( ثُم صَبَ ماءً في مطهَّرَةٍ وأخذَ يَغسِل أقدامَ تلاميذهِ ، وَيمسَحَها بالمنديلِ الذي أئتزرَ بِهِ )
" يو 5:13"
كانت العائلة في المجتمع اليهودي تستقبل الضيف بغسل أقدامه من قبل من هو أقل شئناً في الدار ، أو من قبل عبيدٍ ، أو خادم .غسل أقدام الضيف كان ضرورياً لراحة الضيف ، لأن الجلسة في غرفة الإستقبال كانت إتكاءً وليس جلوساً على المقاعد ، فعلى الضيف أن ينزع نعليهِ المتربة بتراب الحقول والطرقات ، ومن ثم تغسل أقدامه ، وفي هذا العمل سيشعر الضيف بالإحترام والترحيب . وغسل الأقدام يحتاج إلى الإتضاع والإنحناء وإظهار المحبة للضيف . كما لا يجوز غسل أقدام الضيف من قبل من يقارنه في ذلك البيت ، أو على الأقل على صاحب البيت أن يقدم للضيف الماء ليغسل قدميهِ وإلا سيشعر الضيف بالحزن لعدم تقديم واجبات الضيافة له ، وقد يوجه إليه النقد لعدم إحترامهِ وكما فعل الرب يسوع مع سمعان الفارسي عندما نزل ضيفاً في بيته . عاتبه يسوع أمام كل الحضور ليس إنتقاماً من عدم تقديم الماء لغسل رجليهِ فحسب ، إنما لما كان يفكر سمعان بالسوء تجاه المرأة الخاطئة التي قامت بمهمة غسل أقدام يسوع في بيته ، فعالج الموقفين بقوله له ( أترى هذه المرأة ؟ إني دخلت بيتك ولم تقدم لي ماء لغسل قدميَّ ! أما هي فقد غسلت قدميّ بالدموع ومسحتها بشعرها ... أقول لك : إنما غفرت لها خطاياها الكثيرة ، لأنها أظهرت حباً كثيراً ) " لو 7: 44-47" .
في يوم خميس الفصح أمر يسوع القادم إلى أورشليم للمرة الأخيرة تلاميذه بإعداد الفصح وعيّنَ لهم المكان الذي سيتناولون فيه . عندما تم الإعداد في علية صهيون ، أول عمل قام به يسوع أراد غسل أقدام تلاميذهِ ، فإنصدم الجميع لأنه السيد . أبدى بطرس ممانعته وأصّرِ على رأيهِ قائلاً ( لا ، لن تغسل قدميّ أبداً ! ) " يو 8:13 " فأقنعه يسوع بجوابهِ .
سبب غسل يسوع لأقدام تلاميذهِ هو لمحبتهِ العظيمة لهم أولاً . وثانياً لكي يعد تلك الأقدام لتستعد للإنطلاق إلى العالم كله لنشر كلمة الإنجيل ، لهذا يجب أن تكون طاهرة ، وبسبب غسل الأقدام فقط يتطهر كل الجسد ( طالع يو 10:13) . بعد أن أنهى يسوع غسل أقدام الأثني عشر مسحها بالمنديل ، ثم أخذ رداءهُ وإتكأ ، ثم قال لهم ( أنتم تدعونني السيّد والمعلم وقد غسلت أرجلكم ، فأنتم أيضاً يجب أن يغسل بعضكم أقدام بعض ) . هذا العمل يحتاج إلى إتضاع ، وغير المتضع يجب أن يعتمد على ذاته فلا يستطيع أن يخدم الآخر . . غسل الأقدام ليس مجرد إنحناء إلى مستوى الأقدام لأجل غسلها ، بل ينبغي أن يسبقها إنحناء الفكر لأجل الإتضاع ومن ثم المباشرة بالعمل . الرب يسوع غسل حتى أرجل يهوذا الأسخريوطي رغم أنه يعلم بأنه سيخونه في نفس اليوم ، لكن يهوذا رفض تلك النعمة في قلبه الملىء بخطة شيطانية للنيل من يسوع الذي كان يعلم بنواياه ، لهذا قال أمام الجميع ( لستم كلكم أنقياء ) " يو 7:13 " .
التلاميذ لم يكن لهم الأستعداد للإنحناء وغسل أقدام بعضهم البعض ، إنما كانوا يتجادلون في موضوع مختلف تماماً وهو : من سيكون الأعظم بينهم ( لو 14:22) . لكن بعد القيامة أدركوا كل الحقائق وبالروح القدس الذي لبسوه يوم العنصرة تذكروا وفهموا كل وصايا المسيح لهم .
مارست كنيستنا الكاثوليكية رتبة غسل الأقدام في نفس يوم خميس العهد ، وصارت هذه الممارسة فريضة في كل الكنائس يقوم بها الأسقف أو الكاهن كل عام .
قد لم تمارسها الكنيسة المضطهدة في القرون الأولى بشكل واضح ، بينما يشهد تاريخ الكنيسة ورسائل الرسل بممارسة غسل الأرجل ( طالع 1 تيم 10:15 ) .
من الضروري إتباع وممارسة ما قام به المسيح المتضع لكي ينال منا الكبرياء وحب الذات ، فلنتضع مثله نحن العبيد ، لأننا لسنا أعظم منه ( 16:13 ) .
وبعد الأنتهاء من غسل الأرجل ، إتكأوا لتناول ما أُعِدَ على مائدة الفصح ، لكي يعطي لهم سراً عظيماً أسسه في ذلك اليوم ، وهو سر الإفخارستيا ( وليمة الرب ) وهكذا أمر بأن يمارس في كل الأجيال ليس لذكره فقط ، بل ليتناول منه كل المؤمنين في الأجيال اللاحقة لمغفرة خطاياهم ، إنه الخبز النازل من السماء ، جسد المسيح ودمهِ ( 1 قور 10، 16) والمشاركة في تناوله يؤسس الحياة الجماعية ،والمكان الذي تستقبل فيه الجماعة من يصيغ ويغذي شراكتها : " فلما كان هناك خبو واحد ، فنحن على كثرتنا جسد واحد ، لأننا نشترك كلّنا في هذا الخبز الواحد ( 1 قور 17، 10 ) . فالعشاء الإفخارستي هو مكان الشراكة ، وينبغي أن يكون مكان التآخي بين جميع الحاضرين .
مجداً لأسم الرب يسوع إلاهنا الحي
التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) " رو 16:1