الرسالة البطريركيّة لقداسة البطريرك مار آوا الثالث، لمناسبة رأس السنة الآشوريّة الجديدة 6774      الثقافة السريانية وفرقة شمشا للتمثيل يحتفيان بيوم المسرح العالمي- عنكاوا      سوق خيري‏ بمناسبة عيد القيامة المجيد - عنكاوا      تخرج دفعة جديدة من طلبة كلية نصيبين اللاهوتية المسيحية الاشورية في سيدني      الثقافة السريانية تهنئ المسرحيين السريان بيومهم العالمي      القداس الالهي بعيد بشارة العذراء مريم بالحبل الالهي‏ - كنيسة ام النور في عنكاوا      البطريركية الكلدانية تلغي المظاهر الخارجية للاحتفال بعيد القيامة      بمشاركة مدير قسم الدراسة السريانية في تربية البصرة .. وفد مشترك يقدم محاضرات توعوية وهدايا لطلبة المدارس      العيادة المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية افزروك شنو      الرسالة البطريركيّة لقداسة البطريرك مار آوا الثالث لمناسبة العيد العظيم لقيامة ربّنا للعام 2024      ليس العمر.. ميسي يتحدث عن "العامل الحاسم" في اعتزاله      خبيرة ألمانية تدعو إلى الصيام عن البلاستيك      كلمة رئيس الوزراء مسرور بارزاني بشأن القرارات المُتخذة في اجتماع مجلس الوزراء      الكهرباء العراقية تعتزم شراء غاز حقل كورمور بإقليم كوردستان      الخارجية الروسية: أنشطة "الناتو" في شرق أوروبا والبحر الأسود تهدف للاستعداد لمواجهة محتملة مع روسيا      الولايات المتحدة تعرض 10 ملايين دولار مكافأة مقابل معلومات عن "القطة السوداء"      العراق يتجه لحجب "تيك توك"      الاتحاد الاسباني يرفض تخفيف عقوبة تشافي      انفوجرافيك.. عيد القيامة والبيض الملون      توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي)
| مشاهدات : 861 | مشاركات: 0 | 2022-08-06 14:04:56 |

الحضور المسيحي خميرة فاعلة في عجينة مشوّشة

لويس اقليمس

 

مهما حاولت قوى الشرّ والظلامية أن تدقّ أسفينًا بين الشرائح الأصيلة في عجينة العراق الحضارية الناصعة والتاريخية اللاّمعة، فإنّ قدراتها ستنتكس ومحاولاتها البائسة ستتراجع مع كلّ خطوة وطنية إيجابية يخطوها الغيارى من أبناء العراق ومحبيه الأصلاء. إن التاريخ خيرُ بشيرٍ وأحسن دليلٍ لمثل هذه القوى البائسة التي يطيبُ لها العيش في دياميس القرون المظلمة التي سادَت فيها أدوات التكفير وغذّت أوارها رؤوسٌ عفنة تدّعي الدين والتديّن كذبًا ونفاقًا، وهي لا تستحق الحياة ولا ترقى لاستنشاق هواء الوطن والارتواء من مياه نهريه الخالدين اللذين شاءت قوى الشرّ والغدر من خارج الأسوار في أواخر السنين العجاف أن يعيثوا بهما تدميرًا وتجفيفًا وتدنيسًا بسبب ضعف الحكومات المتعاقبة بعد الغزو الأمريكي الطائش وبدعمٍ سافرٍ من دول ساندة كانت حاقدة هي الأخرى على مسيرة البلاد وقيادته الوطنية السابقة، بعيدًا عن أي حكمٍ على سلوكيات رأس النظام السابق والمحيطين به. فالعراق تاريخيًا، بُعَيدَ دخوله خانة الاضطرابات والانقلابات العسكرية المقيتة منذ نشأته في 1921 تحديدًا، لم تشفع له كل الصلوات والدعاءات والتوسلات بعودة شعبه وأرضه وسمائه إلى ماضيها المشرق وهدوئها المعهود نسبيًا أيام كان جزءً من الاستعمار البريطاني وهيكلية بنيته السياسية وطريقة تفكيره وعيشه وتقييمه للأوضاع، بالرغم من استهجاننا الصريح ظاهريًا لتلك الفترة الاستعمارية واستغلال المحتل للحالة الهشّة للمجتمعات والقصور في الأداء الوطني لرجال ذلك العهد. ولكن بشهادة الكثيرين، لم تشهد تلك الفترة بروز نعرات طائفية أو علوّ صيحات تكفيرية أو أشكالٍ واضحة من حالات التعصّب ضدّ مكوّنات بحدّ ذاتها لغاية دخول البلاد فترة الغزو الأمريكي السوداء وفتح أبواب الفوضى الخلاّقة على مصاريعها لجماعات من خارج الأسوار، كان جلُّ همّها الاستيلاء على السلطة من أجل اللصوصية ونهب ثروات البلاد من كلّ بدّ وبشتى الوسائل والطرق تحت أنظار المحتلّ وبدعمٍ من أدواته الشيطانية في أحيانٍ كثيرة. وهذه حقيقة لا يمكن نكرانُها. بل يَعتدُّ بها ولا ينكرُها أصحابُ الباع الطويل في حكم العراق بدعم من الغزاة ودول الجوار تحديدًا.

