الرسالة البطريركيّة لقداسة البطريرك مار آوا الثالث، لمناسبة رأس السنة الآشوريّة الجديدة 6774      الثقافة السريانية وفرقة شمشا للتمثيل يحتفيان بيوم المسرح العالمي- عنكاوا      سوق خيري‏ بمناسبة عيد القيامة المجيد - عنكاوا      تخرج دفعة جديدة من طلبة كلية نصيبين اللاهوتية المسيحية الاشورية في سيدني      الثقافة السريانية تهنئ المسرحيين السريان بيومهم العالمي      القداس الالهي بعيد بشارة العذراء مريم بالحبل الالهي‏ - كنيسة ام النور في عنكاوا      البطريركية الكلدانية تلغي المظاهر الخارجية للاحتفال بعيد القيامة      بمشاركة مدير قسم الدراسة السريانية في تربية البصرة .. وفد مشترك يقدم محاضرات توعوية وهدايا لطلبة المدارس      العيادة المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية افزروك شنو      الرسالة البطريركيّة لقداسة البطريرك مار آوا الثالث لمناسبة العيد العظيم لقيامة ربّنا للعام 2024      خبيرة ألمانية تدعو إلى الصيام عن البلاستيك      كلمة رئيس الوزراء مسرور بارزاني بشأن القرارات المُتخذة في اجتماع مجلس الوزراء      الكهرباء العراقية تعتزم شراء غاز حقل كورمور بإقليم كوردستان      الخارجية الروسية: أنشطة "الناتو" في شرق أوروبا والبحر الأسود تهدف للاستعداد لمواجهة محتملة مع روسيا      الولايات المتحدة تعرض 10 ملايين دولار مكافأة مقابل معلومات عن "القطة السوداء"      العراق يتجه لحجب "تيك توك"      الاتحاد الاسباني يرفض تخفيف عقوبة تشافي      انفوجرافيك.. عيد القيامة والبيض الملون      توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي)      جمال كوجر: يفترض أن تطلق بغداد الأسبوع المقبل رواتب شهر آذار لموظفي اقليم كوردستان
| مشاهدات : 1018 | مشاركات: 0 | 2020-04-08 13:42:31 |

ربنا يشكو حاله... لماذا!!؟

المونسنيور د. بيوس قاشا

 

عد أن وصلت الحضارة البشرية إلى قمّتها بعلمها وتقنياتها وتكنولوجياتها، ظهر أمامها في هذه الأشهر الأخيرة فيروساً صغيراً بل جرثومةً حقيرةً (كورونا) داهمت العالم

كله: عالم الفجور، عالم الأنا والكبرياء، عالم الحقد والبغض والكراهية، عالم المصالح والمحسوبيات، وشلّتْ حركته، وبشكل مفاجئ شكّلت خوفاً ورعباً هائلاً في قلوب البشر، وظهرت كعدو متخفي كالشيطان الذي يهاجمنا ونحن لا نراه ولا نتحسّس به أو نستشعره، وجَعَلَتْنا مبتعدين الواحد عن الآخر حتى داخل البيت الواحد، وأجْبَرَتنا على العيش داخل جدران منازلنا، أغنياء وفقراء، أصحّاء ومرضى، أصحاب أموال وسلطة، قادة نفوذ وسلاح، رؤساء وعبيد، أناساً عاديين ورسميين، ولا أحد يعرف متى تنتهي معركة الفيروس كورونا هذا. فبسببه تغيرت الحياة، وتحولت من حالة إلى أخرى في ليلة وضحاها، وربما سيظهر في المستقبل عشرات الفيروسات الأخرى تفتك بالبشرية، وهل الفيروسات هذه ـــ وكورونا بالخصوص ـــ هو نتيجة لعمل خاطئ قام به الإنسان، أم هو كبرياؤه في الاستيلاء واستعباد الدول عبر الأنانية المعهودة كما كان الحال مع قائين حيث دفعته الأنانية والكبرياء والغيرة إلى قتل أخيه "هابيل" (تك1)؟.

