
عشتار تيفي كوم - ابونا/
انضمّ البابا لاون الرابع عشر، مساء يوم الاثنين 27 تشرين الأول 2025، إلى طلاب الجامعات الحبريّة، في إطار يوبيل عالم التربية، حيث وقّع رسالة رسولية كُتبت لإحياء الذكرى الستّين لوثيقة Gravissimum educationis، للتأمل في أهمية البيان المجمعي الراهنة، وفي التحديات التي تواجه التربية اليوم، ولا سيّما في المدارس والجامعات الكاثوليكية.
وسيُنشر نصّ الرسالة يوم الثلاثاء، 28 تشرين الأول.
وبعد توقيع الوثيقة، ترأس البابا القداس الإلهي في بازيليك القديس بطرس.
وفي عظته، استحضر البابا لاون المعنى العميق للحجّ الذي يميّز سنة اليوبيل، قائلاً: «إنّ الحياة تكون حيّة فقط إنّ كانت في مسيرة». وأوضح أنّ عبور عتبة الباب المقدّس يذكّرنا بأنّ الإيمان، مثل الحياة نفسها، ليس حالة جامدة، بل هو عبورٌ دائم من الموت إلى الحياة، ومن العبودية إلى الحرية، اختبارٌ لسرّ الفصح يدعونا إلى تجدّدٍ ورجاءٍ مستمرَّين.
من ثمّ، وجّه البابا لاون الرابع عشر انتباهه إلى الطلاب والباحثين، مطلقًا السؤال: أيّة نعمة يمكن أن تمسّ حياة الطالب أو الباحث أو العالِم؟ ثم أجاب: «إنّها نعمة نظرةٍ شاملة، نظرة قادرة على أن تدرك الأفق، وتذهب إلى ما هو أبعد».
في تأمله في قراءة إنجيل لوقا (13: 10-17)، والتي تقدّم صورة امرأة منحية الظهر منذ ثمانية عشر عامًا نالت الشفاء من يسوع، شبّه البابا الشفاء الذي نالته المرأة بـ«نعمة نظرة جديد». وقال إن حالة هذه المرأة تُجسّد حال الانغلاق الروحي والفكري، والعجز عن النظر إلى ما يتجاوز الذات. وأوضح: «عندما يصير الإنسان عاجزًا عن رؤية ما هو أبعد من نفسه، ومن خبرته، ومن أفكاره ومعتقداته ومخطّطاته، فإنّه يبقى أسيرًا، وعبدًا، وعاجزًا عن تكوين حكمٍ شخصيّ ناضج».
ومن هنا، تصبح الدراسة فعل تحرّر. فكما أقام المسيح المرأة لتقف منتصبة القامة، هكذا يرفع التعلّم الروح البشرية، فيشفيها من الإنغلاق على نفسها ويمنحها أفق أوسع - رؤية تحتضن السرّ والحقيقة والشركة مع الآخرين. وقال: «من يدرس يرتقي، ويوسّع آفاقه ورؤيته، ليكتسب نظرة لا تنظر إلى ما هو أسفل، بل تعرف أن تنظر إلى العُلى: نحو الله، ونحو الآخرين، ونحو سرّ الحياة».
وأضاف البابا متحسّرًا على واقع العالم المعاصر، حيث أصبح الإنسان «خبيرًا في أدقّ تفاصيل الواقع»، لكنه في الوقت ذاته ليس قادرًا على استعادة الرؤية الشاملة - «الرؤية التي تجمع بين الأمور وتربطها بمعنى أوسع وأعمق، بينما الخبرة المسيحيّة تريد أن تعلّمنا أن ننظر إلى الحياة والواقع بنظرة موحّدة، قادرة على أن تدرك كلّ شيء، وترفض كلّ منطق جزئي».
وأمام هذا التشتّت، دعا قداسته الطلاب وكل الذين يعملون في مجال البحث والتعليم إلى اكتشاف الانسجام بين العقل والروح من جديد، وهو ذلك الاتحاد الذي تجسّد في قدّيسين أمثال أغسطينوس وتوما الأكويني وتريزا الأفيلية وإديث شتاين.
وقال: «إنّ الكنيسة، اليوم وغدًا، بحاجة إلى هذه النظرة الموحّدة»، مشجّعًا الطلاب والأساتذة على أن يجعلوا من عملهم الأكاديمي ليس مجرّد تمرينٍ عقلي مجرّد، بل «واقعًا قادرًا على تغيير حياتنا، وتعميق علاقتنا بالمسيح، وفهم سرّ الكنيسة بشكلٍ أفضل، وجعلنا شهودًا شجعانًا للإنجيل في المجتمع».
وواصل البابا لاون الرابع عشر حديثه واصفًا رسالة المربّين بأنها عمل محبة حقيقية. وقال: «إنّ التربية تشبه المعجزة التي يرويها لنا هذا الإنجيل، لأنّ علامة المربّي هو أن ينهض بالآخر، وأن يقيمه كما فعل يسوع مع تلك المرأة المنحنية، وأن يساعده ليكون ذاته، وينضج وعيًا وفكرًا نقديًّا حرًّا».
ودعا قداسته الجامعات الحبريّة إلى مواصلة هذا العمل نفسه الذي قام به يسوع؛ «عمل محبّةٍ حقيقي، لأنّ هناك نوعًا من المحبّة يمرّ عبر أبجدية الدراسة، والمعرفة، والبحث الصادق عمّا هو حق، وعمّا يستحق العيش من أجله». وأضاف: «إنّ إشباع الجوع إلى الحقيقة وإلى المعنى هو مهمّة أساسيّة، لأنه بدون الحقيقة والمعاني الأصيلة يمكن للإنسان أن يسقط في الفراغ، بل ويمكن أن يموت».
وذكّر البابا الحاضرين بأنّ البحث عن الحقيقة لا يكشف المعرفة فحسب، بل يكشف أيضًا الانتماء. واستشهد بكلمات القديس بولس: «لم تَتلَقَّوا روحَ عُبودِيَّةٍ لِتَعودوا إِلى الخَوف، بل روحَ تَبَنٍّ» (روما 8: 15)، مؤكّدًا أنّه في مسيرة الدراسة والبحث، يستطيع كلّ إنسان أن يكتشف من جديد أعمق حقيقة على الإطلاق: «أنّنا لسنا مخلوقاتٍ أُلقيت صدفةً في هذا العالم، بل نتبع أحدًا يحبّنا، وله مشروع محبّةٍ في حياتنا».
وختم البابا لاون الرابع عشر عظته راجيًا أن يكون جميع العاملين في الحقل الأكاديمي «نساءً ورجالاً غير منحنين على أنفسهم، بل واقفين دائمًا، وقادرين على حمل فرح وعزاء الإنجيل إلى الأماكن التي سيذهبون إليها وسيعيشون فيها».