يعد تطوير الفيروسات الاصطناعية اليوم أحد أكثر الاحتمالات إثارة للقلق في مجال الحرب البيولوجية (pixabay)
عشتارتيفي كوم- اندبندنت/
تعتبر الأسلحة البيولوجية شديدة العدوى بطبيعتها، وهي مصممة لسيناريوهات الحرب، وتسبب دماراً شاملاً من خلال التأثير سلباً على الخصائص الاقتصادية والبيئية والمجتمعية لأي بلد. وقد أحدثت التطورات السريعة في الهندسة الوراثية والبيولوجيا التركيبية ثورة في تطوير عوامل بيولوجية شديدة الفتك وموثوقة ذات ضراوة محسنة وقابلية للبقاء. وبذلك لم يعد بناء وإساءة استخدام الجيل التالي من الأسلحة البيولوجية مجرد خيال علمي، بل أصبح حقيقة قاسية.
لطالما شكلت الحرب البيولوجية، التي تتضمن الاستخدام المتعمد للسموم أو العوامل المعدية لقتل أو شل قدرة البشر أو الحيوانات أو النباتات، تهديداً منذ العصور القديمة. تاريخياً، شملت الأسلحة البيولوجية عوامل مثل الجمرة الخبيثة والجدري وسم البوتولينوم، وجميعها قادرة على إلحاق خسائر بشرية جسيمة. ومع ذلك، بفضل التطورات الحديثة في التكنولوجيا الحيوية والبيولوجيا التركيبية والهندسة الوراثية، توشك الحرب البيولوجية على دخول حقبة جديدة ومرعبة.
وهكذا فإن القدرة على تصميم مسببات الأمراض من الصفر والتلاعب بالشفرة الوراثية للكائنات الحية الموجودة، تزيد من إمكانية صنع أسلحة أكثر فتكاً ودقة من أي عوامل بيولوجية استُخدمت سابقاً.
الأسلحة البيولوجية وعوامل الحرب
الأسلحة البيولوجية هي تلك التي تحوي على أشكال متكاثرة من الكائنات الحية المعدية والقاتلة، بما في ذلك البكتيريا والفيروسات والفطريات والأوليات والبريونات، أو السموم الكيماوية السامة التي تنتجها الكائنات الحية. وقد استُخدمت عوامل الحرب البيولوجية على نطاق واسع في الحروب لسهولة توافرها وانخفاض كلف إنتاجها وسهولة نقلها وانتشارها وعدم اكتشافها من قبل أنظمة الأمن الأساسية.
إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه العوامل أن تتكاثر في الكائن الحي المضيف وتنتقل إلى أفراد آخرين، مما يسبب عواقب وخيمة، ويؤدي إلى انتشار جغرافي واسع النطاق. وبفضل انخفاض كلف إنتاجها، يمكن لأي دولة متقدمة أو نامية تحمل كلف تصنيعها وصيانتها. وتتوافر هذه العوامل في أشكال سائلة وجافة مع مدة تخزين طويلة. وعادةً ما يفتقر الأشخاص الذين لم يتعرضوا سابقاً لهذه العوامل البيولوجية إلى مناعة طبيعية ضدها، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى.
ومع التقدم في تقنيات الهندسة الوراثية والبيولوجيا التركيبية، أصبح من الممكن إجراء عمليات تلاعب وراثية معقدة لإنتاج كائنات دقيقة مصممة خصيصاً. ويمكن تحويل البكتيريا أو الفيروسات غير الضارة إلى مسببات للأمراض من خلال التلاعب الجيني عبر عمليات نقل جينية متعددة، ومن خلال بناء كائنات دقيقة تركيبية أو هجينة.
الفيروسات الاصطناعية والأوبئة المهندسة وراثياً
يعد تطوير الفيروسات الاصطناعية اليوم أحد أكثر الاحتمالات إثارة للقلق في مجال الحرب البيولوجية. وتتيح التطورات في علم الأحياء الاصطناعية للعلماء راهناً، إنتاج فيروسات في المختبر عن طريق تجميع المادة الوراثية من الصفر. نظرياً، يمكن لأي جهة حكومية أو غير حكومية تمتلك معدات بيوتكنولوجية متقدمة تصميم فيروس يلبي معايير محددة، مثل قابلية انتقال عالية وفترات حضانة طويلة وقوة فتك عالية. ويمكن هندسة هذا الفيروس للانتشار بسرعة بين السكان وإصابة الأفراد قبل ظهور الأعراض عليهم والقتل بكفاءة غير مسبوقة.
ومن السبل المحتملة الأخرى للحرب البيولوجية إنتاج أوبئة مهندسة وراثياً، وهي أمراض محسّنة اصطناعياً لتكون أكثر عدوى أو فتكاً أو أكثر مقاومة للعلاج الطبي. وعلى سبيل المثال، يمكن هندسة نسخة معدلة وراثياً من فيروس "إيبولا" لتنتشر عبر الهواء، بدلاً من الاتصال المباشر بسوائل الجسم، مما يجعلها أكثر قابلية للانتقال. وبالمثل، قد تُهندس نسخة من فيروس "الإنفلونزا" لتكون مقاومة للأدوية المضادة للفيروسات المتوافرة، فيصبح بذلك علاجها شبه مستحيل.