يسأل المؤمنون اليوم: هل هذا الفيروس جاء ليمتحنَ إيمانَنا وطاعتَنا ودرجةَ محبتنا وغاياتنا كما حصل مع آدم حيث كسر وصية الله بعدم طاعته فطُرد من الجنة، وما حصل لأهل نينوى بتهديد يونان، ولكن الرب غفر لهم بتوبتهم؟ وما يحصل اليوم معنا، هل الله لا زال صامتاً أمام الكارثة الوبائية؟، هل يقيس درجة مسيحيتنا؟، فهو لم يأتِ لنجدتنا حتى الآن، فهل هو انتقام من بشريتنا؟، وهل الصلوات والأدعية التي ضاعفناها وعباداتنا الفردية التي أزدنا في إنشادها تقودنا إلى حصول معجزات؟، وهل يعني أن صلواتنا غير مستجابة وصلوات الأبرياء ذهبت سدىً ولم تسمعها السماء؟، وهل نحن نقوم بدعاية لإيماننا بأنفسنا كي نجلب شفقةَ الله، ويسوعُ ربنا يقول "لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ" (متى20:17)؟، و"هل" أخرى عديدة... أمام هذا كله يسأل ربنا ويشكو حاله ويقول:   

            أنا أعرف أين أنتم، أعرف أنكم اليوم تعانون من هلع الفيروس "كورونا"، وأنا أعرف جيداً أنكم لا زلتم في خطاياكم وشهواتكم ومآربكم وحب طائفياتكم أكبر من حبكم لي، ولا زلتم تفسدون في الأرض بحروبكم الخفية والمعلَنَة، فهل أنتم تعلمون بذلك؟، هل تعلمون إلى أين أنتم ماضون؟. فأنا أسأل عنكم ليس لأدينكم بل أنا هنا لأُشعركم بالحقيقة، وأنا بجانبكم لأخفّف عنكم هول الفاجعة التي حلّت بكم وأبعدت الخوف عن قلوبكم، "قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ" (مر23:13) ــ ولكنكم ربما تقرأون الكلمات في إنجيلي ــ ولكن إيمانكم بعيد عني، وعبر شفاهكم... لذا أقول: آمنوا "سَتَأْتِي أَيَّامٌ لاَ يُتْرَكُ فِيهَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ" (لو6:21). لذا أناشدكم وأقول: كفاكم وضع الحواجز بينكم والهروب لتحتجبوا كما فعل قائين بعدما قتل أخاه، فأنتم تقتلون إخوتكم الأصحّاء كما يقتل الفيروس مرضاكم. أنا أعلم أنّ حِملَكَم ثقيل، ولهذا جئتُ لأقول لكم "تَعَالَوا إِليَّ" (متى28:11) ولكنكم "تَسْمَعُونَ سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُونَ" (متى14:13)، فأنا لا زلتُ أفتش عنكم كما فتشتُ عن "الخروف الضال" (متى12:18-14) و"الأبرص" (لو12:5-14) و"السامرية والخاطئة" (يو5:4-30)، لذلك حطمتُ كل الحواجز التي أقمتموها ومع ذلك لا تستطيعوا أن تمكثوا معي "سَاعَةً وَاحِدَةً" (متى40:26)... لهذا أسأل:

