عشتار تيفي كوم – بطريركية السريان الكاثوليك/
في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء ١٤ أيّار ٢٠٢٥، شارك غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، في اللقاء الذي عقده قداسة البابا الجديد لاون الرابع عشر مع وفود الحجّاج من كنيستنا السريانية الكاثوليكية وسائر الكنائس الشرقية بمناسبة يوبيل سنة الرجاء، وذلك في قاعة البابا بولس السادس في الفاتيكان.
شارك في هذا اللقاء أيضاً أصحاب الغبطة رؤساء الكنائس الشرقية الكاثوليكية: الأنبا ابراهيم اسحق سدراك بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك، يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك، الكردينال لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكلدان في العراق والعالم، روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، الكردينال مار باسيليوس اقليميس كاثوليكوس الكنيسة السريانية الكاثوليكية الملنكارية في الهند، سفياتوسلاف شفشوك رئيس الأساقفة الأعلى للكنيسة الأوكرانية الملكية الكاثوليكية، ورافاييل ثاتّيل رئيس الأساقفة الأعلى للكنيسة الملبارية الكاثوليكية في الهند.
وشارك صاحب النيافة الكردينال كلاوديو كوجيروتّي رئيس مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان على رأس وفد من أعضاء المجمع والعاملين فيه.
وشارك من كنيستنا السريانية الكاثوليكية أصحابُ السيادة المطارنة: مار يوحنّا بطرس موشي، مار أفرام يوسف عبّا، مار يوحنّا جهاد بطّاح، مار فولوس أنطوان ناصيف، مار متياس شارل مراد، مار نثنائيل نزار سمعان، مار فلابيانوس رامي قبلان، ومار بنديكتوس يونان حنّو، والمونسنيور حبيب مراد، وعدد من الآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات، ووفود من الحجّاج من مختلف الأبرشيات والإرساليات، ولا سيّما من كندا وهولندا والسويد وفرنسا وتركيا.
كما شارك عدد من أصحاب النيافة الكرادلة وأصحاب السيادة المطارنة والآباء الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات وجماهير غفيرة من المؤمنين من مختلف الكنائس الكاثوليكية الشرقية، قادمين من مختلف القارّات والبلدان، شرقاً وغرباً، وقد حضروا للاشتراك في احتفالات سنة الرجاء اليوبيلية المقدسة في الفاتيكان.
خلال اللقاء، وبعد صلاة البدء، ألقى قداسة البابا لاون الرابع عشر كلمة استهلّها بتحيّة عيد القيامة "المسيح قام! حقّاً قام! نحيّيكم بالكلمات التي لا يتعب الشرق المسيحي، في كثير من المناطق، من تكرارها، وهو يعلن جوهر إيمانه ورجائه. ومن الجميل أن نراكم هنا في مناسبة يوبيل الرجاء، المؤسَّس على قيامة المسيح المجيدة. أهلاً وسهلاً بكم في روما! يسعدنا أن نلتقي بكم، وأن نخصّص أحد اللقاءات الأولى من حبريتنا للمؤمنين الشرقيين".
وأشار قداسته إلى أنّه يفكّر "في تنوُّع أصولكم، وفي التاريخ المجيد والمعاناة المريرة التي عاشتها أو لا تزال تعيشها العديد من جماعاتكم. في يومنا هذا، هناك العديد من الأخوة والأخوات الشرقيين، الذين أُجبِروا على الفرار من أراضيهم الأصلية، بسبب الحرب والاضطهاد وعدم الاستقرار والفقر، وهم يواجهون، لدى وصولهم إلى الغرب، خطر فقدان هويتهم الدينية، بالإضافة إلى أوطانهم. هكذا، ومع مرور الأجيال، يُفقَد إرث الكنائس الشرقية، الذي لا يُقدَّر بثمن".
