عشتار تيفي كوم - ابونا/
ألقى المطران بول ريتشارد غالاغر، أمين سر حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول والمنظمات الدولية، في 29 أيلول 2025، كلمة في افتتاح الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وباسم البابا لاون الرابع عشر، وضع الإطار العام لهذه اللحظة بهدف بسيط: جعل السلام ممكنًا من خلال العدالة والحقيقة.
نستعرض هنا خمس ركائز أساسية لخطاب الفاتيكان:
السلام ليس مجرد غياب الحرب؛ بل يُبنى "في القلب"، ثم في العائلات والأمم. وقد حثّ الكرسي الرسولي الدول على إعادة توجيه جزء من الإنفاق العسكري نحو صندوق عالمي لمكافحة الجوع والفقر وأضرار المناخ، وضغط من أجل تحقيق تقدم حقيقي في مجال نزع السلاح – ولاسيما النووي.
بعد ثمانين عامًا من هيروشيما وأول تجربة نووية، وصف الاحتفاظ بمثل هذه الأسلحة أو تحديثها بأنه أمرٌ لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيًا. وامتدّ النداء ليشمل احترام القانون الإنساني الدولي: فالمدنيون والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ليست أهدافًا مشروعة على الإطلاق.
وكما يورد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، "إن احترام الحياة البشرية وتطورها يتطلبان السلام" (2304).
قُدّمت الحرية الدينية باعتبارها حجر أساس لمجتمع يسوده السلام: ليست مجرد حرية من الاضطهاد، بل حرية الاعتقاد والعبادة والتعليم والخدمة. وأعرب البيان عن الأسف لتصاعد الهجمات على المسيحيين، مؤكّدًا أن هذه الحقوق تعود للجميع دون استثناء.
ويتعرّض المسيحيون حول العالم لاضطهاد شديد يشمل العنف الجسدي والسجن والتهجير القسري والاستشهاد. ويعيش أكثر من 360 مليون مسيحي في مناطق يواجهون فيها مستويات عالية من الاضطهاد أو التمييز، مع تزايد الهجمات على الكنائس والمنازل والجماعات في السنوات الأخيرة. وتُظهر البيانات أن المسيحيين هم الجماعة الأكثر اضطهادًا عالميًا، فيما يبدو أن المجتمع الدولي يغضّ الطرف عن معاناتهم.
وبمناسبة مرور ستين عامًا على صدور إعلان Nostra Aetate (حول علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية)، دعا الكرسي الرسولي الأديان إلى تعميق الحوار الصادق - أي الإصغاء بتواضع الذي يرفض الاستغلال السياسي ويحوّل الاختلافات إلى بحث مشترك عن الخير.
يجب أن تكون الكرامة الإنسانية، المتأصّلة وغير القابلة للتفاوض، هي الموجِّه للسياسات. وقد جدّد الكرسي الرسولي التأكيد على حق الحياة "من لحظة الحبل وحتى الموت الطبيعي"، معارضًا الإجهاض والقتل الرحيم، ومنتقدًا اللجوء إلى الأمومة البديلة التجارية باعتبارها مضرّة بالنساء والأطفال.
وأوضح أن هناك حقًا واحدًا هو الحق في الحياة، وأنه لا يمكن أن يوجد أي نقيض له، حتى لو جرى الترويج له زورًا باسم الحرية.
ووصف العمل بأنه دعوة تُرسّخ الكرامة؛ فالأجور العادلة، والظروف الآمنة، ودعم العاطلين عن العمل تشكّل التزامات أخلاقية. كما طُرح تعزيز الحياة الأسرية -ولا سيما مساعدة الشباب على تكوين عائلات- باعتباره بنية تحتية اجتماعية، لا ترفًا شخصيًا.
إن إنهاء الجوع والفقر المدقع واجب أخلاقي. وقد حثّ الخطاب على إلغاء ديون الدول غير القادرة على السداد، باعتباره مسألة عدالة، خاصة في ظل "الدين البيئي" الذي يتحمّله الجنوب العالمي.
ويجب أن تكون أنظمة الغذاء مستدامة ومتاحة للجميع؛ وأن تترافق روح التضامن مع مبدأ التكافل، بحيث يُفسَح المجال للمبادرات المحلية كي تزدهر. كما جرى التأكيد على أن العمل المناخي، وتبادل التكنولوجيا، والتربية على "ثقافة العناية" أمور ملحّة، لأن الأضرار البيئية تضرب الفقراء بالدرجة الأولى.
إن الدورة الثمانين للأمم المتحدة هي مناسبة للشكر والإصلاح معًا. وقد دعا الكرسي الرسولي الدول إلى تجديد المبادئ الأولى للميثاق -حقوق الإنسان، السلام والأمن، التنمية، وسيادة القانون- مع استخدام لغة واضحة وغير انقسامية لا تحرّف الحقوق الأساسية.
وتبع ذلك دعوات ملموسة: وقف فوري لإطلاق النار في أوكرانيا؛ وحلّ عادل يقوم على دولتين لإسرائيل وفلسطين مع الاحترام الكامل للقانون الإنساني؛ والمشاركة المستمرة في إفريقيا وجنوب شرق آسيا والكاريبي وهايتي. وأمّا في ما يخص الذكاء الاصطناعي، فكان النداء لوضع قواعد تُبقي التكنولوجيا في خدمة الإنسان.
وفي عالم منقسم، تعد هذه الأجندة متطلبة وعمليّة في آن واحد: نزع السلاح، حماية الضمير، احترام كل حياة، تحرير الفقراء لينهضوا، وجعل تعدديّة الأطراف أكثر صدقًا من جديد. أو، بجملة واحدة: السلام عبر الحقيقة والعدالة - بدءًا من أنفسنا.