 

صورة الحضور المسيحي في سجلّ الحقبة الوطنية

يمكن القول أنّ فترة الحكم الملكي، قد تكون في نظر البعض من أفضل الحقب التي عاش فيها العراق وشعبُه حياةً شبهَ مستقرّة بفضل وطنية الأسرة الملكية والفريق السياسي المحنّك المدعَم بالوطنية الصحيحة الصادقة الذي كان يقود دفة الحكم بحيث أصبحت البلاد حينها نقطة تنويرٍ واستقطاب إقليمي ودوليّ في الكثير من المهمّات والسياسات بفضل العم "أبو ناجي" الذي يتمنى الكثيرون في هذه الأيام العصيبة عودة صولجانه إلى الواجهة بأي ثمن في زمنٍ ضاعت فيه البلاد وتلاشت مؤسساتُها وانكسرت شوكتها وتفاقمَ ضعفُها وآلتْ إلى فريسة هشّة لا حولَ لها ولا قوّة حين تكالبت عليها أيادي رزيلة وعقول خاسئة وساسة الصدفة من مزدوجي الجنسية أو من المنتفعين المرتبطين بأجندات دول الجوار الطامعة. فمعظم هذه الطبقة السياسية لا تستحق اليوم أن يذكرها التاريخ لضعف مواقفها الوطنية وضحالتها في الفعل والعمل والتفكير والتخطيط، إنْ لمْ نقل لعمالتها للغير الطامع من خارج الأسوار وأشكال الولاء المقدّمة جزافًا. فلا برامج حقيقية لإنعاش الحياة وتنمية البلاد وتنشيط الخدمات، ولا استراتيجيات لضبط بوصلة الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي والصناعي والزراعي، ولا حدود للسرقة واللصوصية وهدر المال العام الذي يتطلب محاسبة شديدة من القضاء المسيّس في جزئيات من مواقفه السلبية، ما سيجعل الأجيال المظلومة الصاعدة وغيرها من التي لم ترى الحياة بعد أن يكون لها رؤية ورأي في العديد من المواقف المخزية لأحزاب السلطة منذ 2003.  

