وتضيف: «كانت أمّي (نادين سليط)، وهي مديرة حضانة تابعة للكنيسة ومربّية في التعليم المسيحيّ، عيني الثانية في اختيار الكُتب، ومدرّبتي وداعِمتي الأولى. أمّا أبي فادي، وهو شمّاس في كنيستنا ويخدم كبار السنّ فيها، فكان سندي وقوّتي».
عشتار تيفي كوم - آسي مينا/
بقلم : سهيل لاوند
في زمن يطغى فيه الضجيج على صوت الكتاب، تبرز ناردين عيسى (12 عامًا)، بطلة «تحدّي القراءة العربيّ» لهذا العام على مستوى سوريا، بوصفها وجهًا مُشرِقًا يُعيد الاعتبار إلى الكلمة والقراءة. تنتمي ناردين إلى الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة في مدينة حماة، وتستعدّ بعد ثلاثة أيّام لخوض امتحان عن بُعد يجمع أكثر من 50 بطلًا عربيًّا، لاختيار المتأهّلين إلى النهائيّات المقرَّرة في الإمارات الشهر المقبل.
تقول ناردين عبر «آسي مينا» بثقة عميقة: «قصّتي مع تحدّي القراءة لم تبدأ بالمسابقة نفسها، بل منذ طفولتي الباكرة، حين كان الكتاب صديقي الأوّل. لقد تربّيتُ على مبدأ أنّ الكلمة ليست مجرّد متعة، بل مسؤوليّة، وأنّ القراءة هي النافذة الأجمل لرؤية العالم».
وتضيف: «كانت أمّي (نادين سليط)، وهي مديرة حضانة تابعة للكنيسة ومربّية في التعليم المسيحيّ، عيني الثانية في اختيار الكُتب، ومدرّبتي وداعِمتي الأولى. أمّا أبي فادي، وهو شمّاس في كنيستنا ويخدم كبار السنّ فيها، فكان سندي وقوّتي».
لم تقتصر رحلة ناردين على تلقّي الدعم من أسرتها، فقد وجدت في كنيستها «الطاهرة العذراء في حماة» منصّة أولى وقفت عليها أمام الناس، ممّا صقل شخصيّتها وأكسبها ثقة أكبر بنفسها. وكان للأب إسكندر الترك، الأديب والمرشد، أثر كبير في صقل موهبتها عبر تقديم النصائح اللغويّة، وإهدائها الكُتب، وحتّى في تطوير لغة الجسد. وتؤكّد: «صلوات مَن أحبّوني وآمنوا بي تبقى علامة لا تُنسى في حياتي».
تعدّ ناردين إيمانها المسيحيّ مصدرًا لقوّتها الداخليّة، وتستشهد بكلمات بولس الرسول: «أستطيع كلّ شيء في المسيح الذي يقوّيني». كما تشدّد على أنّ انتماءها إلى التراث السريانيّ منحها إحساسًا بالاستمراريّة الحضاريّة: «حين أقرأ، أشعر بأنّني أتابع رسالة أجدادي الذين قدَّموا العِلم والنور إلى العالم».
في مخزون قراءات ناردين أكثر من مئتي كتاب في مختلف المجالات، ترى فيها مئتي حياة عاشتها، عدا عن قراءتها الكتب المسيحيّة التي تقول إنّها منحتها سلامًا داخليًّا. وتشرح: «قرأتُ سِيَر الآباء والقدّيسين (منهم مار أفرام السريانيّ) التي علّمتني الصبر والثبات، إضافة إلى الكتاب المقدّس بعهدَيه، فضلًا عن سلسلة نارنيا للكاتب كليف ستيبلز لويس والتي أجد أنّها ليست مجرّد مغامرات خياليّة، بل نافذة لفهم القيَم المسيحيّة. وقرأتُ لكتّاب مسيحيّين معاصرين آخرين، أمثال أوسم وصفي، وغاري تشابمان، وهنري بولاد اليسوعيّ وغيرهم».
ناردين لا تخفي طموحها في بلوغ النهائيّات في الإمارات، لكنّها تربط حلمها بما هو أبعد من الجائزة: «أرى أنّ القراءة هي الطريق الأوّل لنهوض سوريا، وأؤمن بوصيّة يسوع: "فليُضِئ نوركُم هكذا قدّام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة، ويُمجّدوا أباكم الذي في السموات"».
من جهتها، تكشف والدة ناردين عبر «آسي مينا» عن ثلاث محاولات لناردين في هذه المسابقة امتدَّت ثلاث سنوات، توّجت أخيرًا بالفوز بعد دخولها التحدّي باستمتاع وإصرار كبيرين. وتؤكّد أنّ إنجازَ ابنتها لاقى اهتمامًا واسعًا؛ فقد نالت تكريمًا من وزارتَي التربية والإعلام، واتّحاد الكتّاب العرب، وعدد من المدارس.
وتتابع: «أكثر ما أثّر فيها كان استقبال راعي أبرشيّتنا المطران يوليان يعقوب مراد الذي قال لها: "أنتِ وجه مُشرق لكنيستكِ ووطنكِ، وهما أمانة بين يدَيكِ". ومنحها بركته التي وصفتها ناردين بأنها "أغلى من أيّ جائزة"، وأهداها مجموعة كتب سعدت بها، خصوصا بالقاموس السريانيّ – العربيّ. كذلك، التقت مطران حلب للسريان الكاثوليك ديونوسيوس أنطوان شهدا الذي خاطبها قائلًا: "افتخر بكِ... أنتِ ابنة سوريا القويّة"، وأهداها كتابه "اليوبيل الذهبيّ". وتعتبر ناردين أنّ أجمل تكريم حظيت به هو سماعها أحد الأطفال يقول: "أريد أن أقرأ لأنّ ناردين قرأت"».