"عندما تنتهي المصلحة، ستنتهي العلاقة." هذه المقولة، بكل مرارتها وواقعيتها، تُصور جانبًا مظلمًا من طبيعة بعض العلاقات البشرية. إنها تُشير إلى تلك الروابط التي لا تقوم على أساس من المودة الصادقة، الاحترام المتبادل، أو حتى الألفة الحقيقية، بل على ركيزة هشة ومؤقتة: المصلحة الشخصية.
غالبًا ما نجد أنفسنا محاطين بأشخاص يُظهرون اهتمامًا بالغًا بنا، يُكثرون من السؤال عن أحوالنا، يُبدون استعدادًا للمساعدة، ويُشاركوننا في مناسباتنا. قد يُعطي هذا شعورًا زائفًا بالقرب والصداقة. ولكن، كُفيلة لحظة واحدة، أو تغير بسيط في الظروف، ليكشف عن هشاشة هذه العلاقة. فما أن تنقطع المصلحة التي كانت تجمعكم، حتى ينقطع الاتصال، ويختفي السؤال، وتتبدد كل تلك المظاهر الودية كأنها لم تكن.
لنتخيل شخصًا يُظهر لك كل الود والاحترام، يُثني عليك في كل مناسبة، ويُسارع لتقديم المساعدة. قد تشعر أنك اكتسبت صديقًا وفيًا أو حليفًا قويًا. لكن الحقيقة المؤلمة تظهر عندما تتغير الظروف: تُغادر منصبًا كنت تشغله، أو تفقد مكانة اجتماعية، أو حتى يتبدل وضعك المادي. فجأة، يختفي هذا الشخص. هواتف لا تُرد، رسائل بلا إجابة، ووعود تُنسى. يتضح حينها أن كل ذلك الاهتمام لم يكن سوى ستارًا يخفي رغبة في تحقيق مكاسب شخصية، أو استغلال وضعك الراهن.
إن العلاقات القائمة على المصلحة أشبه بفقاعات الصابون؛ تبدو براقة وجذابة من الخارج، لكنها سرعان ما تتلاشى بمجرد زوال الظرف الذي أوجدها. لا يهم حينها تاريخ الصداقة، أو عمق الذكريات المشتركة، أو حتى حجم المساعدة التي قدمتها أنت لهم. فالهدف كان واضحًا ومحددًا: الحصول على شيء منك، سواء كان ذلك نفوذًا، مالًا، خدمة، أو حتى مجرد الوصول إلى دائرة معينة.
هذا النوع من العلاقات يترك في النفس شعورًا بالخيبة والألم، فهو يُعيد تعريف مفهوم "الصداقة" و"الوفاء" بطريقة مؤلمة. يُعلّمنا درسًا قاسيًا حول أهمية تمييز الأشخاص من خلال أفعالهم لا أقوالهم، ومن خلال ثباتهم في مختلف الظروف لا في أوقات الرخاء فقط.
لذا، من الحكمة أن نُدرك أن العلاقات الحقيقية تُبنى على أسس أعمق وأكثر استدامة: الاحترام المتبادل، الثقة، الحب غير المشروط، والوقوف إلى جانب بعضنا البعض في السراء والضراء. هذه هي العلاقات التي لا تهتز بزوال مصلحة، ولا تتلاشى بتغير الظروف. أما تلك التي تبنى على المصالح، فمصيرها الزوال بمجرد أن تجف منابع تلك المصالح، تاركة وراءها فراغًا وشعورًا بالاستغلال.