لا يملك الحزب الديمقراطي متسعًا من الوقت؛ وعليه استخدام كل أداة مشروعة لإيقاف ترامب. ستُظهر نتائج انتخابات منتصف المدة العام المقبل ما إذا كان الحزب الديمقراطي يمتلك المؤهلات اللازمة لإنقاذ الأمة من انزلاق ترامب نحو الهاوية أم لا.
يواجه الحزب الديمقراطي الآن اختبارًا حقيقيًا لأهمية دوره مدى الحياة. عليه الآن أن يُقدم أجندة اجتماعية واقتصادية وسياسية مُقنعة تعكس احتياجات وتطلعات من تخلوا عن الحزب. انتخابات منتصف المدة هي مصير الديمقراطيين، فإما أن يكونوا أو لا يكونوا. فإذا فشلوا في تحقيق الأغلبية في الكونغرس، فإن الكارثة التي تسبب بها ترامب خلال الأشهر الثمانية الأولى من ولايته ستتضاءل مقارنةً بالضرر الذي سيُلحقه خلال الأشهر الأربعين التالية من رئاسته.
فاز ترامب بالتصويت الشعبي تحديدًا لأن الناخبين السود واللاتينيين وأبناء الطبقة المتوسطة صوتوا له بأعداد أكبر من عام 2020، أو قرروا البقاء في منازلهم تمامًا. شعروا بالتهميش والحاجة إلى النضال مع احتمال ضئيل أو معدوم لانتشال أنفسهم من كسادهم. قدّم ترامب رواية مقنعة بوعود لم يكن ينوي الوفاء بها قط، موسيقى تُطرب آذان الأمريكيين المحبطين الذين أرادوا أن يعرفوا أن هناك من يستمع إلى نضالاتهم.
ثلاثة أمراض رئيسية ابتلي بها الحزب: غياب القادة الشباب ذوي الرؤية والفصاحة، وغياب أجندة اجتماعية واقتصادية مقنعة تستجيب لاحتياجات الجمهور وتطلعاته، وأخيرًا، عدم القدرة على الالتفاف حول أجندة موحدة قائمة على القضايا.
الحاجة إلى قادة جدد
يمر الحزب الديمقراطي بمرحلة حرجة لا يمكن أن تكون فيها المخاطر أكبر. هناك حاجة ماسة إلى قادة جدد متحمسين لمواجهة ترامب في أعقاب هجومه الشرس على الديمقراطية، والفساد، وسياساته التضخمية، وإهماله للطبقتين المتوسطة والفقيرة.
وعلى الصعيد الوطني، يُقدّم حاكم كاليفورنيا، جافين نيوسوم، مثالاً على نوع القائد الوطني الذي يحتاجه الديمقراطيون بشدة. إنه حاسم، فصيح، وصاحب رؤية، ويمتلك الشجاعة لمواجهة ترامب في كل منعطف. لم يكتفِ نيوسوم بالحديث عن انتهاك ترامب للدستور، وتجاوزاته، وسوء تصرفاته، بل قدّم أيضًا بدائل لسياساته الداخلية والخارجية الصارخة. وهو يدعو كل ديمقراطي إلى مواجهة النار بالنار، وتحدي كل أمر من أوامر ترامب التي تؤثر سلبًا على الشعب الأمريكي.
ومن بين القادة الديمقراطيين الشباب نسبيًا الذين برزوا على المستوى الوطني حاكم ولاية إلينوي، جيه. بي بريتزكر الذي يُعدّ من أشد منتقدي ترامب. وعلى عكس ترامب، يُركز بريتزكر على النمو الإقتصادي للطبقتين المتوسطة والدنيا، ومعالجة تغيّر المناخ، وتوسيع نطاق الحصول على الرعاية الصحية. أما السيناتور كريس مورفي من ولاية كونيتيكت فقد كان صريحًا في معارضته لترامب، مشيرًا إلى الأهمية الحاسمة لتدابير الأمن المالي وتحسين خدمات الصحة النفسية ومعالجة مخاوف تغيّر المناخ. أما السيناتور كوري بوكر من ولاية نيوجيرسي فهو قائد صريح آخر وأحد أشد منتقدي ترامب ويُركز على إصلاحات العدالة الجنائية ومبادرات الفرص الإقتصادية.