            لماذا، تخافون الموت وساعته، ألم أقل لكم "أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا" (يو25:11)؟، لماذا تخافون يوم الحساب، ألا تعلمون أنه مِن صنعكم لأنكم لستم أوفياء فتنالون "الْبُكَاءَ وَصَرِيرَ الأَسْنَانِ" (متى12:8)؟، لماذا تقولون عن أنفسكم أنكم قديسين ونسيتم أنه لو كنتم قديسين لما "تَجَسَّدْتُ وأَتَيْتُ لأُبَشِّركم بِالحَياة وَمُتُّ مِنْ أَجْلِكُمْ عَلَى الصَّلِيب وأفْتَدَيْتكم مَنْ خَطَايَاكُم" (لو20:24)؟، وقد أعلمكم بذلك تلميذي بولس الرسول حين قال "أَنَا الْخَاطِئ أَوَّلُهُمْ" (1تيمو15:1) فجعلتم دمائي تجري سدىً وآلامي حكم المعدوم... فلماذا لا تمنحوني فرصة لأتكلم معكم؟، فأنا لا أجد مجالاً لأستمع إلى شكواكم بسبب الضجيج الموجود في داخلكم، وأنا قلتُ لكم "مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي" (يو24:5)، ولكن ما أراه أنه "لكم أَعْيُنٌ وَلاَ تُبْصِرُونَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلاَ تَسْمَعُونَ" (مر18:8)... فهل هناك ضعف في سمعكم تجاهي؟، فببساطة لم يعد بإمكانكم سماع صوتي لأن ترددات كثيرة مختلفة في عصركم أخذت آذانكم فضاع صوتي بينها.

            لماذا، تسخرون من وجودي بينكم وأنا دائماً أدعوكم إلى إعلان بشارتي الخلاصية وبكل شجاعة "اذْهَبُوا... وَعَلِّمُوا واعْلِنُوا الْبِشَارَة" (متى19:28-20)؟، واليوم أصبحتم تخجلون منها احتراماً وخوفاً وكأنكم بذلك تفعلون جيداً، فتنكرون إيمانكم بسبب أهوائكم وإرضاءً للآخرين، وهؤلاء أنفسهم يمجّدون أصنامهم ويؤلّهونَ بشراً وأنتم صامتون، وأنا قلتُ لكم على لسان تلميذي بولس الرسول "حَتَّى لَو نَحْنُ بَشَّرنَاكُم، أَو بَشَّرَكُم مَلاكٌ مِنَ السَّمَاء، بِخِلافِ مَا بَشَّرنَاكُم بِهِ، فَلْيَكُنْ مَحْرُوماً! وكَمَا قُلْنَا مِن قَبْلُ، أَقُولُ الآنَ أَيضاً: إِنْ بَشَّرَكُم أَحَدٌ بِخِلافِ مَا قَبِلْتُم، فَلْيَكُنْ مَحْرُوماً!" (غلا8:1-9).

            لماذا، أستغرب منكم كثيراً هذه الأزمنة؟، فمنذ ألفي سنة أرسلتُكم لتؤسِّسوا كنيسة تجمع الأصحّاء والمرضى، وسلّمتُ قيادتها إلى بطرس الرسول وهو بدوره سلّمها أمانة في أياديكم، ولكن ما رأيتُه بسبب خوفكم أنكم أفرغتم حتى دياركم العامرة وتجمعاتكم من روح السماء ومن ذكر اسمي، فلا زلتم تتهجّمون على الشر والشيطان، وتُنسبون الألم إلى إرادتي، وتملئون قلوبكم رعباً وهلعاً، كما لا زلتم في مواعظكم تذكرون اسمه "أي الشيطان" ولا أعلم أخوفاً منه، أم هل نسيتم إني أنا "أتيتُ لخلاصكم"، وإني قلتُ لإبليس في تجربتي معه "اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" (لو8:4)؟، فإن كان لكم إيمان لقلتم أيضاً ذلك دون خوف. ومن المؤسف إنني سمعتُ أنكم أنشأتم كنيسة لتكريمه حتى انزوى الكثيرون في عبادته، بينما أنا أنتظر متى تشنّون حرباً عليه لتظهر حقيقة إيمانكم وتتعاملون بالعقل والحكمة بعد أن غلبتُ وطردته ليَسجد للرب الإله.

