عشتار تيفي كوم - آسي مينا/
رافينا، المدينة الإيطاليّة الشماليّة التي كانت يومًا عاصمة الإمبراطوريّة الرومانيّة الغربيّة، تُعدّ اليوم كنزًا لعشّاق الفسيفساء، بما تحتضنه من أعمال فنّية مذهلة تروي تاريخ المسيحيّة وتكشف ملامح العقيدة الكاثوليكيّة عبر القرون.
لم تعد رافينا مدينةً ذات ثقل سياسيّ في إيطاليا اليوم، لكنّها كانت في القرن الخامس عاصمة الإمبراطوريّة الرومانيّة الغربيّة بعدما استعاد الإمبراطور البيزنطيّ جستنيان السيطرة على أجزاء من إيطاليا. وفي خلال عهده، شُيّدت مجموعة من الكنائس والنُصُب المسيحيّة المبكرة، وزُيّنت بأسلوب فنّي غنيّ يعكس الانتقال من الطابع الرومانيّ الطبيعيّ إلى النمط البيزنطيّ الأكثر تجريدًا. إليكم أهمّ المعالم التي يجب ألّا تفوتكم إذا زرتُم المدينة.
بُنِيت في أوائل القرن السادس على يد الملك ثيودوريك الكبير. على جدرانها فسيفساء ذهبيّة بديعة تُعدّ من أبرز روائع الفنّ البيزنطي. على الجدار الأيسر، تظهر مواكب من الشهداء تتقدّم نحو السيّدة العذراء والطفل يسوع، بينما يُصوّر الجدار الأيمن موكبًا من 26 شهيدًا يقتربون من المسيح.
في متحف كاتدرائيّة رافينا، يختبئ واحد من أندر الكنوز الفنّية: كنيسة صغيرة مزيّنة بفسيفساء فريدة تُصوِّر المسيح في شكل غير مألوف، إذ يظهر فيها يسوع محاربًا منتصرًا يطأ بقدَمَيه أفعى وأسَدًا، في إشارة رمزيّة إلى انتصاره على الشرّ والموت. الكنيسة صغيرة الحجم، وغالبًا ما يغفل عنها الزوّار، لكنّها تستحقّ الزيارة. في داخلها، فسيفساء تُصوّر سماء مرصّعة بنجوم ذهبيّة، وحيوانات متعدّدة، وأكثر من 99 نوعًا مختلفًا من الطيور المرسومة بدقّة على الجدران.
اللافت أنّ الفسيفساء في رافينا تحتفظ بألوانها الزاهية وروعتها البصريّة حتّى بعد مرور نحو ألفَي عام، والسرّ يكمن في المواد، إذ استُخدِمت فيها قطعٌ زجاجيّة صغيرة جدًّا كي لا يتأثّر لونها بمرور الزمن. يبدأ العمل بحسابٍ دقيق لعدد القطع المطلوبة من كلّ لون، ثمّ يُحضَّر الزجاج. وفي حالة اللون الذهبيّ، يُغطّى بورق الذهب، ثم يُقَصّ ليتحوَّل إلى شرائح صغيرة. بعدها، يتولّى حِرَفيّ ماهر تثبيت كلّ قطعةٍ في مكانها المحدّد بدقّة، لتكتمل الصورة الكبرى.