وعلى المستوى المحلي، يُعدّ زهران ممداني الذي فاز بترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك من الجيل الجديد من القادة الذين يجب على الديمقراطيين الترحيب بهم. إنه يمثل جيلاً جديداً من الديمقراطيين، وهو ما تحتاجه مدنٌ كثيرة في جميع أنحاء البلاد. صحيحٌ أنه شابٌّ وغير مُجرّب، لكنني أُفضّل شخصاً ذا خبرة محدودة لمواجهة المؤسسة القديمة على ديمقراطيين من الحرس القديم متمسكين بسياساتٍ منتهية الصلاحية.
وصل ممداني إلى القمة بقضاء أشهرٍ في لقاءاتٍ فردية مع أولئك الذين يشعرون بالإشمئزاز من المؤسسة القديمة، مُنصتاً إلى احتياجاتهم وتطلعاتهم إلى تغييرٍ بنّاءٍ لتحسين حياتهم، وهو ما أهمله الحزب الديمقراطي.
أجندة ديمقراطية متجاوبة
يتعين على الديمقراطيين حشد المجتمع المدني والجماعات الدينية والنقابات ليس فقط لانتقاد سياسات ترامب الخارجية والداخلية البائدة، بل لتقديم بدائل عملية تعود بالنفع الكبير على عامة الناس.
الرسوم الجمركية
لقد أثبتت رسوم ترامب الجمركية التعسفية فعاليتها العكسية. فمن بين عواقبها السلبية الأخرى، رفعت تكاليف السلع المستوردة على المستهلكين الأمريكيين، وأدت إلى فرض رسوم جمركية انتقامية من دول مختلفة، وأضرت بالصادرات الأمريكية، وعطلت سلاسل التوريد العالمية وتخطيط الأعمال، ووتّرت العلاقات الدبلوماسية مع حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين وشركائها التجاريين.
ينبغي على الديمقراطيين أن يوضحوا علنًا وبشكل متكرر أنهم سيتراجعون عن الرسوم الجمركية أو يخفضونها لخفض التكاليف على المستهلكين وتخفيف الضغط على المستوردين. وعليهم أن يتعهدوا بتعزيز العلاقات التجارية والتفاوض على اتفاقيات تجارة عادلة جديدة لتسهيل العلاقات الدولية ومساعدة المصدرين، وتقديم إغاثة محددة أو دعم مؤقت للصناعات المتضررة بشدة من الرسوم الجمركية لمساعدتها على التعافي، وتعزيز السياسات التي تشجع الإنتاج والإبتكار المحلي، وتقليل الإعتماد على الواردات.
الهجرة
يصعب تفسير الآثار الوخيمة لسياسة ترامب في الهجرة على الشركات الأمريكية، ناهيك عن عواقبها الإنسانية المروعة. فقد أدت إلى نقص في العمالة في القطاعات التي تعتمد على العمال المهاجرين، مثل الزراعة، وأساءت إلى سمعة الولايات المتحدة العالمية بسبب مزاعم المعاملة اللاإنسانية. أصبحت إجراءات الهجرة القانونية أكثر تراكمًا وتعقيدًا، مما أثر سلبًا على مجتمعات المهاجرين. أُلقي القبض على مهاجرين بعد حضورهم جلسات محاكم الهجرة المقررة، مما يثبط عزيمتهم على التفاعل مع الخدمات العامة خوفًا من الترحيل.
يتعين على الديمقراطيين إشراك الجمهور في مناقشة ما سيفعلونه بشأن الهجرة بمجرد عودتهم إلى السلطة من خلال اتخاذ عدة تدابير، بما في ذلك: لم شمل الأسر المشتتة وتقديم الدعم والخدمات لمعالجة الصدمات النفسية وتبسيط وتحديث إجراءات الهجرة القانونية لتقليل التراكمات واستعادة الحماية للمستفيدين من برنامج ” تأجيل الإجراءات للقادمين في مرحلة الطفولة” DACA) ) وإيجاد مسار للحصول على الجنسية والتعاون مع الشركاء الدوليين لإعادة بناء سمعة الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان وتوفير مسار قانوني وتأشيرات عمل لتلبية احتياجات سوق العمل والحد من النقص. لقد تم بناء هذا البلد على المساهمات المتعددة الجوانب للمهاجرين من جميع أنحاء العالم، والتي جعلت أمريكا عظيمة وفريدة من نوعها، وينبغي لها أن تستمر في احترام هذا التراث.