في هذه الأيام العصيبة، من المؤسف القول إنّ كلَّ مَنْ صفّقَ لقدوم المحتل وفرحَ حينها بزوال النظام السابق بتلك العملية البشعة في القضاء على وجوده الدستوري، بالرغم من كل الملاحظات السلبية حول أداء نفرٍ طاغٍ من أزلام هذا النظام، فإنّه اليوم يعضّ أصبعًا ويترك أخرى أسفًا على فقدان دولة وضياع مؤسسات دستورية وغياب عقولٍ وطنية كانت في عمقها الوطني والإنساني لا تمتّ بصلة لشكل النظام السابق في طغيانه وجبروته وظلمه، بل كان سجلُّها الوطني خير مدعاة للفخر والتباهي في نزاهة شخوصها وحرصهم الوطني لأجل تقدم وتنمية البلاد وتعزيز مؤسساتها الدستورية والإدارية والجغرافية وتطوّر أجيال المستقبل بالأمانة والإخلاص في العمل. كنّا نعيش في دولة يحميها القانون الذي يحرّمُ أي تجاوزٍ من طرف على آخر أو مكوّن ضدّ غيره المختلف معه أو فردٍ يدّعي التميّز على حساب الشعب، ما عدا بضعة أطرافٍ طاغية شاذة تابعة ولصيقة برأس النظام. وهؤلاء في حقيقة أمرهم، كانوا شلّةً معزولة في نظامهم وطريقة عيشهم وأدوارهم المخيّرة أو الاضطرارية لمسايرة نفرٍ متنفذٍ خارج أصول السلطة وقوانين الدولة ورقابة المواطن. وقد ندم أركانُ النظام السابق على هذه الهفوات بل الخطايا الكبيرة التي اقترفتها جماعات غير منضبطة محسوبة عليه وأدّوا عنها ضريبة الحياة. وما أبشعها من ضريبة بعد السقوط الدراماتيكي! فمَن لم يكن يضربُ بحائط السلطة ورأس نظامها كان في أمان، ومَن تجرّأ بغير ذلك طالته يدُ السلطان الأعظم بظلمها وعنجهيتها وجبروتها وطغيانها.

إنّ ما عانته البلاد وشعب العراق من تدمير وتخريبٍ في الفكر والفعل وتبديد الثروات الوطنية على يد الفساد والإرهاب متعددَي الأشكال معًا بعد الغزو الأمريكي كان الأبشع الذي سجّله التاريخ. حتى المغول والتتار لم يبلغوا ما بلغه ساسةُ الصدفة وأحزابُ السلطة وأدواتُهم والجماعات الخارجة عن القانون التي شغلت مواقع في الدولة العميقة من هدم وتخريب ودمار في كل مفاصل الحياة، وكأنَّ قدومَهم على ظهور الدبابات الأمريكية أو بدعمٍ من إدارتها لاحقًا، كانوا قد بيّتوا النية لمثل هذا الدمار الذي قلع الحرثَ والأرض وجرف الفكر والضمير ونصّبَ بديلاً عنه شعار: "كلّ شيء مباح، وحلالٌ استباحة ثروات البلاد، وإجازةُ التنمّر واستغلال الفئات والشرائح الهشّة قليلة العدد في البلاد"، التي خطّط لها الغازي الأرعن والدول المتحالفة معه لقلع جذورها من البلاد وإحالتها لرحمة الاغتراب والنزوح والتهجير بعد مؤامرة دخول "داعش" بتلك الطريقة المأساوية الخاسئة. والخاسر الأكبرُ دومًا هو الوطن المثخَن بالجراح وشعبُه المتهالك الراسخ في البؤس والفقر والفاقة، وصولاً وحصولاً لخسارة في شرائح متميزة من العقول والكفاءات المهاجرة وما تحملُه هذه في بواطنها من أفكار وقدرات وأخلاقيات عالية معطاءة في الكثير من الميادين. ومنهم بطبيعة الحال، تلك الشرائح الأصيلة والمتأصلة في العمق التاريخي والحضاري والبنيوي في حديقة الوطن الكبرى المتمثلة أكثر من غيرها بالمجتمعات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائية الأكثر عرضة للتهميش وخرق الحقوق والاستهانة بمقدراتها. كلّ هذا في وقت كانت مجتمعات "الأقليات" هذه تُعدّ مصدر غنى واقتدار وتفاخر، بل تزهو في كلّ شيء وتتميّز عن غيرها ببروزها كواجهة زهرية معطَّرة بأريج الوطنية الخالصة والحرص والأمانة والوفاء كسمات متلازمة في حياتها بشهادة أهل البيت وخارجه. أليس ما حصل من تهجير وتغريبٍ ونزوح يدخل ضمن هذه النظرية الاستعمارية للغازي الملعون بإفراغ البلاد من طاقاته وتركه فريسة سهلة للدخلاء والغرباء وأهل الولاء الخفي والمعلَن للغير الطامع؟ هكذا كانت الصورة الحقيقية لهذه المكوّنات الفاعلة في المجتمعات العراقية، خميرةً حية وسط عجينة مشوّشة متهالكة مثقلة بهموم الفساد والأحلام الوردية بالسطو على السلطة وممارسة اللصوصية والقتل والتدمير لكلّ شيءٍ قد يعيقُ طريقها عبر استغلال واجهة الدين والطائفة والمذهب وقدسية الشخوص التي حرّموا لمسها جزافًا أو التقرّب من سطوتها وطموحاتها.

