الدلالات الروحيّة لرِيازة الكنائس المشرقيّة قديمًا وحديثًا | مصدر الصورة: صفحة رعيّة مار بهنام وسارة-بغديدي في فيسبوك
عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
بقلم: جورجينا بهنام حبابه
بغداد, السبت 24 مايو، 2025
لطالما ارتبطت رِيازة الكنائس المشرقيّة بالطقوس الدينيّة، وحفِلت هندستُها بالرّموز والدلالات المُستوحاة من الكتاب المقدّس، فضلًا عن اقترانها الوثيق بالحضارة النهرينيّة.
شرحت مارينا نصرت، الباحثة في رِيازة الكنائس المشرقيّة، من كلّيّة الفنون الجميلة بجامعة بغداد، في حديثها لـ«آسي مينا» أنّ تصميم الكنائس القديمة عمومًا مستوحى من رِيازة المعابد البابليّة والآشوريّة.
وأوضحت أنّ المعبد الثلاثيّ المتكوّن من غرفة المصلّى في الوسط وغرفتَيْن جانبيّتَيْن إلى يمينه وشماله، هو تقليد رافدينيّ يرجع إلى الألف الرابع قبل الميلاد. وتابعت: «يُحاكي تصميم الكنائس القديمة المعبدَ البابليّ في شكله المستطيل واحتوائه غرفة قدس الأقداس ووجود غرفة صغيرة يُدخَل منها إلى أماكن الخدمة. والتقليد نفسُه نقَلَهُ اليهود العائدون من السَّبي إلى هياكلهم».
وقارنت نصرت بين أجزاء رِيازة الكنيسة المشرقيّة في الماضي والحاضر، مبتدئةً ببيت المعموديّة الذي «تحوَّل من غرفة صغيرة إلى يمين المذبح، لها بابٌ يفتح عليه وآخَر خارجيّ مُطلّ على الفناء، وتضمّ جرن العماد ومذبحًا صغيرًا عليه الصليب والإنجيل، إلى فضاءٍ مفتوحٍ على سائر أقسام الكنيسة».
وتابعت: «تحوّل البيم أو المنصّة، حيث يجلس الإكليروس وتُقرأ النصوص المقدّسة، من موضعٍ مرتفعٍ قليلًا في وسط الكنيسة، ينطلقُ التطوافُ منه إلى قدس الأقداس وبالعكس، ليصبح اليوم في موضعٍ ملاصقٍ لفضاء المذبح، محتفظًا بوظيفته كموضعٍ لمنصّتَيّ قراءات العهدَين القديم والجديد».
وأردفت نصرت: «من أبرز رمزيّات رِيازة الكنيسة المشرقيّة أنّ قدس الأقداس يرمز إلى السماء، وأنّ صحنَها يرمز إلى الأرض. ومع تحوّل موضع البيم، غاب الشقاقونا (الزقاق) وهو الممشى الضيّق الذي كان يحتضن تطواف الإكليروس ويصل البيم بباب قدس الأقداس، في رمزٍ إلى الطريق المؤدّي إلى السماء».
اليوم، أصبح قدس الأقداس فضاءً مفتوحًا يتوسّطه المذبح، بعد أن كان غرفةً موقعها صدر الكنيسة تفصله عن الجالسين في صحنها ستارةٌ أو باب ولا يدخله غير الكهنة والإكليروس المشاركين في التقديس، وفي صدره المذبح الملوكيّ الملتصق بالجدار الشرقيّ للكنيسة المتوجِّه بناؤها صوب الشرق، حسب التقليد.
وعن غياب قبّة العهد، قالت نصرت: «ما عادت اليوم حاضرةً إلّا في كنائس معدودة، وكانت تُشيّد فوق المذبح على أربعة أعمدة، كرمزٍ لخيمة الاجتماع التي أمَرَ الله موسى بأن يُقيمها في البرّيّة كعلامة على حضور الله بين شعبه».
واسترسلت: «يغيبُ اليوم الستاران: الداخليّ الحاجِب للمذبح متدلّيًا من واجهة قبّة العهد، ليرمز فتحه إلى فتح باب قدس الأقداس؛ والخارجيّ الذي يرمز فتحه في خلال الصلوات إلى اتّحاد أبناء السماء بأبناء الأرض».
ويبقى الحوار بين القديم والجديد ضروريًّا، فلكلّ جديدٍ جذورٌ عتيقة. لذا، تُواصل الكنيسة الكلدانيّة استلهام تقاليد رِيازة كنيسة المشرق، حريصةً على اختيار الأنسَب والمتوافق مع الاحتياجات المعاصرة للمؤمنين.
مُخطّط كنيسة كوخي، مِن أقدَم الكنائس المكتشفة في العراق. مصدر الصورة: مارينا نصرت
غرفة العماد فضاء مفتوح على الفضاءات الأخرى. مصدر الصورة: مارينا نصرت
إعادة تقليد تموضع البيم بمرتبةٍ مُرتفعة في منتصف الكنيسة واتّصاله بالمذبح بممرٍّ تمّ تحديده بالأرضيّة رمزًا للشقاقونا-كنيسة الرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة في عنكاوا-أربيل. مصدر الصورة: مارينا نصرت
موقع طاولة المذبح في الكنيسة الكلدانيّة المعاصرة-كنيسة القلب الأقدس للكلدان في بغداد، الكرادة. مصدر الصورة: صفحة كنيسة القلب الأقدس في فيسبوك
شكل خيمة العهد في كنيسة الرهبنة الأنطونيّة الهرمزديّة في أربيل. مصدر الصورة: مارينا نصرت
البيم المُلاصق للمذبح في الكنائس الحديثة المُعاصرة-كنيسة مار كوركيس الكلدانيّة مثالًا. مصدر الصورة: مارينا نصرت
مُخطّط لتصميم كنائس المشرق القديمة. مصدر الصورة: مارينا نصرت