
عشتار تيفي كوم - سيريك برس/
العراق، بيث نهرين – حملت اللغة السريانية بين حروفها تراثاً حضارياً وروحياً عظيماً شكّل جزءاً أصيلاً من هوية ووجدان بيث نهرين وخصوصاً العراق، فبهذه اللغة، تناقل الأجداد العلم والفكر والدين في بيث نهرين، فقد تجلّت في نصوص الأدب، واللاهوت، والفلسفة، والترجمة، فبالرغم من تقلّبات العصور وتغيّر الأنظمة، ظلّت السريانية حيّة في قلوب أبنائها، تُنقل من جيلٍ إلى جيلٍ كأمانة مقدسة تحفظ الذاكرة وتربط الماضي بالحاضر.
فمشاهد المدراس العراقية تبعث الروح في قلب هذه اللغة، فإن أكثر من 15 ألف تلميذ وتلميذة ينقسمون إلى جزءين، بعضهم يدرس اللغة السريانية ضمن منهاج بلغة رسمية أخرى، وبعضهم يدرس المنهج الكامل باللغة السريانية، بدءاً من الصف الأول الابتدائي إلى السادس الإعدادي، وبينهم نحو 3500 في إقليم كردستان العراق، والبقية في نينوى أولاً (11 ألفاً) وبغداد (1109) وكرخسلوخ (كركوك) (448)، والبصرة التي تعتمدها في 36 مدرسة من مجموع 2041 مدرسة في عموم البلاد.
يبلغ عدد المدارس السريانية في العراق 30 مدرسة تتوزع بين الابتدائية والإعدادية والثانوية وتدرس موادها من أدب وقواعد وقراءة باللغة السريانية، إضافة إلى تلك المواد، يتم تدريس 3 لغات وهي اللغة الكردية، واللغة العربية، والإنكليزية، ويشرف على هذه المدارس المديرية العامة للتعليم السرياني في إقليم كردستان، والتي تتضمن واجباتها تأسيس المدارس وتهيئة المناهج والكوادر التعليمية، وإقامة دورات تأهيلية للكوادر التعليمية والتدريسية سنوياً كعملية تأهيل وتتخصص الدورات التي تقيمها في تعليم اللغة، القواعد، وطرق التدريس.
وهناك أيضاً مديرية عامة للثقافة السريانية واجباتها إقامة مهرجانات و امسيات شعرية ودبية وثقافية، إضافة لطبع الكتب الثقافية وتوزيعها.
إضافة للمديرية العامة للعراق، وتتوزع فروعها حمدانية: بغديدا برطلة كرملس تلكيف بعشيقة
تلكيف: تلكيف باطنايا تللسقف القوش.
بعشيقة: يعشيقة بحزاني ميركي الفاف البركة المغارة.
أما عن المنهاج المعطى في هذه المدارس، فيوجد منهج تجريبي دراسي للمراحل الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة، وتطبع هذه المناهج على نفقة الكنائس، حيث تتبنى في كل عام كنيسة معينة طبع هذه المنهاج، كما يوجد منظمات تطبع المناهج السريانية على نفقتها الخاصة فيما يوضع اسم الكنيسة على المنهاج الذي طبعته، يتم تخصيص محاضرتين في الأسبوع للتربية الدينية المسيحية لكن يؤخذ على هذه المحاضرات أنها لا تعطى أهمية كافية كباقي المواد الدراسية .
تواجه المدارس السريانية عدداً من التحديات التي تعيق عملها، ومن هذه التحديات: بعض المعلمين غير مؤهلين. أهالي التلاميذ لا يجيدون السريانية مطلقاً، وهذا ما يسبب مشاكل لدى التلميذ لعدم فهمه الدرس. عدم الاكتراث والمتابعة الجدية لدرس اللغة السريانية من قبل المشرفين والمسؤولين، كما أن تعليم المنهج السرياني يتضمن الحرفين الشرقي والغربي، وهذا ما يضع عوائق أمام التلاميذ، خصوصاً عند دراستهم المنهج الشرقي، وانتقالهم في الصفوف المتقدمة للمنهج الغربي، كما أن عدد الحصص السريانية غير كافٍ لتعليم اللغة بأكملها، ووجود بعض الأخطاء اللغوية في المنهجين الشرقي والغربي.
وقد وضعت اللجان المختصة عدداً من الأعمال التي تخفف من التحديات التي تواجه التعليم باللغة السريانية، ومن هذه الحلول: عقد ندوات ولقاءات مع المعلمين للاستماع للمعوقات والسلبيات والمشاكل التي تواجههم، حث الأهالي لدخول دورات محو الأمية التي يقيمها مركز محو الأمية لمعاونة أبنائهم على دراسة اللغة السريانية. التركيز على تعليم اللغة عبر الفضائيات الخاصة بالشعب الكلداني السرياني الآشوري، وذلك عن طريق تقديم دروس خلال الأسبوع بالإضافة للحوافز التي تشجع المشاركين. تعيين رجال الدين من الرهبان والقساوسة في مجال تعليم اللغة السريانية، وفتح قسم اللغة السريانية في كلية الآداب بجامعات الموصل وكرخسلوخ (كركوك) والبصرة.
