ما مر ويمر به المسيحيين من مآسي ومحن في العراق كان كافيا، بل واكثر، لترتيب بيتهم القومي- الديني اذا كان في قيادييه الدينيين والسياسيين ذرة من الحس بالمسؤولية والاخلاص، لكن ما حدث ويحدث يثبت للعامة من الشعب ان قضيتنا وكل مآسينا لم تكن سوى ماركة تجارية ووسيلة لتعظيم الذات وتثبيت الزعامة!.
الاختلاف في الرؤى والتفكير والتحليل بين الاشخاص والتيارات السياسية من الامور الطبيعية، لكن ان تتحول هذه الاختلافات الى اداة تدمير داخلية وذاتية لشعب بكامله فهذا قمة الجهالة في السياسة والعلوم السياسية، وقمة في الانانية لتكريس قضية شعب باكمله لخدمة بضعة نفوس ضعيفة تتخذ من اسمنا ومعاناتنا وسيلة لتحقيق مصالح ومنافع شخصية.
المرحلة المصيرية التي نمر بها والتي تكمن في الصراع مع البقاء تفرض علينا قول الحقيقة والاعتراف بها، وهذا ليس تشاؤما كما يرى البعض بقدر ما هو حقيقة واقعنا المر الذي نعيشه ودوامة الضياع التي ندور فيها مرغمين عاجزين، بسبب افتقارنا كشعب الى مرجعية موحدة وقيادة سياسية واعية تدرك حجم المأساة التي تحيط بنا من كل الجوانب والجهات.
فقدان الامل بالعيش في وطننا عجل رحلينا وسرع انقراضنا لان الهجرة والبحث عن عيش كريم بحرية دون مضايقات وملاحقات اصبحت هاجس كل مسيحي عراقي يحلم بحياة هادئة ومستقبل مشرق لابنائه، وهذا ليس بسبب الاضطهاد الديني وارهاب داعش ومضايقات الميليشيات والخارجين عن القانون فقط، بل هناك اسباب اخرى اكبر واقسى ترغمنا على الرحيل لكننا نجهلها او لا نريد الاعتراف بها اصلا، وهذه الاسباب هي داخلية، وباعتقادي، كل فرد من ابناء شعبنا يتحمل جزء منها بصورة او باخرى، واهم هذه الاسباب هي عدم ايماننا بقضيتنا!!! ونزاعنا البغيض على التسمية والانتماء الخغرافي ومن هو الاصل ومن هو الفرع ... وغيرها من التناحرات التي جعلت منا كشعب ومن قضيتنا مجرد مهزلة!! لا اكثر.
كلنا نعرف ان تاريخنا المسيحي في العراق وفي الشرق الاوسط عموما مكتوب بالدم، لكن ما تعرض له المسيحيين في العراق بعد 2003 من قتل واختطاف وتدمير لكنائس وتخويف وتكفير وتهجير قسري ...الخ يمكن اعتباره النفس الاخير لهذا المكون الاصيل في بلد كانوا اصله واصحابه، لكن كل ذلك لم يوقظ ضمير المحسوبين علينا من ساسة ( تجار ) لمحاولة لملمة الجهود لتوحيد الخطاب السياسي ومراعاة مصلحة شعبنا وتثبيت حقوقه.
لا احد يستطيع تبرئة نفسه، خصوصا من تسنموا مناصبهم باسمنا ومن استحقاقنا، لان جميعهم خانوا القضية وباعوها بابخس الاثمان، وكل ما قيل ويقال بخصوص القضية والامة والمستقبل ليس سوى كلمات فارغة من كل معنى الهدف منا واحد ومماثل الا وهو الاحتفاظ بالكرسي والتنعم بالمنصب مقابل مستقبل شعب وحياة ابنائه.
جميع الاعداء تعاملوا معنا كشعب واحد بدون عنصرية وتفرقة، فالكنائس عندما فجرت لم يسألوا عن مذهبها ومن تتبع، والذين اختطفوا وقتلوا باسم المسيح لم يسألوا عن انتمائهم القومي ( هل هو كلداني ام سرياني ام اشوري ) ولا الى اية كنيسة ينتمي، حتى داعش في غزوته كان ارحم علينا من نفسنا لانه تعامل معنا بدون تفرقة فلم يفرق بين الكنائس ولا بين الكلداني والسرياني والاشوري، لكن نحن ابناء الشعب الواحد فرقنا ذاتنا وتناحرنا حتى الموت على التسمية والانتماء الجغرافي وغيرها من الامور التافهة بينما الاعداء كانوا يفتكون بنا دون مقاومة، وكل ذلك لارضاء بضعة انانيين من المنتفعين من الوضع الحالي.
الاستقلالية والكتابة عن قضيتنا القومية- الدينية بصراحة يتطلب جرأة لان ذلك يعني محاربة رؤوس الفساد وتجار القضية والوقوف بوجه المتسلطين على رقابنا، وعكس ذلك فان التطبيل والتزمير والتدهين والنفاق تعني الاقتراب من تجار القضية والتنعم بالفتات، لذلك نلاحظ ان الجريئين والمخلصين يكونون في النهاية والبداية تكون للمتملقين في المناصب والندوات والمؤتمرات الصحفية ووووو، وهذا هو السبب الرئيسي لعدم وضع النقاط على الحروف من قبل كتاب شعبنا ومحاولة الاقتراب من هذا او ذاك حسب ما تقتضيه المصلحة الشخصية.
همسة: لا اظن ان هناك امل في ترتيب بيتنا القومي- الديني في وقتنا الحاضر مع بقاء هؤلاء التماسيح على العرش اما عند زوالهم فيكون لكل حادث حديث.
كوهر يوحنان عوديش