لقد اقترف الغزاة جريمتهم البشعة بحق العراق وشعبه عند الإتيان بحكومات طائفية ومذهبية تدين بالتمييز والتفرقة، وتجيز الكسب الحرام والانتفاع والمغانم والإثراء على أساس الدين والمذهب والطائفة ضمن نظام محاصصاتي توافقي تشاركي بغيض. وما تزال ذات الجهات والأطراف المتشاركة والمتوافقة في الحكومات المتعاقبة تسعى للعودة لذات المبدأ في الحكم الذي أثبت على مدى 19 عامًا أعلى بيانات الفشل والإحباط والسقوط في هاوية الخطيئة الكبرى بحق هذا الوطن وشعبه باعتراف أركان السلطة وعددٍ من رموزها وزعاماتها علنًا وعلى الملأ، طالبين من الشعب المغفرة والعفو بسبب خذلانهم لشعبهم وناخبيهم وسرقة أحلام مواطنيهم وتبديد ثروات بلادهم وإعادة العراق إلى عصور الظلام والقهقرى والتخلّف في كلّ الميادين والقطاعات. ونقولُها بصريح العبارة، في حالة عودة زعيم حزب الدعوة المثير للجدل في ولائه وخيانته للأمانة الوطنية إلى المشهد التنفيذي لثالث مرة تفرّدًا بالسلطة، حينها ستحلّ الكارثة الكبرى وستُدقّ آخر المسامير في نعش البلاد الجاهز للانتقال إلى مرحلة ما بعد الدفن المجهولة. وهنا لن ترحمهم صرخات الشارع الذي سيثيره حتمًا زعيم التيار الصدري وأتباعُه في أية لحظة مع تحرّك موازٍ لثوار عراقيين تخطّوا مرحلة التشرينيين. وما على الشرائح الهشة في المجتمع العراقي إلاّ الاستعداد لمثل هذه المرحلة المجهولة الهوية والمصير، ومنها بطبيعة الحال المجتمع المسيحي الذي مازال يتلقى وعودًا عرقويبة بالدعم وإدامة التواصل مع صنّاع العملية السياسية في وسائل الإعلام لأغراض دعائية بحتة من دون تنفيذ على أرض الواقع.

 

