عشتار تيفي كوم- كلنا شركاء/
رزق العبي
وكأنما لا مسيحيين هنا، مضى عيد الميلاد، ورأس السنة الميلادية، بصمتٍ مطبقٍ في محافظة إدلب التي يتوزّع مسيحيوها على قرى ريف جسر الشغور، وإدلب المدينة.
ولم يبقَ إلّا قلّة قليلة في محافظة إدلب، معظمهم كبارٌ في السن، بينما هرب المئات منهم باتجاه اللاذقية وبعض الدول، ومنها إلى لبنان.
يتواجد المسيحيون في عدة قرى ومدينتين في المحافظة، ونستطيع حصر تواجدهم في هذه الأماكن: (مدينة إدلب في حي وسط المدينة، جسر الشغور في حي المسيحية بالجسر، قرية الجديدة، قرية اليعقوبية، بلدة القنية، قرية الغسانية “أنزيك” وقرية حلوز(.
وكانت أعداد المسيحيين في مدينة إدلب تتراوح ما بين ألفين وثلاثة آلاف نسمة، ويتوزعون على عدة مذاهب هي الروم الأورثوذكس، اللاتين، الأرمن، البروتستانت، المتجددين من البروتستانت المعمدانية، الناصرية، وكانوا يعملون بنسبة تتجاوز 17 في المئة بالأعمال الإدارية الحكومية، وقسم ليس أكبر في أعمال واستثمارات خاصة، وفقاً لإحصائية رسمية قبل 2010.
وهذا العدد، تناقص كثيراً، فأصبح لا يتجاوز الـ 150 شخصاً، بحسب “بلال معلم” أحد سكان مدينة إدلب، الذي أوضح في حديث لـ (كلنا شركاء) أن مسيحيي إدلب هم “أدالبة” أصليون، وليسوا من خارجها.
وتابع قائلا: “بدأ المسيحيون يتناقصون في إدلب منذ اندلاع الثورة، خصوصاً مع تنامي التيار الديني، وقيام النظام بالترويج ضدّ الثوريين على أنهم أعداء لكل الطوائف، فهرب الكثير منهم باتجاه مناطق النظام، ولكن بقي هنا في إدلب قلّة قليلة، وهم جدّاً طيبون في تعاملهم معنا”.
وكان مسيحيو إدلب يعملون بمهن مختلفة، وحتى يومنا هذا، لا يزال مطعم حلويات (كان يا مكان) الذي يعود لشخص مسيحي من آل “أنوب”، موجوداً، ويقدّم الحلويات للناس، ويقول “بلال” عن هذا الشخص: “هو موجود حتى اليوم، والمطعم ورثه عن والده، وقبل فترة ذهبت إليه، وتعامله جداً طيب، ولم يتعرّض له أحد أبداً، وهم بالمحصلة أدالبة أصليون”.
وتعرّضت الكنيسة الوحيدة الموجودة في إدلب لأعمال نهب وسرقة، قالت فصائل المعارضة إن قوات النظام عاثت فيها فساداً قبل تحرير المدينة، وعقب التحرير، قام مدنيون مسيحيون في إدلب بحفظ بعض الكتب والمخطوطات داخلها، وقفلها بشكل محكم، ولكن قصفاً عنيفاً تعرّضت له الكنيسة قبل أشهر أدى إلى تصدّعها بشكل كبير.
وبالعودة إلى أعياد رأس السنة، نستطيع القول، وفقاً لمتابعتنا خلال السنوات السابقة، إن مدينة إدلب لم تشهد احتفالاً بهذه المناسبة منذ 2011، ويعود السبب الأول إلى هجرة كبار الديانة من المدينة إلى مدن ودول أخرى، كما أن تشدد التيار الديني يقف عائقاً أمام من بقي حتى اليوم، حيث وصل بهم الأمر مؤخراً إلى ارتداء الزي الإسلامي للنساء أثناء الخروج إلى الشارع.
مسيحيو جسر الشغور
كان مسيحيو جسر الشغور يتمركزون في حارة المسيحية التي تحيط بالكنيسة، وغالبيتهم من أبناء المذهب الروم الأرثوذكس، ويصل تعدادهم لـ 2000 شخص، إلا أن العدد تناقص بشكل كبير، خصوصاً من وصول تيارات دينية متشددة إلى المنطقة، وما اُشيع عن موالاة أبناء الطائفة المسيحية هناك للنظام.
مسيحيو القنية
القنية واحدة من تجمع لثلاث قرى مسيحية، ويشكل المذهب اللاتيني الركن الأساسي لمسيحي هذه القرية، وهم كسكان لم يكونوا أكثر من 500 شخص، إلا أنهم في الصيف يصلون لـ 2000 شخص، لكون المنطقة سياحية، وكانت القنية من المناطق التي يعيش فيها (مسلمون ومسيحيون وعلويون)، إلا أن الأمر بات مختلفاً الآن مع سيطرة الفصائل على المنطقة، وهروب كل المسيحيين والعلويين باتجاه الساحل، وتضم القنية كل من قريتي اليعقوبية والجديدة.
مسيحيو قرية اليعقوبية
وهم (أرمن أرثوذكس، أرمن كاثوليك، أرمن لاتين، لاتين وروم أرثوذكس) ويصل تعدادهم صيفاً لقرابة 2000 نسمة، في حين يتناقص شتاء ليصل قرابة 400 نسمة، وفقاً لبحث صدر عام 2010، إلا أنهم هجروها مع ارتفاع وتيرة العنف في المنطقة، وخوفهم على وجودهم، فهربوا باتجاه اللاذقية.
مسيحيو قرية الجديدة
يصل تعداد سكانها لقرابة 1300 نسمة صيفا، بينما في الشتاء لا يتجاوز العدد 250 نسمة.
قرية الغسانية
وهي أقرب القرى المسيحية لطريق اللاذقية، وغالبية سكانها كمثل القرى السابقة موزعين بين مدينتي حلب واللاذقية، إلا أن أهالي هذه القرية متسمين بسمة الثراء في بعض العوائل نتيجة عملهم في التجارة، وعدم تركيزهم على القطاع الزراعي كبقية القرى، ويلاحظ في هذه القرية انتشار الجمعيات السكنية المعتمدة على البناء الطابقي مما جعلها تبتعد عن مفهوم الريف، ويتوزع سكانها بين مذهبي (الروم الأرثوذكس، اللاثين)، ويصل تعداد سكانها صيفاً لقرابة ألفين وخمسمئة نسمة، ويصلون شتاء لقرابة 400 نسمة.
قرية حلوز
وتقع أعلى قرية الغسانية مطلة على طريق اللاذقية – جسر الشغور، وغالبية سكانها من الروم الأرثوذكس ويصل تعدادهم لقرابة ألف وخمسمائة نسمة صيفاً، بينما في الشتاء لا يتجاوزوا 200 نسمة، وهم زراعيون بالدرجة الأولى.
ختاماً، يمكننا القول، إن ما تبقى من مسيحيي إدلب، مرّ عليهم عيد رأس السنة الميلادية، بصمتٍ تام، مكتفين بالمعايدات فيما بينهم، ولعل أبرز الأسباب، هي التشدد الديني، الذي تزايد خلال السنوات السابقة في محافظة إدلب بشكل عام، وهروب مئات المسيحيين إلى مناطق النظام.