تحضيرات قمة بغداد: هل ستكون الانتصار أم الفشل في الميدان؟ ففي الوقت الذي تستعد فيه بغداد لاستضافة قمة هامة، تستعرض المدينة مشهداً يُعبّر عن مشاعر متناقضة، ما بين الأمل والتشاؤم، تتراكم التحضيرات في أروقة الحكومة، لكن ما يثير القلق هو أن ما يُفترض أن يكون انعكاساً للتقدم، يعكس في الواقع فوضى وقصوراً واضحاً في التنفيذ، فمن الغريب أن تُخصص بغداد لاستضافة قمة دولية من هذا الحجم بينما يتم تأجيل أبسط المشاريع الخدمية، هذه المشاريع، التي تُعد أساسية في تحسين البنية التحتية للمدينة، يبدو أنها تصطدم دوماً بعقبات تعكس ضعف الإدارة والتخطيط.
أحد الأمثلة الحية على هذا التناقض هو تصليح وتبليط الطريق بين صالة الاستقبال في مطار بغداد الدولي إلى القصر الحكومي في المنطقة الخضراء، هذا الطريق الحيوي، الذي يربط المطار بالمؤسسات الحكومية الأكثر أهمية في البلاد، يعاني من التأخير المستمر في إنجازه، فمن المفترض أن يكون هذا الطريق في أتم الجاهزية لاستقبال الضيوف الأجانب، في حين أن الأعمال فيه تُمضي بوتيرة بطيئة.
ولكن، إذا نظرنا إلى مشاريع أخرى في بغداد، فإن الصورة تتغير، فحينما يتعلق الأمر بمشاريع تصب في صالح السلطة، مثل تلك التي تساهم في تسهيل حركة كبار المسؤولين، فإن الأمور تسير بسرعة البرق، الطريق من مطار بغداد إلى المنطقة الخضراء يمكن أن (يبلط) في أيام قليلة إذا كانت الأولوية هي لتلبية احتياجات السلطة، إذا كانت الحكومة قادرة على إتمام الأعمال في هذا الوقت القياسي، فما الذي يمنعها من تنفيذ مشاريع أخرى بنفس الوتيرة؟
ليس هذا الحال فريداً في بغداد اليوم، بل هو امتداد لمشاهد مشابهة من الماضي القريب، عندما دخلت الجامعة المستنصرية كلية التربية الأساسية في عام 2014، كان من بين الأمور التي استوقفتني حادثة تفجير جسر المثنى الذي اعتدت المرور عبره يومياً، وكان هذا التفجير قد أدى إلى تدمير جزء صغير من الجسر لا يتجاوز العشرة أمتار على أحد الجوانب، ورغم أن الضرر كان محدوداً للغاية، بدأت الحكومة في تنفيذ أعمال الإعمار في الجسر، وكان من المتوقع أن تنتهي الأعمال في فترة قصيرة نظراً لحدود الأضرار، لكن المفاجأة الكبرى كانت أن الإعمار استغرق سنوات طويلة.
مما أثار دهشتي، أنني تخرجت في عام 2017، أي بعد ثلاث سنوات من بدء الإعمار، ولم يُكتمل الجسر إلا بعد مرور أربع سنوات على الحادثة، كانت تلك فترة طويلة للغاية لإعادة بناء جزء صغير من الجسر، في الوقت نفسه، كانت هناك العديد من مشاريع البنية التحتية الأخرى، التي أُنفِق عليها مليارات الدولارات، تتعثر أو تتأخر في التنفيذ.
هذه الأمثلة تطرح تساؤلات كبيرة حول الأولويات الحكومية، إذا كان بالإمكان إنجاز مشاريع بسرعة فائقة عندما يتعلق الأمر بالخدمات التي تُسهّل على المسؤولين الوصول إلى أماكنهم بسهولة، فلماذا لا يتم تطبيق نفس السرعة في المشاريع التي تهم المواطن العراقي؟ إذا كانت الحكومة قادرة على إعادة تأهيل طرق بأيام معدودة من أجل القمة، فهل هي غير قادرة على إتمام مشاريع حيوية أخرى يحتاجها المواطن بشكل يومي؟
هذا التفاوت في التنفيذ يعكس فجوة عميقة بين ما يُقدَّم للمواطن وبين ما يُنفَّذ على الأرض، بينما يسعى المسؤولون لإظهار الوجه المشرق للبلاد في المناسبات الدولية، تبقى المشاريع التي تهم الشارع العراقي، مثل الطرق والخدمات الأساسية، هي الأكثر معاناة في تأخر إنجازها، وهذا يعزز من مشاعر الإحباط لدى المواطن العراقي، الذي يرى أن مشاريعه اليومية تُترك على الرف بينما تُنفَّذ المشاريع التي تضمن مصالح معينة أو تتعلق بالسلطة السياسية.
إلا أن هذه القمة المرتقبة قد تكون فرصة لإحداث تغيير حقيقي في هذا الوضع، إذا كانت بغداد تسعى لأن تكون مركزاً للحوار الإقليمي والدولي، فإن عليها أن تثبت أولاً أنها قادرة على إدارة أبسط المشاريع الخدمية وتنفيذها في الوقت المناسب، هذه المشاريع ليست مجرد أعمال بنية تحتية، بل هي جزء من بناء الثقة بين الدولة والشعب.
إذا كانت الحكومة تعجز عن إتمام مشروع صغير مثل إعادة تأهيل جسر المثنى في وقت مناسب، فما الذي يضمن أن المشاريع الأخرى ستكون بمستوى التوقعات؟
تحضيرات قمة بغداد قد تكون فرصة كبيرة لتسليط الضوء على عاصمة العراق، لكن هذه الفرصة لا يجب أن تُضيع سدى، بدلاً من التركيز على التفوق في إنجاز المشاريع التي تتعلق بالقمة فقط، يجب أن تسعى الحكومة إلى تحسين وضع البنية التحتية بشكل عام، بغداد لا تحتاج فقط إلى تجميل من أجل القمة، بل إلى تطوير شامل يعكس تطلعات شعبها.
إذا كانت الحكومة قادرة على إنجاز مشاريع كبيرة بسرعة، كما نراها اليوم، فلتكن هذه السرعة لصالح المواطنين أولاً.
كتب في السليمانية 9 مايو 2025