أين يقع الحضور المسيحي اليوم؟

            وسط الإرباك العارم في الوضع السياسي المتعقّد أكثر ممّا مضى بعد انسحاب نواب التيار الصدري وتقديم استقالات جماعية بأمرٍ من زعيمهم المثير للجدل، بدأت الهواجس والمخاوف تدبّ في أوساط المجتمع العراقي ولاسيّما الهشّة فيه من تلك التي تخشى على ما تبقى من وجودها ومستقبلها المجهول وسط صراع القوى المتنازعة من أجل الثروة والسلطة والنفوذ باستغلال الوازع الديني والمذهبي والطائفي سلاحًا جاهزًا لإدامة المكاسب والمغانم التوافقية والتحاصصيّة القائمة منذ تشكيل أول حكومة فاسدة بعد السقوط. صحيحٌ هناك سعيٌ حثيثٌ من جهات كنسيّة وشخصيات مسيحية فاعلة تسعى للحفاظ على ما تبقى من المجتمعات المسيحية وتثبيت حضورها الفاعل والمتفاعل مع باقي شرائح المجتمع العراقي بسبب قدراتها الإنسانية وأخلاقياتها العالية في التعامل مع الآخر المختلف عنها في الدّين والفكر والمبادئ. وهذه سمة متلازمة لا يمكن نكرانُها في أي وسط أو مقامٍ أو اجتماع، سواءً كان فيه الحضور المسيحي قائمًا أو غائبًا. فالشمس لا يمكن أن يخفيها غربال، والكلمة الطيبة الصريحة نعمة وصدقة.  لكنّ هذه المساعي تصطدمُ دومًا بواقعٍ يختلف عن الوعود المقطوعة لهذه الجهات التي قد لا تمثلُ عموم المجتمعات المسيحية في البلاد، مع عدم نكران أهميتها وقدرتها في الوقت ذاته على المناورة والتفاعل الجادّ الحكيم والعقلاني مع أدوات السلطة ورموزها في تبنّي بعض المطالب وتأشير مواقع الخلل هنا وهناك بفضل جرأتها وشجاعتها في انتقاد الخلل أينما وجد. بل إنّ ما تقدّمه هذه الجهات الكنسية الرسمية في وسائل الإعلام وفي اللقاءات مع مسؤولين في الدولة يُعدُّ مدعاةً للفخر وبيانًا واضحًا للحرص الوطني قبل غيره من المطالب الضيقة لصالح هذا المكوّن أو ذاك، وذلك انطلاقًا من بقاء الشعلة التي يحملها الحضور المسيحي وقّادة طيلة السنوات العجاف المنصرفة منذ السقوط المأساوي في 2003.  

ما لا يمكن تجاهلُه  اليوم، كونُ المجتمعات المسيحية أكثرَ من غيرها، ما تزال تنبض بالحياة وتعكس حبّ الوطن والوفاء له ولأهله ولحضارته وثقافته وسط الكمّ الهائل من الخروقات والتراجع في القيم الوطنية الغائبة في أوساط معظم أحزاب السلطة وأتباعهم وسواهم من المدّعين بالدّين والتديّن وقدسية الشخوص والمراسيم المذهبية العجيبة الغريبة المستفزّة لمشاعر شرائح واسعة من المجتمع على حساب الوطن والعبادة الصحيحة الخالصة لخالق الكون ورب السماوات والأرض والعناصر، الرحمن الرحيم الذي لا يخذلُ عبادَه الصادقين ويكشف المدّعين باسمه والقاتلين والتكفيِريّين ضدّ المختلفين عنهم في الدّين والمعتقد والمذهب والطائفة، ويرفضون الترحّمَ عليهم لاختلافهم معهم. فالكنيسة ورجالاتُها في طول البلاد وعرضها، يبذلون جلَّ ما في وسعهم لتعزيز قيم الأصالة والوطنية والوفاء والصدق والأمانة في أوساط المجتمع العراقي بعمومه، وليس لأتباعهم فحسب. فعندما يتحدث كبيرُ رجالات كنيسة العراق، غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو أمام نفرٍ من أتباعه في أية مناسبة، فإنّه يوجه كلامَه لجميع العراقيين من دون استثناء ولا تمييز ولا خشية أو استحياءٍ من أحد. وهذه من شيم رجالات الدولة الحقيقيين الذين يحملون رايات الإنسانية على كفّ ومصير أتباعهم ومواطنيهم في كفّ آخر ويفكرون مليًّا في بناء البشر قبل الحجر وتنمية مواهبهم وتعزيز قدراتهم الوطنية والزجّ بكفاءاتهم العقلية والفكرية والعلمية من أجل بناء الإنسان وتنمية الوطن وتغيير الصيغة النمطية الخاطئة التي دمغت المشهد السياسي بأشكال الفساد والنفاق والكذب والخذلان واللصوصية والتزوير والترويج لعادات وأعراف بالية تدمّر الإنسان العراقي ولا تبني وطنًا، مثل الدكّة العشائرية والفصل العشائري وسيادة التمييز على أساس ديني ومذهبي وطائفي والتغاضي المتعمّد أو تقديم الدعم والإسناد والتغطية على فعل الترويج لآفة المخدّرات المدمّرة القادمة من الجارة الشرقية بخاصة.

