( ..فمن آمن وإعتمد يخلص .. ) مر 16:16 "
لفظة ( دِنح ) أو ( دنحا ) أو ( دِنخا ) كما يلفظها الأخوة الآشوريين فهي كلمة سريانية تعني الإشراق والإعتلان والظهور " أي الظهور الإلهي بأقانيمه الثلاثة " .
للمعمودية جذور في التاريخ العبري قبل مجىء المسيح . فهناك فرق واضح في الهدف من التعميد ، فالعماد الذي كان يمارس قبل المسيحية كان لليهود المختونين ، والختان كان يعتبر الباب للدخول إلى اليهودية وكان يمارس في اليوم الثامن من ميلاد الطفل ، وكان العماد على ثلاث ظواهر عند اليهود ، وهي :
1- عماد المرتدين : ذُكر هذا النوع في التلمود اليهودي ، يقول ( أن قبل الوصايا يختّن حالاً ، وما إن شفى حتى يُعَمد ) فعندما يغطس في الماء يصير إسرائيلياً كاملاً . والغاية من تعميده هو لإغتساله من أوساخ الوثنية لأن الوثني كان يعتبر نجساً .
عماد المرتدين عن معتقدهم الأول يدل على صدق نواياهم ، فالعماد يقطفهم تماماً من الوثنية .
2- العماد عند الأسينيين : نطالع في كتب المؤرخين بأن الأسينيين كانوا يعيشون قرب البحر المَيّت ، وكانوا يغتسلون بالماء مرة كل يوم ليتطهروا من خطاياهم ، وعمادهم كان الغطس في الماء . وهذا العماد كان سابق لعماد يوحنا المعمدان .
3- معمودية يوحنا : يتحدث لنا الإنجيل عن هذا العماد ويقول ( أن يوحنا كان يُكرز بمعمودية التوبة لغفران الخطايا ) " مر 4:1 ، لو 3:3 " . فمعمودية يوحنا تعتبر تطوراً لما سبق من أنواع المعمودية لأن المعمد هنا عليه أولاً أن يعترف بخطاياه أمام يوحنا ، وبعد ذلك ينال المعمودية ، الغاية من هذه المعمودية هي للتوبة ولكي يسلك المتعمد حياة طاهرة ونقية ، كما كان يدعوهم إلى الإيمان بالآتي بعدهُ ، أي بيسوع المسيح ( راجع أع 4:19 ) .
أما عن العماد في المسيحية فيختلف عن كل أنواع تلك العمادات لأن المتعمدين في العهد الجديد يصبحون بعد العماد أبناء الله وورثته في المسيح يسوع ، وتغفر لهم كل الخطايا بقوة نار الروح القدس الذي يدخل في سر المعمودية وفي كل الأسرار الكنسية . لقد إعترف يوحنا بهذا الفرق الكبير قائلاً ( أنا أعمدكم بالماء للتوبة ، وأما الذي يأتي بعدي " المسيح " فهو يعمدكم بالروح القدس والنار) " مت 11:3 ، أع 5:1 " .
معمودية يسوع عند يوحنا وغايتها
جاء يسوع إلى يوحنا لكي يتعمد ، وكما ذكرنا كان على طالب المعمودية أن يتوب عن خطاياه ويعترف بها أمام يوحنا ( طالع مت 6:3 ) والمسيح ليس لديه خطيئة لكي يعترف بها ، إذاً لماذا طلب من يوحنا العماد ؟
يسوع لم يتعمد ليعترف بخطاياه الشخصية لأن الخطيئة لم تلوث حياته وهو في الجسد ، كما لم يرث الخطيئة الأصلية لأنه ليس من بني آدم ، بل هو إبن الله . إذاً سبب الطلب كان للإعتراف بكل خطايا العالم والتي سيدفع هو ثمنها على الصليب . فعندما غطسه يوحنا في ماء الأردن كان يرمز إلى موته المسبق عن البشرية كلها . والمعمودية صارت مثالاً لعماد كل مؤمن به .
معمودية المسيح عند يوحنا كانت بكراً للمعمودية المسيحية التي تتم بالماء والروح القدس . حاول يوحنا أن يمتنع من تعميد المسيح بعد أن وجده بدون خطيئة ، لكن يسوع بَيّنَ له السبب وقال ( لكي يتمم كل بر ) فالمعمودية كانت الخطوة الأولى للخدمة ، فبعد إعتماده بدأ بخدمته العلنية .