            لماذا، تعاقبون أنفسكم كل يوم من جرّاء أعمالكم وكبريائكم وتتهموني وأنتم تعرفون حقيقة خطأكم، ومع هذا تقولون إني أنا هو سبب عقابكم؟. فهلاّ تعلمون أن نظرتي ما هي إلا نظرة عطف وحنان وشفقة! وماذا صنعتُ بكم حتى تطردوني من منازلكم وقلوبكم وترفعون صلواتكم وقد سبق فنبّهتكم إذ قلتُ "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَسْتَحِقُّنِي" (متى21:7). فحقيقتي إنني لستُ من عالمكم، فلو كنتُ منه لكذبتُ مثلكم وسرقتُ وقتلتُ، وأحببتُ أنانيتي ومصالحي ومحسوبياتي، وكسرتُ وصايا إلهي السماوي وابنتي الكنيسة، وقد سبقتُ فقلتُ لكم "أَنَا لَسْتُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ" (يو16:17) ولكنكم لم تعيروا لي آذاناً صاغية، ولم تؤمنوا بأنني راعيكم ولستُ أجيراً عندكم فَقَدْ "أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَكُمْ الْحَيَاةُ" (يو10:10)، ولكنكم رفضتم نعمتي هذه. لذا عليكم أن تعلموا جيداً إن الله خلق العالم جميلاً ولكن أنتم وبأعمالكم جعلتموه مغارة لصوص "لأَنَّ أَعْمَالَكُمْ شِرِّيرَة" (يو19:3)، وفي هذا أدركتُ أنكم تعبدوني بشفاهكم وثرثراتكم وليس بقلوبكم لذا قلتُ عليكم "إِنَّ هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً" (متى8:15).

                        لماذا، تخلقون لأنفسكم ممالك ودويلات عنصرية بائسة لكي تكونوا الحاكم الأوحد والقائد العظيم، وتشرّعوا وتقرّروا بارتجال ومزاجية وانفراد ما تشاؤون وما يحلو لكم عبر خطاباتكم المليئة بالوعيد والترهيب وعبر تشنجات وتزمتات ومهام رئاساتكم، وكأنها أُنزلت من عندي لكي يمجّدكم غنمي البريء ويهتف لكم، وقد دوّختموه وشكّكتموه حتى في إيمانه؟، بينما تعلمون جيداً كم كنتُ مُحباً لكم ولرضاكم، وقلتُ لكم "تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ" (متى29:11). فاليوم تحاكمون أولادكم وخدمكم بدل إرشادهم ونصحهم والتعايش معهم، فغروركم قد طاف دخانه إلى أجواء العلياء بعد أن ملأ نفوسكم، ومصالحكم أفسدت غاياتكم ودياراتكم، فبعتم قدسياتكم بدرهم فاسد، وأنا سبقتُ وقلتُ لكم "لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب" (متى6:7)، وأبلغتُكم في سفر الأمثال وقلتُ "تَوَكَّلواْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْوبِكَم، وَعَلَى فَهْمِكَم لاَ تَعْتَمِدوا" (أمثال5:3)، وأعلمتُكم أنكم في المعاناة تجدوني وأنتظركم لأكون نصيحتكم.