ما تفعلُه جميع الكنائس اليوم وعلى رأسها رجالاتُها القيّمون الأمناءُ على مؤمنيها، هو لمّ الشمل كما الدجاجة تفعل حيال فراخها وتحرص على رعايتهم والعناية بمشاكلهم وتشجعُ رسوخهم في بلد الآباء والأجداد لكون الأرض أرضَهم قبل غيرهم من الأدعياء والطامحين بممتلكاتهم ومواقعهم والطامعين بشرف نسائهم وبناتهم بأي ثمنٍ. لقد عانى عموم الشعب العراقي من جرائم الإرهاب والتكفير والاستهانة والاستخفاف. ولكن المتضرّر الأكبر كانت الشرائح الأكثر هشاشة فيه، ومنهم أبناء "الأقليات" التي أحالها الزمن الغادر إلى هذه التسمية الفجّة الظالمة بعد أن كانوا يشكلون الأغلبية في غابر الأزمان الوردية الجميلة. واليوم لا نعرف ماذا يخفي لنا الزمن من مفاجآت وأزمات وصعوبات. ولكن، في النهاية لن يصحَّ إلاّ الصحيح عندما تعود موازين البشرية إلى طبيعتها بايّ شكلٍ من الأشكال أو الطرق التي تحصل، وقد لا نحلمُ بها اليوم بسبب الغشاوة الغبراء التي تغطّي البشرية المتهالكة بعد أن غاب عنها الضمير وفقدت بعضُ مجتمعاتها أخلاقياتِ السلوك وأصول الحياة التي أمرَ بها سيّد الكون لتكون في متناول جميع البشر بالتساوي ووفقًا للكفاءة والجدارة والعمل الصالح. وسوف يأتي اليوم الذي تختفي فيه مظاهرُ القتل والدمار والعنف، ويعود البشر إلى جادة الصواب بقدرة رب السماء والأرض وعودة الابن الضالّ إلى الحضن الأبوي ومعه الحظيرة البشرية إلى الطريق القويم الذي ينكر ويستنكرُ أية مظاهر سلبية لا ترضي الله وخليقتَه السامية.

هذا هو تقييمُ الكنيسة للوضع المأساوي الشاذ في بلاد ما بين النهرين. فالمسيحيون سيبقون عصب هذه البلاد وجزءً أساسيًا في قامتها السامقة لكونهم الرمز والنواة والشراع الذي لا يتمزّق في سفينة المجتمع العراقي عبر حضورهم المؤثر والخلاّق والمتميّز في كلّ شيء. فهُمْ كانوا وسيبقون الخميرة التي تؤثّرُ في العجينية كلّها لتخمّرّها بطيب النكهة المتميّزة في حياتهم وسلوكهم وأخلاقهم النابعة من إيمانهم وثقتهم وإخلاصهم ووفائهم للأرض والسماء والماء بفضل عبادتهم وإيمانهم بالله الواحد الأحد وسيدهم المسيح مخلّص البشرية بموجب المشروع الخلاصي الذي يُعدّ ركنًا اساسيًا في هذا الإيمان.

سلامٌ وبردٌ على جميع أهل السلام والوئام من حاملي مشاعل المحبة والغيرة والوفاء والإيثار لصالح الوطن وأهله!

 

لويس إقليمس

بغداد، في 3 تموز 2022  










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5877 ثانية