أطباء يجرون جراحة لمريض سرطان داخل مستشفى في فرنسا. 28 أكتوبر 2023 - AFP
عشتارتيفي كوم- الشرق/
طوَّر باحثون في جامعة ناجويا اليابانية، آلية جديدة لعلاج مرض السرطان والأمراض الوراثية، من خلال إتاحة إمكانية تشغيل إنتاج البروتين داخل خلايا مستهدفة فقط، دون التأثير على الخلايا السليمة، ما يمهّد الطريق لعلاج دقيق لتلك الأمراض.
وتعد هذه الآلية إنجازاً بارزاً في مجال العلاج القائم على الحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA، وتُعرف باسم "آلية الترجمة المحفَّزة بواسطة الغطاء الداخلي".
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر بايوتكنولوجي" Nature Biotechnology، تعتمد تلك التقنية على الجيل الجديد من العلاجات القائمة على الحمض النووي الريبوزي المرسال الدائري، وهو أكثر استقراراً وأقل تحفيزاً للالتهابات، مقارنةً بنظيره الخطي التقليدي، ويتميز بمقاومته العالية للتحلل بفضل عدم احتوائه على نهايات تقليدية، مما يضمن استمرارية "عملية الترجمة" لفترة أطول داخل الخلية.
إلا أن التحدي الرئيسي الذي واجه الأبحاث السابقة كان ضعف كفاءة الترجمة في الكائنات الحية، حيث اعتمدت المحاولات السابقة على مواقع إدخال الريبوسوم الداخلية التي كانت صعبة الضبط، ومنخفضة الكفاءة.
تحسين إنتاج البروتين
ولتجاوز هذه العقبة، ابتكر الفريق الياباني، بنية غطاء داخل الحمض النووي الريبوزي الدائري، ما سمح ببدء الترجمة بفعالية أعلى ما أدى إلى تحسين ملحوظ في إنتاج البروتين.
تخيَّل أنك تمتلك رسالة مشفَّرة لا يستطيع قراءتها إلا الشخص المستهدف بالضبط، وهذه هي الفكرة الأساسية وراء الآلية الجديدة التي طوَّرها الباحثون.
عادةً، يكون الحمض النووي الريبوزي المرسال خطياً، وهو ما يجعله عرضة للتحلل بسرعة، ويحتاج إلى إشارات خاصة داخل الخلية لبدء إنتاج البروتينات، لكن العلماء وجدوا طريقة لتحويله إلى شكل دائري يجعله أكثر استقراراً وأطول عمراً.
القضاء على الخلايا السرطانية
لكن المشكلة في هذا الحمض النووي الدائري كانت أنه لا يُترجَم بسهولة إلى بروتين داخل الجسم؛ بسبب صعوبة تعرف الآليات الخلوية عليه. وهنا جاء الحل؛ فبدلاً من الاعتماد على الإشارات التقليدية التي غالباً ما تكون غير فعَّالة، أضاف الباحثون جزءاً خاصاً يشبه "غطاءً داخلياً" إلى هذا الحمض النووي، وهو ما جعله قادراً على بدء إنتاج البروتين بشكل أكثر كفاءة.
ويفتح هذا الاكتشاف الباب أمام إمكانيات علاجية ثورية، إذ يمكن برمجة هذا الحمض النووي لإنتاج بروتينات مفيدة داخل الخلايا التي تحتاج إليها فقط، مثل إنتاج بروتينات صحية في حالات الأمراض الوراثية، أو تصميمه لإنتاج مواد سامة داخل الخلايا السرطانية فقط للقضاء عليها دون التأثير على الخلايا السليمة، مما يجعل هذه التقنية خطوة كبيرة نحو علاجات دقيقة وأكثر أماناً.
في العلاجات الحالية، التي تعتمد على تعليم الخلايا إنتاج بروتينات معينة، هناك مشكلتان رئيسيتان: الأولى أن التعليمات الجينية غالباً ما تكون غير فعالة، والثانية أن هذه التعليمات تتحلل بسرعة، مما يستدعي إعطاء المريض جرعات متكررة.
ولكن بفضل الطريقة الجديدة، استطاع العلماء تطوير نوع محسّن من المادة الجينية يُسمى "كاب-سيرك رنا"، والذي يمكنه إنتاج بروتينات بكميات أكبر تصل إلى 200 مرة مقارنةً بالطرق السابقة، مع بقائه مستقراً لفترات طويلة داخل الجسم، دون أن يتحلل بسرعة.
وهذا يعني أن العلاجات التي تعتمد على هذه التقنية ستصبح أكثر كفاءة، وأقل حاجة للجرعات المتكررة.
العلاجات المناعية
ويعتقد العلماء أن هذه التقنية ستغير مستقبل الطب، حيث يمكن استخدامها في العلاجات المناعية، وتصحيح الأخطاء الجينية، وتعويض البروتينات المفقودة، مما قد يساعد في علاج أمراض مثل الحثل العضلي، وهو اضطراب ناتج عن عدم قدرة الجسم على إنتاج بروتينات مهمة لصحة العضلات.
ويقول الباحثون إن تلك الآلية تعتبر أيضاً نهجاً ثورياً في علاج السرطان، حيث يمكنها استهداف الخلايا السرطانية دون الإضرار بالخلايا السليمة، مما يقلل من الآثار الجانبية للعلاجات التقليدية؛ إذ تعتمد على استهداف الحمض النووي الريبوزي غير المشفَّر الطويل الذي يكون مفرط التعبير في بعض السرطانات.
لاختبار فعالية هذه التقنية، قام الباحثون بتصميم جزيء دائري من المادة الوراثية قادر على استهداف نوع معين من الأحماض النووية يوجد بكثرة في خلايا سرطان الكبد.
نقلة نوعية
وعندما دخل هذا الجزيء إلى الخلايا السرطانية، أدى إلى زيادة إنتاج البروتينات بمقدار 50 ضعفاً مقارنةً بالحالة العادية، ولكن دون أن يؤثر على الخلايا السليمة، وهذا يعني أن التقنية الجديدة يمكنها التمييز بدقة بين الخلايا المريضة والخلايا الطبيعية، وهو ما يشكل خطوة مهمة نحو علاجات أكثر دقة وأقل ضرراً للجسم.
ويعتقد العلماء أن هذه الطريقة يمكن استخدامها لإنتاج بروتينات سامة داخل الخلايا السرطانية فقط، مما يؤدي إلى قتلها بشكل مبرمج دون التأثير على الأنسجة السليمة، وذلك من خلال تحفيز استجابة مناعية محددة.
كما تشير الدراسة إلى أن هناك آليات طبيعية مشابهة قد تحدث داخل الجسم بالفعل، مما قد يساعد في فهم أعمق لكيفية إنتاج البروتينات داخل الخلايا، واستخدام هذا الفهم في تطوير علاجات جديدة لمجموعة واسعة من الأمراض.
ويمثل هذا الاكتشاف نقلة نوعية في أبحاث العلاجات الجينية، كما يعزز إمكانية تطوير تقنيات أكثر تخصيصاً لعلاج الأمراض بدقة غير مسبوقة.