                        لماذا، تقولون أن الرب تخلّى عن أبنائه؟، نعم ربما تجدونني صامتاً أمام صلواتكم وأدعيتكم ولكني أقول: هل رأيتم أباً يتخلى عن أولاده في ساعة الهمّ؟، ألم تُدركوا جيداً كيف صَمَتُّ أمام الشتائم والتجاديف التي أُلقيت عليّ ولم أفتح فمي كما قال نبي السماء اشعيا "فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (إش7:53)!، كما نعتموني بالكذّاب وأبو الكذب ألم تقولوا "إِنَّهُ بِبَعْلَزَبُولَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ" (لو15:11)، وفي ذلك ربما ترونني صامتاً وغائباً ولكنكم لا تعلموا إني أعيش فيكم ومعكم ومن أجلكم، وبي أنتم تَتَحَرَّكُون وَتُوجَدُون "لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" (أع28:17)، وهذا ما اختبره داود الملك حينما قال "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" (مز22:1)... إنني أعدتُ هذه الكلمات عينها في اللحظات الأخيرة وأنا على الصليب (متى46:27؛ مر34:15)، وشعرتُ حينها أن أبي السماوي تخلّى عني ولكن الحقيقة هذا لا يمثل غياب إلهي... إن صرختي هذه هي صرختكم أنتم يا مَن تعانون غياب الله، وأوجّهها إلى قلب الآب ليفتح الله قلبه لكم... إنها أكبر صرخة من صرخات أولئك الذين يدينونه، والمزمور يقول "عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ، وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ" (مز15:34)، لذلك قد أكون صامتاً لكنني دائماً أسمع. فعندما لا تستطيعون سماعي يجب أن تعرفوا أنني أستمع إليكم دائماً. واعلموا أن صمتي لا يمكن أن تفهموه إلا بالنظر إلى صليبي وهذه هي الحقيقة، فمن على الصليب تنكشف حالة الإنسان الذي يصلّي، فالبابا بندكتس يقول:"إنّنا حين نصلي، غالباً ما نجد أنفسنا في صمت الله، فنشعر بنوع من التخلي، ويبدو لنا وكأنّ الله لا يسمعنا ولا يستجيب لنا. ولكنّ صمت الله هذا يشبه صمت الآب تجاه يسوع، وهو ليس بالتالي علامة غيابه. فالمسيحي يدرك جيداً أنّ الرب حاضر ويصغي، حتى في ظلمة الألم والرفض والوحدة" (تعليم البابا بندكتس السادس عشر الذي تلاه في قاعة بولس السادس في الفاتيكان؛ الأربعاء 7/3/2012). قال القديس أغناطيوس "إن كل مَن يفهم كلمات الرب يفهم صمته لأن الرب يُعرَف في صمته". لذا إنني أتحدث اليكم لكي يكون لكم إيمان بي، ولسوء الحظ لديكم القليل جداً من الإيمان، فأنتم تطلبون حضوري وإيمانكم غير ناضج لأنكم تخلطون بين صمتي وغيابي، فما أنا إلا إله الصمت. لذا أدعوكم أن تغيّروا وجهات نظركم بتوبة صادقة نابعة من عمق أفئدتكم وإيمانكم، فأنا أكشف عن نفسي في الصمت الداخلي في قلوبكم، لأنني أسكن في أعماق كل شخص منكم، فما أنا إلا إله الصمت ولا أسكن إلا فيكم.

            لماذا، جعلتم شعبي يترك كنائسه ويتجه إلى أخرى فيها يصلّي؟، فأمام مقدَّساتي ترقصون وتمثّلون، وقد جعلتموها معابد سياحة وليس صلاة. ألستم أنتم سبب تقسيم دياري، فأنا أعطيتُكم سلاحاً لغفران الخطايا "كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ" (متى18:18)، أصبحتم اليوم تعبدون أصناماً بشرية وهي آلهتكم وأصنامكم. إنكم مثل العجل الذي عَبَده شعبي في القديم، وأصبحتم تتقاسمون دياري هذه  طائفياً ومذهبياً، وكل واحد منكم يريد أن يربح عدداً ليملأ معبده، كما أصبحتم تفتشون عن المال والدنيا والاستجمام والراحة قبل أن تفتشوا عن شعبي وغنمي الذي تاه في مجال الزمان. وقد قالها لكم نائبي البابا فرنسيس "اذهبوا بعيداً فتشوا عن الخراف الضالة. خذوا رائحة خرافي. فتشوا عن آل إسرائيل الضالّة" (كلمة البابا فرنسيس التي ألقاها أمام الأساقفة الذين استقبلهم يوم الخميس 19 أيلول 2013 في القصر الرسولي في الفاتيكان)، ولو كنتم فعلاً بهذه الغيرة من التضحية وتفتشون عن الفقير والمريض لرأيناكم تعيشون آلام شعبكم ومآسيه، فإنكم تهيئون تبريركم من قلّة إيمانكم، فأنا أنادي إليكم بالشفقة والحنان كما ناديتُ "بِنِعْمَةِ الْبَصَرِ لِلْعُمْيان" (لو18:4). كما لا يزال إيمانكم يظهر تديّناً، ولا زالت الخلافات والصراعات قائمة بينكم، واجتهاداتكم التي يمارسها بعضكم تؤدي إلى انشقاقات وتحزّبات، وهذا ما يجعل دياري الحبيبة تتحول إلى مؤسسات مجرَّدة من عملها الإيماني في البشارة. فالصراعات التي تخوضونها وإنْ كانت غير مرئية لكني أُدرك ألمها في قلبي، فأنتم تتصارعون إلى كسب عدد من الأعضاء لتوسيع حدود رعيتكم، واستغلالاً لمصالح أنانية ذاتية، والتشهير بالأبرياء علانيةً كان أو بشكلٍ مبطَّن، وهذا ما قادكم إلى الجهل وأَنْبَتَ فيكم نبتة الكراهية اللعينة، ويزداد نموها بدرجات إذا ما كنتم مليئين بالغيرة القاتلة، فتمتلئ قلوبكم حقداً، ويفرغ إيمانكم من جوهره، وتحدث فوضى عقائدية في مسيرتكم المسيحية، وتبدأ الخراف تتشتّت، وتظهر أمامكم ثعالب تطالب بِلَحْمِ الخراف عبر عبارات معسولة وكلمات حنونة يتلقاها المؤمن لتوصله أحياناً إلى حد الخوف والفزع مما يحدث... إنها التجربة... إنه تشويه لحقيقة مسيرة الإيمان... وتموت المحبة بتحريفها ويبقى واجبكم دنيوياً، فكل الاستغراب بنصائحكم، وبينكم أناسٌ في داخلهم شقاق وصراع وخلاف، وفي هذا تسيئون إلى دياركم، فلا حوار ولا أخوّة، بل رزق ومهنة وصراع، وقد سبقتُ وأعلمتكم ماذا يحصل "إِنْ انْقَسَمَ بَيْتٌ عَلَى ذَاتِهِ" (مر25:3).

