحدة، في وضع خطة تنفيذ مشتركة لافتتاح الجسر فوق نهر إيبر.
ورغم أن العديد من الأصوات الكوسوفية تؤيد إغلاق هذه المؤسسات الموازية، بما في ذلك أستاذ العلوم السياسية دوراجيت إيميري، الذي قال إن إلغاء الهياكل الموازية كان ينبغي أن يحدث منذ فترة طويلة، إلا أنه يغفل النقطة المركزية هنا. المسألة ليست أن كوسوفو ليس لها الحق في إغلاق هذه المؤسسات الموازية التي تمولها صربيا؛ بل إن الحاجة إلى التنسيق مع الاتحاد الأوروبي هي المهمة وأنه يتعين على كوسوفو التي تسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أن تتبنى الإجراءات التشغيلية للاتحاد الأوروبي بين الدول الأعضاء التي تقوم على أساس التشاور والتنسيق.
من المؤسف أن افتقار كورتي المستمر إلى التنسيق مع الاتحاد الأوروبي أجبر الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على كوسوفو، وهو ما لم يكن ليحدث لو لم يضع كورتي ميوله القومية قبل مصالح كوسوفو في الأمد البعيد. والولايات المتحدة ليست ميالة إلى اتباع خطى الاتحاد الأوروبي وفرض عقوباتها الخاصة على كوسوفو، ولكن خيبة أمل الولايات المتحدة في كورتي كانت معبراً عنها بوضوح وينبغي لكورتي أن ينتبه إلى هذا التطور. إن الولايات المتحدة تسعى إلى التعاون لتحديد الإطار الزمني الأكثر ملاءمة من منظور أمني لتطوير خطة تنفيذ مشتركة والعمل على تنفيذها. وتعتقد الولايات المتحدة أن هذا النهج يخدم جميع المواطنين.
استئناف الحوار بين كوسوفو وصربيا: إنني أؤكد أن حكومة كورتي ينبغي لها الآن أن تعيد تركيز اهتمامها على استئناف الحوار على مستوى كبار المفاوضين بين بريشتينا وبلغراد حيث يخطط الاتحاد الأوروبي لجولة جديدة من المحادثات بين البلدين. ورغم أن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، بيتر ستانو، لم يحدد موعداً لمثل هذا الاجتماع، مشيراً إلى أن الموعد سوف يعلن في الوقت المناسب، فإن مبعوث الاتحاد الأوروبي إلى الحوار بين كوسوفو وصربيا، ميروسلاف لاجاك، قال إنه سوف يبقى في بريشتينا للتحضير للجولة الجديدة من الحوار دون إعطاء المزيد من التفاصيل، مما يشير إلى أن مثل هذه المحادثات وشيكة.
وأخيراً، من المهم أن نلاحظ أن استئناف أي حوار بين كوسوفو وصربيا ونطاقه يعتمدان على الاتحاد الأوروبي أكثر من اعتمادهما على الولايات المتحدة. إذا انتخبت كمالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة، فأنا لا أتوقع أي تغيير ملحوظ في السياسة الأميركية فيما يتعلّق بالصراع بين كوسوفو وصربيا. ولكن إذا أعيد انتخاب ترامب، فسوف يتأثر إلى حد ما بآراء بوتن بشأن البلقان ورغبته في زعزعة استقرار المنطقة. ومن المرجح أن يكون ترامب أقل دعما لموقف كوسوفو، ولكن ليس إلى الحد الذي قد يقلب فيه السياسة الأميركية العامة تجاه البلقان بشكل عام والتزام الولايات المتحدة باستقلال كوسوفو.
وفي التحليل النهائي، فإن مصير كوسوفو ومستقبلها مرتبطان ارتباطا وثيقا بالاتحاد الأوروبي وسيظلان كذلك. ولهذا السبب، يتعين على أي حكومة في كوسوفو أن تفكر وتتصرف وكأنها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي. وبذلك سوف تستمر عملية تكامل كوسوفو على أرض صلبة بدلا من إخضاعها لعقوبات الاتحاد الأوروبي التي تعيق مثل هذه العملية نفسيا وسياسيا وعمليا.