في زحمةِ الحياة وتفاصيلها التي لا تنتهي، تأتي بعض الأرواح كأنها استراحة قلب، أو ومضة ضوء لا تُنسى، "نبأ" لم تكن مجرد اسم عابر في دفاتر الأيام، بل كانت صفحةً بيضاء كُتب فيها الكثير من الطمأنينة والثقة.
لقائي بها كان صدفة، كما تُخلق بعض المعجزات دون موعد، كنت أعمل خلال أحد الامتحانات التمهيدية الوزارية، مرهقاً منشغلاً، وإذا بها تظهر كأنها سطر غير متوقع في نص رتيب، لم يكن بيننا شيء من قبل، لكن لحظة واحدة كانت كافية لتقول الكثير، لحظة جمعتنا دون ترتيب، وفتحت باباً لصداقةٍ ما كنت أظنّ أني سأحظى بها يوماً.
منذ تلك اللحظة، صار لحديثي معها طعمٌ مختلف، ولصمتي قربها معنى لا يعرفه سواها، لم تكن صديقةً فحسب، بل كانت مرآةً نقية، تعكس صفاءها في تفاصيل حديثها، في ابتسامتها، في قدرتها العجيبة على أن تكون السند بصمت.
ما يدهشني في نبأ أكثر من أي شيء آخر، هو طموحها، على الرغم من أن الزمن لم يكن منصفاً لها، وعلى الرغم من أنها لم تُكمل دراستها في وقتها، إلا أن الأوان لم يفت في عينيها، ما زالت تحاول، تُكافح، وتُمتحن خارجياً، ليس في مقاعد المدارس كما الآخرين، بل في قاعات الحياة، بعمرٍ أكبر، وإصرارٍ أشد، لم تخجل من المحاولة، ولم تستسلم لثقل السنين، بل ارتدت عنادها كوسام، ومشت بخطىً ثابتة نحو ما تؤمن أنه حقها في النجاح.
نبأ تُجيد الإنصات كأنها تحترف قراءة القلوب، تُساند دون ضجيج، وتُشجع دون أن تنتظر شيئاً في المقابل، هي من منحتني الثقة بقلمي، وأيقظت في داخلي شغف الكتابة من جديد، لا لأجل الحروف، بل لأجل أن أُعبّر عمّا يستحق أن يُقال.
في هذا الزمن الذي يُرهقنا فيه الزيف، كانت صداقتها تذكيراً دائماً بأن الصدق لا يزال ممكناً، وأن بعض الصدف، إن وُلدت بقلبٍ نقي، تُصبح قدراً جميلاً لا يُنسى.