            لماذا، تنادوني لأعيدكم إلى إنسانيتكم وأنتم شوّهتم الخليقة الجميلة التي أبدعتُها عبر مسيرتكم المشكِّكة، فأصبحتم ذئاباً مفترسة؟، أردتُكم أن ترعوا فيها وتُحسِنوا إلى سكانها وأنتم اليوم تقتلون أخاكم لتحافظوا على مراكزكم ومناصبكم، وشرّعتم قوانين غريبة عجيبة بإسم حقوق الانسان، ووافقتم على الزواج المثلي الذي أهان حقوق إلهي، ورفعتم الصلبان من كل الأماكن العامة، وأزدتم في هذا كله حيث جعلتم من الإباحية حرية إعلامية... وأخرى وأخرى، ألم يحن الوقت لتعيدوا التفكير في الكثير من عاداتكم وتشريعاتكم وقيمكم وأخلاقكم ومجاملاتكم لتشهدوا للحقيقة التي تقودكم إلى احترام قوانين الحياة كي لا تفقدوا حواسكم الروحية، ولا تبيعوا مسيرة إيمانكم ومراكز سلطانكم بأرباح السياسة المزيَّفة عبر أشخاص أصبحتم لهم عبيداً كي تحافظوا على برامجكم وبرامجهم، ومصالحكم ومصالحهم، وكراسيكم المزخرفة؟، فأنا جداً أخاف لأنني متأكد أنكم بعد عودتكم إلى كنائسكم بالسلامة ستعودون كما كنتم وإنْ قلتم أن الفيروس وحّدكم فما ذلك إلا حالة عاطفية وتديّنٌ مهمومٌ، فاعلموا إذن إنّ هذه الظروف القاسية جاءت لتجعلكم تراجعون ذواتكم وحقيقة محبتكم لا أن تكونوا عبيداً لأشخاص أنا خلقتهم مثلكم، فقد قلتُ لكم "مَنْ أَحَبَّ أَباً أَو أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلا يَسْتَحِقُّني" (متى37:10). وجميل جداً أن تجعلوا بيوتكم كنائس ولكن أرجو أن لا تنسوني في مسيرة الدنيا الزائلة، فكل ألم وصليب نعمة وموهبة كما يقول لكم تلميذي بولس الرسول "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (رو28:8).