وشدّد قداسته "على أهمّية الحفاظ على الشرق المسيحي وتعزيزه، لا سيّما في بلاد الانتشار، فلا بدّ من توعية اللاتين على هذا الأمر، بالإضافة إلى إقامة مقاطعات كنسية شرقية، حيثما كان ذلك ممكناً أو مناسباً"، طالباً من مجمع الكنائس الشرقية أن يساعده في "تحديد المبادئ والمعايير والخطوط التوجيهية التي يمكن من خلالها للرعاة اللاتين أن يدعموا، بشكل ملموس، الكاثوليك الشرقيين في الانتشار، كي تبقى تقاليدهم حيّة، وكي تغتني البيئة التي يعيشون فيها بفضل خصوصياتهم".
وتوجّه قداسته إلى أبناء الكنائس الشرقية بالقول: "الكنيسة بحاجة إليكم، كم هو عظيم الإسهام الذي يمكن للشرق المسيحي أن يقدّمه لنا اليوم! كم نحتاج إلى استعادة الحسّ بالسرّ الحيّ في ليتورجياتنا التي تُشرِك الشخص البشري في كلّيته، وتنشد جمال الخلاص، وتثير الدهشة تجاه العظمة الإلهية التي تعانق الصغر البشري! كم هو مهمّ أن نعيد اكتشاف الحسّ بأولوية الله، أيضاً في الغرب المسيحي، وأهمّية التصوّف والشفاعة المستمرّة، والتوبة، والصوم، والبكاء من أجل خطايا الفرد والبشرية جمعاء، ما يميّز الروحانية الشرقية".
ولفت قداسته إلى أنّ "روحانياتكم، القديمة والجديدة دائماً، هي دواءٌ شافٍ. ففيها يمتزج المعنى المأساوي لبؤس الإنسانية مع الاندهاش أمام رحمة الله، فلا تؤدّي وضاعتنا إلى اليأس، بل تدعونا إلى أن نقبل النعمة، ونكون خليقة شفاها الله، وقدّسها، ورفعها إلى أعالي السماوات. نحن بحاجة إلى أن نسبّح الرب يسوع ونشكره بلا انقطاع على ذلك. معكم يمكننا أن نصلّي بكلمات القديس أفرام السرياني، ونقول ليسوع: "المجد لكَ، يا من جعلتَ من صليبكَ جسراً فوق الموت، المجد لكَ، يا من لبستَ جسد الإنسان الفاني، وحوّلتَه إلى ينبوع حياة لكلّ الفانين". إنّها عطيّة يجب أن نطلبها، وهي أن نعرف أن نرى حقيقة الفصح في كلّ صعوبة في الحياة، وألا نيأس، بل نتذكّر، كما كتب أبٌ آخر من الآباء الشرقيين الكبار، مار اسحق الأنطاكي، إنّ أكبر خطيئة هي ألا نؤمن بقوّة القيامة".
ونوّه قداسته بأنّ "أبناء الكنائس الشرقية هم أكثر من يعرف عن كثب أهوال الحرب، لدرجة أنّ البابا فرنسيس دعا كنائسكم "كنائس استشهاد"، من الأرض المقدسة إلى أوكرانيا، من لبنان إلى سوريا، من الشرق الأوسط إلى تيغراي والقوقاز، كم من العنف! وإزاء كلّ هذا الرعب، والمجازر التي حصدت أرواح العديد من الشباب، والتي يجب أن تثير الغضب، لأنّه باسم الغزو العسكري يموت الأشخاص، يبرز نداءٌ، ليس نداء البابا، بل نداء المسيح الذي يكرّر: "السلام معكم!"، ويقول: "أودعكم السلام، أعطيكم سلامي. ليس كما يعطيه العالم، أنا أعطيكم إيّاه". لنصلِّ من أجل هذا السلام، الذي هو مصالحة وغفران وشجاعةُ طيّ الصفحة والبدء من جديد".
