
عشتار تيفي كوم - اعلام البطريركية الكلدانية/
بمناسبة مرور 30 عاماً على إنعقاد المؤتمر البطريركي العام للكنيسة الكلدانية (1995 – 2025) اقيمت أمسية تذكارية بالمناسبة مساء يوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 في قاعة كاتدرائية مار يوسف ببغداد، بحضور غبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو وسيادة المطران باسيليوس يلدو والاباء الكهنة والأخوات الراهبات وبعض المؤمنين. وتضمنت المحاور الآتية: – كلمة غبطة البطريرك – نبذة عن مسيرة المؤتمر – الإيمان ورسالة العلمانيين، رسالة الكنيسة الرعوية، وسائل الاتصال الاجتماعي في اعلان البشرى، تقديم الاب يوسف خالد – الطقوس والأسرار، رسالة الكنيسة التعليمية، تقديم الاب بسمان جورج – الخدمة الكهنوتية والحياة المكرسة، تقديم مامير نعم كمورة – الحوار المسكوني، تقديم دكتور وسام مرقس.
وفيما يلي كلمة غبطة البطريرك ساكو :
ثلاثة عقود على المؤتمر الكلداني العام (1995)، ماذا يُنْتَظَر من الكنيسة الكلدانية اليوم؟ أكتب هذا المقال، بمناسبة مرور 30 سنة على إنعقاد أول مؤتمر بطريركي عام، والذي اُعدّه مبادرة نبوية لإصلاح الكنيسة. أعتقد ان الفكرة أتت من المرحوم الأب يوسف حبي، وفريق الكهنة المتخصصين في العلوم الكنسية، الراغبين في التجديد والتغيير والمحركين لتغدو الكنيسة الكلدانية موحدة، تعيش الشركة وتنطلق بروح الرسالة للخدمة، كنيسة منفتحة، أقل بيروقراطية لا تعِظ الناس لينصاعوا وينفذوا فحسب، بل تُصغي اليهم، وتعمل شيئاً من أجلهم، مما يعزّز ثقة الناس بها. هذا ما عشناه على مدار سنتين بروما أثناء السينودالية بعنوان: الكنيسة “شركة ومشاركة ورسالة” في تشرين الأول 2023 وتشرين الأول 2024. تستحق ذكرى مرور 30 عاماً على هذا السينودس العام أن نتوقف عند أهم محطاته.
المؤتمر العام وهو الأول في الكنيسة الكلدانية، يسمى بالسينودس العام general synod، هو مصطلح (صيغة) يشير الى مسيرة التجديد الذي أطلقه المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 – 1965)، وتبنّته كنائس كاثوليكية محلية في الغرب، وكنائس شرقية كاثوليكية في الشرق، إذ بدأت باشراك مؤمنيها في حوار لترجمة وثائقه وتطبيقها في واقع الكنائس وتحديات مستقبلها. الهدف الرئيسي للمؤتمر كما نقرأ في التقارير والوثائق وكلمة غبطة البطريرك بيداويد في افتتاح المؤتمر كان الإصلاح ومد الكنيسة الكلدانية بمزيد من التجديد والحيوية والنشاط، بعد جمود طال قروناً. تجديد في البنى (الهيكليات) والنُظم والإدارة والتنشئة والقوانين وتعليم الكنيسة الاجتماعي، من خلال مشاركة فاعلة لشعب الله في حياة الكنيسة، وتخفيف العقلية الاكليروسانية المتجذّرة. خلال 13 سينودساً عقده البطريرك بيداويد خلال عهده الذي دام 13 عاما أكّد على تجديد الكنيسة: الطقوس والعمل الراعوي ومشاركة المؤمنين… أفكار جريئة طُرِحت لتوعية المؤمنين بما تعنيه الكنيسة، وتفعيل دورها وحسن أدائها وفق متطلبات العصر على الصعيد الإيماني، والليتورجي والراعوي والقانوني، والإنساني والإجتماعي كالحروب والسلام والظلم والعدالة والمساواة، وإتاحة المجال للمؤمنين للعب دورهم كأعضاء حقيقيين فيها لينعكس على حياتهم الروحية والكنسية والإجتماعية والعلاقات المسكونية والحوار بين الديانات. للأسف لم تنفّذ المقررات بسبب إنقسام المصاف الاُسقفي بين التيار التقليدي (الصقور) وبين المطالبين بالتجديد (النسور). قال لي الأب حبي نقلا عن البطريرك، ان أحد الأساقفة المتنفذين قال له: “سيدنا لا تقلق خليهم يحكون، ونحن نفعل ما نريد”!!! شعار المؤتمر: “القيامة والحياة والتجدد: ܩܝܡܬܐ ܘܚܝܐ ܘܚܘܕܬܐ، اُختير من ليتورجيا سبت النور وأحد القيامة ليعبّر عن هدف المؤتمر الحقيقي.
