1- الحريةُ هي القدرة على إتخاذ قرارٍ واعٍ ومسؤول، بعيدٍ عن أي ضغوطات. والحريّة حقّ طبيعيّ للإنسان، تنبع من كيانه، ومن دونها يبقى عبداً مأموراً، لا قيمة لأفعاله أو أقواله. الحرية حقٌّ طبيعيٌ من حقوق الإنسان، التي خلقه الله عليها. والمسيحية تؤكد على قيمة وأهميّة حرية الإنسان. والمسيح نفسه نادى بالحرية للجميع “تَعرِفونَ الحَقّ: والحَقُّ يُحَرِّرُكُم” (يوحنا 8/ 32). ولهذا يقول الرسول بولس: “فاثبُتوا إِذاً ولا تَدَعوا أَحَداً يَعودُ بِكُم إِلى نِيرِ العُبودِيَّة” (غلاطية 5/ 1). من المؤكد ان الإنسان يحتاج الى فُسحة ليمارس فيها حريته التي ينبغي أن تُعبِّر عن وعيٍّ ونُضجٍ وإتزان وإحترم.
2- هناك من يقول “أنا حرٌّ أعمل ما أريد”، فمن يعتقد بهذا الشعار يُخطئ. هذا الفهم للحرية إنقطاع عن كل إنتماء وتقاليد وقيَم. الحرية ليست بلا ضوابط. إننا نعيش معاً، ونتقاسم الحياة والعمل. فالإنسان شخص عاقل، عليه أن يتَّخذ قراره بحرية متحملاً مسؤولية إختياره. ثمة فرق بين الحرية والفوضى، ولا ينبغي الخلطُ بينهما. وإرتكاب أعمال منافية للمبادئ والأخلاق مرفوض. فالحرية هي ثمرة وعيٍّ وتمييزٍ وصفاء الروح.
3- الحرية وحق الآخر. الحرية لا تعني الإعتداء على حرية الآخرين، بل تعني الإقرار بوجود الآخر، المختلف عني، وبحقه في أن يكون حراً مثلي في فكره ورأيه. الحرية تعطيني الحق في التعبير عن آرائي، لكن الحرية لا تعطيني الحق لأسخر من رأي الآخر. من المؤسف أن هناك من يمارس الحرية بشكل سيء بعيداً عن إطار اللياقة والتروّي لفهم مختلف جوانب وجهة نظر الآخر والتفاعل معه بإحترام.
4- الحرية والأخلاق المسيحية. نحن مدعوون لعيش الحرية الملتزمة. يُعلِّمنا بولس الرسول قائلاً: “كُلُّ شَيءٍ يَحِلُّ لي، ولكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ يَنفَع” (اقورنثس 6/ 12)، و “كُلُّ شيَءٍ حَلال، ولكِن لَيسَ كُلُّ شَيءٍ يَبْني” (اقورنثس 10/ 23). الحرية المسيحية تُعلّمنا أن تكون إختياراتنا من مُنطلق مبدأ مسيحي وليس على هوانا! الحرية التي يعطيها لنا يسوع هي حرية الأبناء، أي العلاقة مع الله والسلوك بإرشاد الروح القدس “إِنَّ الَّذينَ يَنقادونَ لِرُوحِ الله يَكونونَ أَبناءَ اللهِ حَقّاً” (رومية 8/ 14) وفي ضوء هذه العلاقة الإيمانية نتصرف.
5- نعيش اليوم في عصر تُهيمن عليه وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة. وهنالك صعوبة كبيرة للتمييز بين ما هو حقيقي وما هو “مُفّبرَك”. والناس عموماً تجذبهم الأخبار المثيرة، وبدون ان يتأكدوا من مدى صحتها. ثمة جيش الكتروني رهيب يُسقِط المُحرَّمات، ويجعلّ كل شيءٍ مُباحاً وعلى مقاس رغباته. المسؤولية الأخلاقية تنطبق على صفحات التواصل الإجتماعي. ليس صحيحاً ان تنشر ما تظنُّه عن الآخرين. هذا إنتهاك لحقوقهم وحريتهم وتشويه لسمعتهم. وهذا يُعَدُّ في الأخلاق المسيحية خطيئة ضد المحبة. كل شخص له الحق في أن يُحترَم.
عن موقع البطريركية الكلدانية