العمل وفق أجندة قائمة على القضايا
ستكون معركة استعادة الديمقراطيين للسلطة شاقة، إذ تَكدّست فرص الحزب الضائعة لسنوات عديدة. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، “يُعاني الحزب الديمقراطي من فقدانٍ حادٍّ للناخبين حتى قبل ذهابهم إلى صناديق الإقتراع. ومن بين الولايات الثلاثين التي تُتابع تسجيل الناخبين حسب الحزب السياسي، خسر الديمقراطيون أرضًا أمام الجمهوريين في كل ولاية بين انتخابات 2020 و2024 – وغالبًا بفارق كبير. يُضيف هذا التحول نحو الجمهوريين على مدى أربع سنوات ما يصل إلى 4.5 مليون ناخب، وهو ثغرة سياسية عميقة قد يستغرق الديمقراطيون سنواتٍ للخروج منها”.
لهذا السبب، لا يملك الديمقراطيون وقتًا كافيًا لإضاعته؛ عليهم إعادة تنظيم صفوفهم والتحرك بشأن قضايا ليست بالضرورة يسارية، بل شعبية، ويحتاجها الجمهور، حتى لو كانت تقع خارج سياسات الحزب الديمقراطي التقليدية. وفي المقابل، يجب على الديمقراطيين الإلتزام ببرامج عامة مُحددة تُعتبر “يسارية”. سيشمل ذلك برنامجًا للرعاية الصحية الشاملة، والإستثمار في مشاريع البنية التحتية التي تجذب شريحة واسعة من الناخبين وخلق فرص عمل مع معالجة تغيّر المناخ.
ينبغي على الديمقراطيين أيضًا تبني برامج وسطية، بما في ذلك توسيع مبادرات الإسكان الميسور، وشراكة خاصة لبناء المزيد من مساكن لذوي الدخل المتوسط، وتخفيف أزمة القدرة على تحمل التكاليف في المدن والضواحي. ولتعزيز جاذبية الديمقراطيين لدى الجمهور، ينبغي عليهم أيضًا تبني التدريب المهني وبرامج التلمذة الصناعية لتعزيز فرص العمل دون توسيع البرامج الحكومية، وتعزيز أمن الحدود بالتزامن مع تبسيط إصلاحات الهجرة القانونية.
بحلول عام 2026، سيشكل جيلا Z وجيل الألفية ما يقرب من نصف الناخبين المؤهلين. وهما الجيلان الأكثر تنوعًا، ويميلان إلى التوجه التقدمي في القضايا الرئيسية. ويستهلكان معظم أخبارهما عبر الإنترنت، وهما أكثر عرضة للتضليل الإعلامي الناتج عن الذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الإجتماعي. يجب على الديمقراطيين تشكيل فرق استجابة سريعة وتتبع الدعاية وتثقيف الناخبين للتعرف على المحتوى المُضلّل ومقاومته.
وأخيرًا، طلب ترامب الذي يخشى من خسارة الجمهوريين لمجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، من حاكم ولاية تكساس، جريج أبوت، إعادة رسم الخريطة الإنتخابية للولاية لكسب 4-5 مقاعد إضافية للحزب الجمهوري. ينبغي على الولايات الديمقراطية مثل إلينوي ونيويورك أن تحذو حذو نيوسوم في إعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية ردًا على ذلك. وقد أرسل المجلس التشريعي لولاية كاليفورنيا بالفعل مشروعي قانون لإعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية إلى نيوسوم، ووقّع عليهما يوم الخميس. وسيُعوّض هذان القانونان معًا أي مكاسب قد تجنيها تكساس من إعادة تقسيم الدوائر الإنتخابية، هذا إن لم يتجاوزاها،. علاوة على ذلك، سيتعيّن على الديمقراطيين الإستعداد لتحدي الأمر التنفيذي المُعلّق لترامب بحظر التصويت عبر البريد الذي يُصبّ في مصلحة الديمقراطيين، ولكن بشكل رئيسي لأن التصويت عبر البريد يقع ضمن اختصاص الولايات.
لا شك أن على الديمقراطيين الإستفادة من تنامي السخط العام على سياسات ترامب التي تُمزّق هذا البلد. وتُتيح انتخابات التجديد النصفي فرصة ذهبية لقلب أحد مجلسي الكونغرس على الأقل لإيقاف ترامب عن مساره. وإذا فشل الديمقراطيون في القيام بذلك، فسوف يتحملون العواقب الوخيمة الناتجة عن ذلك.