وبتعبير آخر: ماذا يُنتَظر من الكنيسة الكلدانية اليوم؟ الدعوة الى المؤتمر هذا المؤتمر أقرَّ إنعقاده السينودس الكلداني الملتئم في بغداد في 14-18 كانون الأول 1992. تشكلّت عدة لجان للإعداد الجدّي لهذا الحدث البارز، منها لجنة تحضيرية تشرف على سير العمل والمشاركة الجماعية. وقد قامت باستطلاعات للرأي وطرح أسئلة على فئات عديدة من الكلدان. في رسالة للبطريرك الختامية (نشرَتها مجلة نجم المشرق العدد الخاص 1998 ص2-11) جاء: “اردنا المؤتمر وقفةَ ايمان، ونظرةً تأمليةً الى واقع كنيستنا ككل، وإشارات ضوء لننطلق في أجواء ربيع الحياة التي فيها زخم المحبة.. لتحريك المياه، فتهب رياح قوية في جسم كنيستنا (ص 2 و3). كلنا ثقة بمن يقوّينا وهو “الطريق والحق والحياة” (يوحنا 14/ 6). المؤتمر تجسيد للجماعية الكنسية (ص 4). ليكن هذا المؤتمر دستوراً لجميعنا (ص 6). ودعا الى إسهام الجميع بتحقيق أهداف المؤتمر. مؤتمرنا هو المسيرة التي يقوم بها شعب الله في كنيسة خاصة، يشترك فيها جميع أبناء شعب الله من دون إستثناء ليساهموا في بناء الكنيسة (ص 9). حصلت لقاءات في الأبرشيات بين الأساقفة وكهنتهم ومؤمنيهم وطُرِحَت آراء عديدة وأسئلة مهمة.
الإطار القانوني في 8 أيار 1992 صدر النظام القانوني للمؤتمر. 1. يتكون المؤتمر البطريركي وفقاً للقوانين 140-145 من الحق القانوني الشرقي. 2. يترأس المؤتمر السيد البطريرك 3. غاية المؤتمر تقديم العون للبطريرك وسينودس الأساقفة في تدبير شؤون الكنيسة (القانون 140). 4. توصيات المؤتمر استشارية. 5. يعقد المؤتمر كلَّ خمس سنوات، وكلما دعت الحاجة الى ذلك، وبموافقة المَجمَع الدائم. 6. يتكون المؤتمر من هيئة عامة. 7. لا يجوز ان يتغيّب الأعضاء عن الاجتماع الا لسبب مقبول، وبإبلاغ السيد البطريرك بذلك. 8. يبعث السادة الأساقفة الذين يتعذّر حضورهم من يمثلهم في المؤتمر. 9. يبحث المؤتمر من خلال لجانه كلَّ الأمور المتعلقة بحياة الكنيسة من أجل دراستها وتجديدها. 10. تُوَجّه الدعوة الى المطارنة الكاثوليك في العراق أو من يمثلهم للإستفادة من خبراتهم، لكن ليس لهم حق التصويت. 11. توجه الدعوة الى رؤساء الكنائس غير الكاثوليكية لحضور المؤتمر بصفة مراقبين. 12. تتكون الهيئة العامة: من الهيئة التحضيرية وأعضاء اللجان التنفيذية ورؤساء اللجان. 13. تتكون الهيئة التحضيرية من اللجنة التنفيذية والمعنيين من مجمع الأساقفة وممثلي أبرشياتهم ومن رؤساء اللجان المقررة. 14. اللجنة التنفيذية تتكون من المطران ممثل البطريرك ومن الذين يُعيّنهم غبطته. 15. مهمة اللجنة التنفيذية إستلام جميع المقترحات ومقررات اللجان ورفعها الى رئيس المؤتمر أو المجمع البطريركي بعد تنسيقها وعرضها على الهيئة التحضيرية. 16. اللجنة التنفيذية بالتعاون مع الهيئة التحضيرية تشكل اللجان من بين أعضائها أو خارجاً عنهم شرط الا يتجاوز العدد ستة اشخاص ما عدا رئيسها. يمكن الاستعانة بخبراء واستشاريين من كهنة وشمامسة وعلمانيين. اللجان: تشكلت تسع لجان، وسُمّي أعضاؤها: الإيمان، الطقوس ورتب الأسرار، الاكليروس والدعوات الكنسية والعلاقات، الرهبانيات، العلمانيون، التثقيف والإعلام والنشر، التاريخ والتراث، الحوار المسكوني والحوار مع الديانات، الأموال الكنسية والمؤسسات الخيرية.