يوحنا عمد المسيح بالماء فقط ، أي لم يصل إلى المعمودية المسيحية ، لكن عندما خرج المسيح لوقته من الماء فالله الآب وروحه القدوس تمموا المعمودية بهبوط الروح القدس على يسوع . شاهد يوحنا الحدث وسمع فشهد بأن المسيح عندما خرج من الماء ، الروح القدس نزل من السماء كأنه حمامة وإستقر على المسيح ( طالع يو 32:1 ) ومن ثم سمع صوت الآب من السماء يقول ( هذا هو إبني الحبيب الذي به رضيت ) وقد تكرر الحضور الإلهي بأقانيمه الثلاثة على هذه الأرض على جبل التجلي . إذاً المسيح كإنسان لم يتعمد بالماء فحسب ، بل بالروح القدس الذي هبط عليه أيضاً ، إذاً نستطيع أن نقول بأن المسيح هو بكر المتعمدين في العهد الجديد ، ثم بدأ يكرز من تلك الفترة .
العماد في المسيحية يزيل كل الخطايا لأن الروح القدس يحرق كل خطيئة لكي يولد الإنسان ولادة جديدة فيعتق من الخطيئة ليصبح عضواً في جسد المسيح . أو بتعبير آخر : المعمودية هي سر الولادة الجديدة بالماء وفي الكلمة . فالميلاد يتم ويتحقق من الماء والروح الذي بدونه ( لا يستطيع أحد أن يدخل ملكوت الله ) " يو 5:3 "
المعمودية هي الباب الذي من خلاله يدخل المتعمد في المسيحية ولا يجوز أن يتكرر العماد أبداً . فكما كان الختان يعمل مرة واحدة فقط هكذا المعمودية لا يمكن أن تتكرر ، تقول الآية ( وهناك رب واحد وإيمان واحد ومعمودية واحدة ) " أف 5:4" فالمعمودية الواحدة هي تعليم رسولي لا يجوز تكراره عندما يتحول مؤمن من مذهب مسيحي إلى آخر ، كما لا يجوز تكرار معمودية الأطفال لأن الهدف الأول من المعمودية هو الموت مع المسيح في ماء المعمودية ، وعندما يخرج من الماء تحصل الولادة الجديدة ، فلا يجوز إذاً أن نموت مع المسيح مرتين ، لهذا يقول الرسول بولس ( إعتمدنا في المسيح ، إنما إعتمدنا في موته فدُفِنا معه بالمعمودية ، لنموت فنحيا حياة جديدة ) " رو 6: 3-4" .
نختم الموضوع قائلين : أن المعمودية واحدة لها سِمة لا تُمحى . فالمعمودية تختم المتعمد بختم روحي لا يمحى يكرس إنتمائه للمسيح . وهذا الختم لا تمحوه أي خطيئة ، لهذا تمنح المعمودية مرة واحدة ولا تتكرر . في حالة واحدة فقط يستطيع المعمد أن ينال العماد مرة أخرى لكن عماد من نوع آخر ، وهي المعمودية الثانية التي تعمد بها المسيح مرة أخرى بدمه على الصليب ، والتي تسمى بمعمودية الدم . في المسيحية ثلاث أنواع للمعموديات ، وهي ( 1- بالماء والروح القدس 2- معمودية الدم 3- معمودية الشوق ) . تَحَدثَ يسوع عن معمودية الدم لتلميذي أبني زبدي ( يعقوب ويوحنا ) عندما أتت بهم أمهم إلى يسوع لتقول له ( مر أن يجلس إبناي هذان إحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك في ملكوتك ) ، فأجاب يسوع قائلاً لإبنيها ( ... أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها ؟ ) " مت 22:20 " وهنا كان يقصد كأس الشهادة والموت . فمن يموت شهيداً يتعمد بدمه فتغفر له كل خطاياه كمن يتعمد بالمعمودية الأولى .
وعن المعمودية وأهميتها للعالم كله علينا أن نتذكر وصية الرب لنعمل بها ، قال لتلاميذه ( إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس ، علموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به ) " مت 28: 19-20 " .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1"