عشتارتيفي كوم- أبونا/
افتتح رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، الدورة السنوية العادية الرابعة والخمسين للمجلس بالصلاة بحسب الطقس الماروني، بمشاركة بطريرك السريان الكاثوليك اغناطيوس يوسف الثالث يونان، وبطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، وكاثوليكوس الأرمن الكاثوليك روفائيل بدروس الحادي والعشرين.
كما شارك في الاجتماع، الذي عقد في الصرح البطريركي المارونيّ في بلدة بكركي، شمال العاصمة اللبنانيّة بيروت، لفيف من الأساقفة والكهنة من مختلف الكنائس الكاثوليكية، والرؤساء العامين والرؤساء الأعلين، ومكتب الرئيسات العامات للرهبانيات النسائيّة، وأمانة المجلس العامة، فيما حضر جلسة الافتتاح القائم بأعمال السفارة البابويّة في لبنان المونسنيور جوزبي فرانكون.
كلمة رئيس المجلس
بعد الصلاة الافتتاحية، ألقى رئيس المجلس البطريرك الراعي الكلمة الآتية:
ويطيب لي أن أرحّب باسمكم وباسمي بصاحب الغبطة رفائيل بدروس الحادي والعشرين كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك بانتخابه "أبًا ورأسًا" للكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة الشقيقة. ونقدّم له أطيب التهاني والتمنيات. وقد آلمتنا وفاة سلفه المثلّث الرحمة البطريرك كريكور بدروس العشرين، الذي كان عضوًا فاعلًا ودؤوبًا في مجلسنا، ووفاة المثلّث الرحمة المطران بطرس الجميّل، رئيس أساقفة قبرص سابقًا وكان هو أيضًا عضوًا في مجلسنا. فلنصلِّ الأبانا والسلام لراحة نفسيهما في الملكوت السماويّ.
ويطيب لي أن أرحّب معكم بعضوين جديدين آخرين هما: قدس الأباتي بيار نجم الرئيس العام للرهبانيّة المارونيّة المريميّة، وقدس الأرشمندريت برنار توما الرئيس العام للرهبانيّة الباسيليّة الشويريّة.
أوّلًا: رؤية الكنيسة الوطنيّة
3.هذا الموضوع تمليه على مجلسنا الظروف الراهنة. نشأ لبنان سنة 1920 ليكون وطن الإنسان المزيّن بالحريّة والكرامة، ووطن التعدّديّة الثقافيّة والدينيّة، ووطن العيش معًا مسيحيّين ومسلمين بالاحترام المتبادل والمساواة والتعاون المتوازن في إدارة الدولة، ووطن الانفتاح على جميع الدول بميزة الحياد الملتزم بقضايا الاستقرار والعدالة والسلام وحقوق الإنسان في بيئته العربية، والمتحرّر من الأحلاف والنزاعات والحروب الإقليميّة والدوليّة. وبهذه الميزات أعلنته مقدّمة الدستور "وطنًا نهائيًّا لجميع أبنائه" (عدد أ). ولكنّه لم يترافق بولاء نهائي.
عندما نلقي نظرة على واقعنا نشهد أنّنا نبتعد شيئًا فشيئًا عن هوّيتنا هذه. هذا الابتعاد المتواصل، من دون معالجة، أوقعنا في الأزمة السياسيّة الحادّة التي تسبّبت وتتسبّب بالأزمات الاقتصادية والماليّة والمعيشيّة والاجتماعية، كما وبسوء علاقات لبنان مع محيطه العربيّ.
أ- العيش المشترك: هو مشروع حضاريّ قائم على الإنتماء إلى الوطن بالمواطنة لا بالدين. ما يعني أنّ ميزة لبنان كما عبّر عنها المكرّم البطريرك الياس الحويّك في مؤتمر السلام بفرساي في فرنسا (1919) كونُه دولةً "تحُل الوطنيّة السياسيّة محلّ الوطنيّة الدينيّة". هذا هو أساس الفصل بين الدين والدولة في لبنان، وأساس تكوين الدولة اللبنانيّة على الحريّة، والمساواة في المشاركة، وحفظ التعدّديّة التي هي بمثابة القلب للبنان.
ب- الميثاق الوطنيّ: وضعه منجزو الإستقلال سنة 1943 على قاعدة "لا شرق ولا غرب"، لتكون الأساس لدولةٍ تحقّق أماني اللبنانيّين جميعًا، وتبعدهم عن المحاور والصراعات، وعن الإنشداد إلى إعتبارات تتخطّى الكيان اللبنانيّ ودولته. وهذه القاعدة كانت الأساس لبناء علاقات الدولة مع الخارج.
ج- الصيغة: هي التطبيق العمليّ للميثاق، وتنظّم المشاركة الفعليّة بين المكوّنات اللبنانيّة في النظام السياسيّ، وتحققها. أتت هذه الصيغة لتعكس التجربة التاريخيّة التي أثبتت أن لبنان لا يقوم إلّا بجناحيه المسيحيّ والمسلم. ولذا لم تقم يومًا على مقاييس العدد.
باب الحلّ
ويبقى الحياد الإيجابيّ الفاعل هو أنجع الطرق للحفاظ على التعدّديّة، والإرتكاز على قوّته الدفاعيّة بدعم الجيش وسائر القوى الأمنيّة، والإلتزام بقضايا الأسرة العربيّة، وبخاصّة القضيّة الفلسطينيّة، وتلك المتعلّقة بالعدالة والعيش معًا والتنوّع في الوحدة، وحقوق المواطنة، وبناء السلام.
قَدَرُ المؤمنين بكيانِ لبنان وهُويّتِه الوطنيّةِ ورسالتِه التاريخيّةِ أن يواجِهوا هذا الانحرافَ بكلِّ الوسائل التي يُتيحُها الدستورُ والقوانين، وهي كثيرةٌ وفعّالة، إذا أُحْسِن استعمالُها وإذا اتّحدَت القوى الوطنيّةُ حولَ برنامجِ إنقاذ. المعارضاتُ المبعثرةُ والأنانيّاتُ المنتشِرةُ لا تَصنع قوّةَ نضالٍ سياسيٍّ، ولا تَفرِزُ حركةَ تغييرٍ في المجتمع. فالتغييرُ يَحصُلَ في صناديقِ الاقتراع لا في الشارع. ولا يمكن السماح بإفقار الشعبِ اللبنانيَّ بالقوّة، وتقسيمه بالقوّة أيضًا، وهو الذي اختار وِحدةَ الكيانِ والحياة.
ثانيًا، رؤية الكنيسة التربويّة
والكلّ يعلم أيضًا أنّه عندما نقول "مدرسة" نعني طلّابًا ووالدين وإدارة وهيئة تعليميّة. وعندما نقول "تربية" نعني أيضًا رعيّة ومجتمعًا مدنيًّا ودولة. ولكلّ واحد وفئة دوره وواجباته في العمليّة التربويّة.
خاتمة