عُقِدَ المؤتمر في بغداد / العراق في كنيسة الرسولين بطرس وبولس في حي الميكانيك بعد ان حوّلت الى قاعة، وذلك من 16 – 20 تشرين الأول 1995. اشتركت فيه وفود من كافة الأبرشيات من داخل العراق وخارجه. واُختيرت صلوات الإفتتاح والختام من الطقس الكلداني وصلوات حديثة مع تلاوة مقاطع من الكتاب المقدس. اُفتتح المؤتمر يوم 16 تشرين الاول ١٩٩٥ بقداس إحتفالي مَهيب في كاتدرائية مار يوسف (الكرادة/ بغداد) بمشاركة كافة الأساقفة الكلدان مع ممثلي الأبرشيات وحضور رؤساء كنائس بغداد، وممثلين من الحكومة، وعدد من الكهنة والرهبان والراهبات وجمهور غفير من المؤمنين. ابتدأت أعمال المؤتمر صباح الثلاثاء 17 تشرين الأول 1995. وأصدر المؤتمر عدة وثائق. وثائق المؤتمر: أصدر المؤتمر تسع وثائق مهمة تضمنت توجيهات عملية مع أربعة ملاحق تم نشرها في عدد خاص من مجلة نجم المشرق عام 1998. 1. الإيمان ورسالة العلمانيين 2. الطقوس ورُتَب الأسرار 3. رسالة الكنيسة التعليمية 4. وسائل التواصل الإجتماعي في إعلان البُشرى 5. الخدمة الكهنوتية 6. الحياة المكرّسة 7. رسالة الكنيسة الراعوية 8. الحوار المسكوني 9. الأموال والمؤسسات الكنسية الملحقات: نظام عام المجلس الأبرشي، نظام عام المجالس الخورنية، اللجان المالية في الأبرشيات، الشماسيّة الانجيلية.
تمت مراجعة أعمال هذا المؤتمر العام في السينودس الذي عقد بين 1 و20 أيار 1997 في دير سيدة البير في لبنان، بمناسبة زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني. واقرّها الآباء وأحالوها الى لجنة صياغة خاصة لإعادة قراءتها قبل نشرها. تقييمي الشخصي ذكرتُ في البداية ان هذه الوثائق لم يتحقق منها شيء يذكر في عهد البطريركين بيداويد ودلي، بسبب نقص التوعية بأهميتها وبدور جميع أعضاء الكنيسة الكلدانية، كذلك مرتبط بمسألة الوقت، لكن هذه الوثائق مرجعية للسينودسات القادمة. في عهدي استلهمنا من وثائق المؤتمر العديدة أفكاراً في مجال التجديد الليتورجي والتثقيف المسيحي والعمل الرعوي لكي تتلاءم مع ثقافة العصر ومتطلباته. الكنيسة في قلب العالم، كنيسة التجسُّد والقيامة، لن تتمكن من تحقيق رسالتها الرسولية الروحية والإنسانية والاجتماعية بديناميكية اذا ظلت منطوية على ذاتها، واذا لم يتحمل المؤمنون (شعب الله) مع الاُسقف والكاهن مسؤولياتهم الكاملة في أجل الكنيسة. العلماني شريك في الكنيسة، ومسؤول (له كهنوت عام بحكم معموديته) في كيفية رسم مستقبلها وتجديدها وتنشيطها وتذليل العراقيل أمام ذلك، بدل التنفيذ الآلي أو النقد والإتهام والتهكّم. خبرة فريدة تندرج في المؤتمر الكلداني هي مشاركة عدد من العلمانيين من كلا الجنسين في سينودس عنكاوا (3-10 آب 2019). دعَونا أكثر من عشرين شخصاً، رجالاً ونساءً يمثلون كافة الأبرشيات في الداخل والخارج مع ممثلين من الكهنة والرهبان والراهبات الى المشاركة في سينودس أساقفتنا ليومين كاملين.
ترَكز النقاش على الوضع العام في الكنيسة الكلدانية: الإداريات والوقف (الأموال) والطقسيات والهوية الكلدانية والشأن العام. وصدَرَت توصيات تشجع العلمانيين على التفاعل مع الكنيسة والانخراط في أنشطتها. وتشكلت لجنة للمتابعة برئاسة المطران روبرت جرجيس الذي تابع الأمور بجدية. لم نستطع الإستمرار بسبب جائحة كورونا التي عمَّت العالم وشلّت الحركة وأرعبَت الناس، فضلاً عن التحولات السياسية المتسارعة في العراق والمنطقة. اليوم وبعد مرور ثلاثين عاماً على المؤتمر الكلداني، علينا أن نبحث معاً كيف تكون كنيستنا الكلدانية رسولية جامعة وملتزمة بالرسالة والخدمة، تعمل بجدّ على إنارة ضمائر الناس حول قضايا تهمهم، وتدافع عن حقوقهم وحريتهم وكرامتهم، تشهد لجمال إيمانها بالمسيح، وبهاء رسالتها، واصالة تقليدها، وحق البقاء بالرجاء. نسأل الله أن يمنحنا القوة لنبقى اُمناء تجاه دعوتنا المسيحية وتجاه بلدنا العراق والبلدان التي نعيش فيها.