وأكّد قداسته أنّه "لكي ينتشر هذا السلام، سنبذل كلّ جهد ممكن. والكرسي الرسولي جاهز لكي يلتقي الأعداء وينظروا إلى أعين بعضهم البعض، حتّى يُعاد الأمل إلى الشعوب وتعاد إليها الكرامة التي تستحقّها، كرامة السلام. الشعوب تريد السلام، وإنّنا نقول لقادة الشعوب، من صميم القلب: دعونا نلتقي، نتحاور ونتفاوض! الحرب ليست حتمية إطلاقاً، يمكن للأسلحة، لا بل يجب، أن تصمت، لأنّها لا تحلّ المشاكل، بل تزيدها، لأنّ التاريخ سيتذكّر من يزرعون السلام، لا من يحصدون الضحايا، ولأنّ الآخرين ليسوا أعداء، بل هم بشر قبل كلّ شيء: ليسوا أشراراً علينا أن نكرههم، بل هم أشخاص يجب أن نتحدّث معهم. لن تتعب الكنيسة من التكرار: لتصمت الأسلحة. ونودّ أن نشكر الله على أولئك الذين ينسجون خطط سلام، وسط الصمت والصلاة والتضحية، ونشكر المسيحيين – الشرقيين واللاتين – الذين يثابرون ويقاومون في أراضيهم، خاصّةً في الشرق الأوسط، وهم أقوى من مغريات التخلّي عنها. لا بدّ أن يُعطى المسيحيون الفرصة، ليس فقط بالكلام، من أجل البقاء في أراضيهم، مع جميع الحقوق اللازمة لوجود آمن".
وشكر قداسته "الإخوة والأخوات الأعزّاء في الشرق، الذي منه خرج يسوع، شمس العدل، لتكونوا "نور العالم". استمرّوا وأضيئوا بالإيمان والرجاء والمحبّة، ولا شيء آخر. لتكن كنائسكم مثالاً، وليُعزِّز الرعاة الوحدة والشركة بأمانة، خصوصاً في سينودس الأساقفة، لكي يكون السينودس مكان شراكة ومسؤولية مشترَكة حقيقية. اهتمّوا بالشفافية في إدارة الخيرات، وقدِّموا شهادة تفانٍ متواضع وكامل من أجل شعب الله المقدّس، دون تعلُّق بالمناصب أو بسلطات العالم أو بتمجيد الذات. بهاء الشرق المسيحي يطلب اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، التّحرُّر من كلّ ارتباط دنيوي ومن كلّ ميلٍ مناقضٍ للوحدة والشركة، لكي يكون أميناً في الطاعة وفي الشهادة للإنجيل".
وختم قداسته كلمته داعياً جميع الحاضرين "إلى الصلاة من أجل الكنيسة، وإلى رفع صلواتكم القوية، صلوات الشفاعة، من أجل خدمتي".
بعدئذٍ منح قداسته الحاضرين بركته الرسولية، وحيّا أصحابَ الغبطة رؤساء الكنائس الشرقية وأصحابَ النيافة الكرادلة وأصحابَ السيادة المطارنة. ثمّ جال قداسته بين الإكليروس والمؤمنين في أرجاء القاعة، وسط جوّ من الفرح الروحي الغامر.
وقد قدّم غبطة أبينا البطريرك التهاني القلبية الحارّة إلى قداسة البابا بمناسبة انتخابه أباً أقدس على رأس الكنيسة الجامعة، باسم الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، سينودساً وإكليروساً ومؤمنين في كلّ مكان، داعياً لقداسته بحبرية مباركة تفيض بالنِّعَم والثمار على الكنيسة والمؤمنين، بما حباه الله من مواهب وفضائل.
وشكر قداستُه لغبطةِ أبينا البطريرك تهنئته ومحبّته، سائلاً الله أن يبارك خدمته في رعاية الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وأن يفيض على الكنيسة نِعَمَه وخيراته.
وأهدى غبطة أبينا البطريرك إلى قداسته أيقونة سيّدة النجاة البطريركية، عربون محبّة وإكرام، واضعاً حبرية قداسته تحت حماية أمّنا مريم العذراء، سيّدة النجاة، شفيعة كنيستنا السريانية.