إضافة لتعليم اللغات العبرية القديمة وهي الآرامية القديمة، الأكادية، المندائية، والعربية في المرحلة الثالثة والرابعة.
وفي إقليم كردستان العراق افتتح قسم لتعليم اللغة السريانية في كلية الآداب في عام 2017، وهي تدرس قواعد اللغة السريانية، الأدب السرياني، الصوت، ودروس ثانوية أخرى تتضمن الكردية، والآرامية القديمة، والإنكليزية، والمندائية.
كما تأسس في أربائيلو (أربيل) قسم جديد لدراسة اللغة السريانية، وذلك في عام 2016 وهو ضمن أقسام كلية التربية، جامعة صلاح الدين، أيضاً تدرس اللغة السريانية في كلية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت التي تأسست عام 1991 من قبل الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في منطقة عنكاوا في أربائيلو (أربيل).
فوائد تشكيل مدارس متخصصة بتعليم اللغة السريانية.
تسهم هذه المدارس في توحيد وتقارب الثقافة بين الشعب الواحد، إضافة لتوحيد اللغة، إذ تبقى لغة مشتركة واحدة بدل اللهجات، تغذي تلك المدارس أواصر التقارب بين شعوب المناطق والتعارف
ما فائدة تعلم اللغة السريانية لدى أبناء شعبنا؟
إضافة لأهمية هذه اللغة باعتبارها لغة عريقة وإحدى اللغات القديمة بالتاريخ والأقرب للغة الرب يسوع المسيح له كل المجد، يتيح تعلم لغة الأجداد إكساب الأطفال معرفة بتاريخهم وحضارتهم المدونة بهذه اللغة، نشر الثقافة السريانية والأدب السرياني في بقاع الأرض، إضافة للتواصل مع بعضهم أينما كانوا في العالم.
كيف حافظ ابناء شعبنا على لغتهم في العراق؟
اعتنى ابناء شعبنا بلغتهم الأم وقد تداولوا الآداب السريانية، مخلفين آلاف المخطوطات التي تعبر عن حضارتهم، فيما كانت الأديرة مثل “دير هرمزد” في القوش و”دير متي” في الموصل وأخرى في بغداد ونوهدرا (دهوك) وأربائيلو (أربيل)، بمثابة مراكز علمية وثقافية للتأليف في مختلف مجالات المعرفة التي كانت سائدة منذ القرن الـ 13.
حتى بعد استقلال العراق عام 1932 سُمح بتدريس اللغة السريانية في المدارس الأهلية التي تديرها الكنائس، واستمر الأمر حتى 1968، وفي عام 1970 وافقت الحكومة العراقية على إقامة مجمع علمي للغة السريانية، واستمر ما يقرب من 10 أعوام، ثم أدمج مع المجمع العلمي العراقي وأصبح قسماً من أقسامه باسم دائرة اللغة السريانية، ومنذ عام 1991 دُرست اللغة السريانية في إقليم كردستان العراق في المراحل الثلاثة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية.
وقد نص الدستور العراقي عام 2012 على تعليم اللغات الأم (اللغة السريانية) في المدارس العراقية الحكومية، فضلاً عن قانون اللغات رقم (7) لعام 2014 وكذلك قانون وزارة التربية العراقية الاتحادية (22) لعام 2011 في المادة (16) ثالثاً، (ضمان حق العراقيين من السريان بتعليم أبنائهم في المؤسسات التعليمية الرسمية).
فرغم ما مرّت به السريانية وشعبها على مر العصورٍ من تقلبات، إلا أن اللغة السريانية بقيت منارةً للعلم والمعرفة في أرض العراق، تشهد على تاريخٍ طويل من الإبداع والفكر، فقد استطاعت أن تحافظ على مكانتها بفضل تمسك أبنائها بها جيلاً بعد جيل، وإيمانهم بأنها ليست مجرد لغة، بل هوية وذاكرة حية تختزن حضارة الرافدين وروحها الإنسانية. ومع استمرار الجهود التعليمية والثقافية لإحيائها، تظل السريانية شاهدةً على أن إرث العلم لا يزول ما دام في القلوب من يحميه، وفي العقول من يؤمن بقيمته.
*المعلومات الواردة في التقرير مستقاة من تقرير منشور للشماس أبلحد حنا ساكا البرطلي