                        ختاماً، نعم أنتم تواجهون عاصفة ليس فقط في وسط البحر كما واجهها تلاميذي (متى24:14)، بل أنتم اليوم والعالم بأسره تواجهون فيروس كورونا، إنكم في قمة الفوضى، وفي هذه الفوضى أنا صامتٌ ونائم. وقد أعلمتكم أن كل العواصف والمخاوف تأتي من قلّة إيمانكم. أإلى الآن لا إيمان لكم؟. تنشأ مخاوفكم من عدم فهمكم مَن هو في خضمّ العاصفة والصعوبات. غالباً ما تخافون لأنكم لا تثقون فيَّ أنا يسوع، ولأنكم لا تعرفون ماهي علامات الأمل والزمن الموجودة حولكم، لهذا أنتم عميان في هذه الحالة، وأنا وحدي ولا أحد سواي ــ قلتُ لكم وأكرره الآن "أَنَا نُورُ العَالَم" (يو12:8)، وحدي أنا قادر أن أخاطبكم وأخاطب عقولكم وإرادتكم لكي تتحرروا من عماكم الروحي على الرغم من تقدمكم وجاهكم ومراكز حياتكم ومناصبكم، فهذه كلها تعطّل رؤيتكم الإنسانية والخلقية وأيضاً الروحية، وتفقدون التوازن الاجتماعي بعد أن ملأتْ نفوسكم روح الحرية المزيَّفة عبر تدنّي الأخلاق، وطغى عليكم مستوى الإعلام السياسي. لذا أدعوكم إلى الاستفادة من هذه العزلة في دياركم، والوقوف أمام الداء بحضرة الله وكتبه المقدسة، والإصغاء إلى ما يقوله لكم عالم جديد بولادة إنسان جديد "هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيداً!" (رؤ5:21)، فأنا الألف والياء، الأول والآخر (رؤ13:22). فأنا قادرٌ أن أتدخّل من أجل خلاصكم "وَلكِنْ حينما تثقون بي بأني: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يو33:16). فأنا بينكم ملكوت الله، فارجعوا لحقيقتكم، فإذا ليس هناك كورونا فغيرها، فوباءكم هذا لا يخلص "إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ" (متى21:17). لذا أنا معكم لكي تدركوا أن محبتي هي من أجلكم، وصلاتكم تشير إلى أنكم  بحاجة إلى التوقف كي تعيشوا معي لحظات من العلاقة الحميمة، فأنتم لستم وحدكم بل أنا معكم لأن المزمور يقول "لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي" (مز4:23)، وإرميا يقول "لاَ أُوقِعُ غَضَبِي بِكُمْ لأَنِّي رَؤُوفٌ، يَقُولُ الرَّبُّ" (إرميا12:3).

                        نرجوك يا رب أن تقلب واقعنا الأليم، وتبعث الرجاء في النفوس، وتريح أعصاب الناس التي تلفت جرّاء تراكم الصدمات المظلمة والكئيبة. إننا نعدكَ بأننا سنحملك يا يسوع في زياراتنا ومشاريعنا وأعمالنا لتغيير وجه الأرض، وسوف لن نخاف ما دمتَ معنا، فإنّا نؤمن بثقة أنك هنا لتخلصنا "نعم، أنتَ تريد خلاصنا"، فلا تجعلنا بعيدين عنك يا رب، سنزيل كل الحواجز بيننا وبينك، فأنت معنا لتساعدنا في ترميم حياتنا بعد تدهورها. فازرع بذرة الحب داخل قلوبنا لأن ما فينا ليس حقيقياً، ولا تجعلنا أن نعود إلى الفراغ ونتتركك، فقلوبنا لن تمتلئ من حبك إلا حينما يرفرف روحك فيها لتعيد ترميمَها وبناءها فنعودَ إلى رشدنا وصوابنا وإيماننا الحقيقي... فارحمنا يارب نحن الخطأة، واجعلنا نُبصر حقيقتك فينا لتملك على قلوبنا... يا ابن داود إرحمنا، نعم إرحمنا... نعم وآمين.

 










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.5995 ثانية