قد تكون لاستخدام مسببات الأمراض المهندسة في الحروب عواقب وخيمة، ليس على السكان المستهدفين فحسب، بل على العالم أجمع. فبمجرد إطلاق مسبب الأمراض في البيئة، قد يصعب للغاية السيطرة على انتشاره. وفي أسوأ السيناريوهات، قد يخرج وباء مهندَس عن السيطرة، ويؤدي إلى جائحة عالمية تدمر دولاً ونظماً بيئية بأكملها.
تقنية "كريسبر" ومحركات الجينات
سهلت التطورات الحديثة في تقنيات تحرير الجينات، مثل "كريسبر"، التلاعب بالشيفرة الوراثية للكائنات الحية أكثر من أي وقت مضى. وتتيح تقنية "كريسبر" للعلماء تحرير الجينات بدقة غير مسبوقة، مما قد يؤدي إلى إنتاج كائنات مقاومة للأمراض أو ذات قدرات محسّنة أو أكثر فتكاً. في سياق الحرب البيولوجية، يمكن استخدام هذه التقنية لإنتاج مسببات أمراض تستهدف تحديداً العلامات الجينية لمجموعات سكانية أو عرقية معينة، مع تجنيب مجموعات أخرى. وهذا يثير شبح "الحرب الجينية"، حيث يمكن القضاء على مجموعات سكانية بأكملها بواسطة فيروس أو بكتيريا تؤثر في أولئك الذين يحملون سمات وراثية معينة فحسب.
أما محركات الجينات فهي عناصر وراثية تنتشر بين السكان من طريق تجاوز قوانين الوراثة الطبيعية، وهذا ما يضمن انتقال سمة معينة إلى غالبية النسل. وقد طُرحت هذه التقنية كوسيلة للسيطرة على أعداد الحشرات الحاملة للأمراض، مثل البعوض الذي ينشر الملاريا، من خلال ضمان انتقال جينات العقم أو مقاومة الأمراض إلى الأجيال القادمة. ومع ذلك، يمكن تسليح هذه التقنية نفسها لاستهداف التجمعات البشرية. ونظرياً، يمكن هندسة محرك الجينات لنشر طفرة جينية قاتلة بين السكان مما يسبب وفيات واسعة النطاق.
وبذلك يمثل استخدام تقنية "كريسبر" وتقنيات محركات الجينات في الحرب البيولوجية آفاقاً جديدة في التلاعب بالحياة نفسها. ولا تزال الآثار الأخلاقية والعملية لهذه التقنيات قيد الدراسة، لكنها تثير مخاوف كبيرة بشأن احتمالية العواقب غير المقصودة وصعوبة السيطرة على انتشار الكائنات المهندسة وراثياً بمجرد إطلاقها في البيئة.
الفيروسات الخفية
تتكون هذه الفيروسات من عوامل فيروسية خفية تحمل جينات سرطانية بشرية محتملة، يمكن نقلها بصورة غير قانونية أو سرية إلى الجينومات البشرية. وعادةً ما تبقى هذه الفيروسات كامنة لأعوام عدة، ولكن التعرض لمحفز طبيعي واحد يمكن أن ينشط العوامل المسببة للسرطان الموجودة في الفيروسات الخفية، وقد يسبب دماراً هائلاً في البشر.
على سبيل المثال، يمكن أن يسبب فيروس "الهربس" البشري آفات فموية وتناسلية بعد التحريض. وبالمثل، يمثل الأشخاص الذين أصيبوا سابقاً بجدري الماء مستودعاً طبيعياً لفيروس "الحماق"، والذي يتجدد أحياناً على شكل فيروس "الهربس النطاقي"، مما يسبب مرض "القوباء المنطقية" لدى بعض الأشخاص.
البيولوجيا التركيبية
يجمع علم الأحياء التركيبية بين مناهج العلوم والهندسة لتصميم وبناء مسارات وأجهزة وأنظمة حية جديدة، إضافة إلى إعادة تصميم العمليات البيولوجية الطبيعية. ولقد أتاحت الزيادة الهائلة في بيانات تسلسل الجينوم الكامل خلال العقود الثلاثة الماضية لعلماء الأحياء التركيبية، منصة افتراضية لتصميم وإعادة بناء عناصر مؤثرة ضارة لإدخال التغييرات اللازمة في مجموعة مسببات الأمراض الحالية، وذلك من خلال التلاعب الجيني أو التجميع بمساعدة قالب مرجعي لتسلسل الجينوم الكامل الاصطناعي.
ومع التطورات الحديثة في هذا المجال، أصبح من الممكن اليوم خلق تركيبات جينية اصطناعية بكميات مطلوبة من المواضع الجينية المسببة للأمراض، والتي يمكن دمجها معاً لإنشاء جينومات قزمة معدية، أو حتى جينومات كاملة تشبه مسببات الأمراض البشرية الطبيعية. ومن المثير للدهشة أنه يمكن بناء البكتيريا والفيروسات الاصطناعية باستخدام شرائح جينية طبيعية معزولة من بيئات قاسية، مثل الحيوانات النافقة أو عينات البراز أو الأنسجة المحفوظة لضحايا فيروسات مدفونة في التربة الصقيعية.