
عشتار تيفي كوم - سيريك برس/
أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية السريانية تقريراً ميدانياً مفصلاً وثّق فيه ما وصفه بـ”نمط متصاعد من الانتهاكات” التي يتعرض لها المسيحيون في سوريا منذ سقوط النظام الدكتاتوري لبشار الأسد في كانون الأول 2024.
التقرير، الذي حمل عنوان “حماية الأقليات الدينية والإثنية في سوريا: الحاجة إلى تحرك عاجل”، صدر في نهاية تشرين الأول 2025، مسجلاً أكثر من اثني عشر حادثة من العنف والتدنيس والتمييز الممنهج في مختلف أنحاء البلاد.
وأوضح المركز أن الاضطرابات السياسية التي أعقبت انهيار النظام البائد أدت إلى وقوع البلاد تحت سيطرة فصائل مسلحة متنازعة، ما خلق فراغاً في السلطة شجّع الجماعات المتطرفة على التوسع، مما أجج العنف الطائفي. ووصف التقرير الوضع السائد بأنه “مناخ من الخوف والإفلات من العقاب”، حيث باتت الهجمات على الكنائس والمقابر والمنازل المسيحية أكثر شيوعاً، في حين بدأت المؤسسات التعليمية والأمنية بتبنّي سياسات تمييزية ممنهجة.
وأشار التقرير إلى الحوادث المتكررة ومن أبرزها تخريب الكنائس والمقابر، وتدمير الصلبان، وإحراق أشجار الميلاد في عدد من المدن. كما أشار إلى أن مسلحين هاجموا في كانون الأول 2024 أبرشية الروم الأرثوذكس في مدينة حمتو (حماة)، واعتدوا على مقبرة مجاورة وحطموا الأيقونات الدينية. وفي الوقت نفسه، اقتحمت مجموعات مسلحة أحياءً مسيحية في مدينة حولب (حلب)، وأجبرت السكان على الالتزام بلباس ديني محدد، كما فرضت الفصل بين الرجال والنساء في الأماكن العامة. وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع تُظهر متشددين مسلحين وهم يحرقون الصلبان ويوجهون خطابات تحريضية ضد المسيحيين.
كما وثّق التقرير الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في دارمسوق (دمشق) في 22 حزيران 2025، وأسفر عن استشهاد 29 مؤمنا وإصابة 60 آخرين. وقد نسبّت الحكومة الهجوم إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ووصفت الحادثة بأنها “ضربة مدمرة لإحدى المجتمعات المسيحية الفاعلة المتبقية في العاصمة”
وشملت الحوادث الأخرى عمليات اغتيال على طريق اللاذقية، وعمليات اختطاف في محافظة حموث (حمص)، وسلسلة هجمات حرق عمدت إلى إجبار العائلات على الفرار من أحياء مسيحية قائمة منذ زمن طويل.
رغم أن مرتكبي بعض هذه الأعمال غالباً ما يبقون مجهولين، يشير المركز إلى أن الأدلة تشير إلى مزيج من خلايا جهادية، وميليشيات انتهازية، وسلطات محلية. وأشارت تقارير إلى أن بعض الجماعات، مثل هيئة تحرير الشام، التي تعمل الآن كحكومة فعلية في سوريا، قد قدمت اعتذارات أو دفعت تعويضات بعد بعض الحوادث، إلا أن غياب التحقيقات الشفافة والمساءلة القضائية ترك الناجين بلا عدالة.
ويؤكد التقرير أن “الإفلات من العقاب أصبح القاعدة، لا الاستثناء”
وبعيداً عن العنف الجسدي، يسلّط التقرير الضوء على الضغوط الإدارية والثقافية التي تواجه المسيحيين في سوريا. ويشير إلى الإصلاحات التعليمية الشاملة التي أُدخلت في كانون الثاني 2025، والتي، بحسب قادة المجتمع المحلي، تُدرج لغة دينية في المناهج الدراسية العامة وتهمّش التاريخ والثقافة المسيحية. وأوضح رجال الدين المسيحيون الذين قابلهم مركز الدراسات الاستراتيجية السريانية أن الكتب المدرسية الجديدة “تشكل تهديداً يمكن أن يحول التمييز إلى ممارسة مؤسسية ويقوض الهوية التعددية لسوريا”
كما يبيّن التقرير أشكالاً أخرى من الاضطهاد، بما في ذلك مصادرة المنازل والمحلات التابعة للمسيحيين المهجّرين، وفرض “ضرائب” أو جزية من قبل فصائل مسلحة، بالإضافة إلى التهديدات التي أجبرت العائلات على التخلي عن ممتلكاتها. وتم العثور على منشورات تدعو إلى العنف ضد المسيحيين في عدة بلدات، وأفادت بعض المصادر بأن بعض الأجهزة الأمنية شاركت في اعتقالات تعسفية أو حملات ترهيب ضد السكان المسيحيين.
ويختتم التقرير بمجموعة من التوصيات العاجلة موجّهة إلى الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الدولية، والجهات الإقليمية. ويطالب بإجراء تحقيقات مستقلة في جميع الانتهاكات الموثّقة، وحماية الكنائس والمواقع الدينية، وتقديم مساعدات عاجلة للعائلات المهجّرة، وفرض عقوبات على الجماعات المشاركة في الهجمات الطائفية. كما يحث التقرير على إصلاح السياسات التعليمية التمييزية والحفاظ على الضمانات الدستورية المتعلقة بالحرية الدينية.
وتربط المنظمة تصاعد الحوادث الطائفية بالفراغ السياسي الذي خلفه انهيار النظام السابق في كانون الأول 2024، مشيرة إلى أن هذا الفراغ سمح للفصائل المسلحة المحلية بتعزيز سيطرتها وفرض أجندات أيديولوجية في مناطق كانت متنوعة سابقاً. ويحذر التقرير قائلاً: “بالنسبة للمجتمعات المسيحية التي انخفضت أعدادها بسبب سنوات الصراع، يشكل التصعيد الحالي تهديدًا وجوديًا لبقائها”
وقد دعت منظمات حقوق الإنسان مراراً إلى وضع آليات لرصد العنف ضد الأقليات الدينية في سوريا، إلا أن نتائج تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية السريانية تشير إلى تدهور حاد في الأوضاع خلال عام 2025. واختتم المركز التقرير بنداء عاجل جاء فيه: “من دون تدخل دولي عاجل ومنسّق، فإن سوريا مهددة بفقدان واحدة من أقدم وأكثر المكونات المتجذرة في تاريخها”