المقدمة
قبل أن أبدأ بكتابة كلماتي في هذا الموضوع المخيف والشجاع، أقدم أسمى آيات الاعتذار لكل الشباب ولكل المسؤولين عن الأخويات الشبابية إذا ارتكبتُ خطأ
في هذا الموضوع، لذا فإني أبدأ بكتابته لهم وللقرّاء الكرام بما كتبه متّى الإنجيلي عن الشاب الغني ودعوته، وكيف جاء إلى يسوع يسأله (متى16:19-22).
فأنا في ذلك مدرك جيداً أن هناك مَن يقرأ كلماتي هذه ويجدها مفيدة، وهناك مَن لا يبالي بها أو حتى لا يهتم لها، وربما يتّهمني وأنا بريء في ذلك ولكن المهم أكتبها للتاريخ ولمسيرة الحياة، وهذه هي الحقيقة كما أُدركها الآن والرب يؤازرني ويقول "قولوا الحق والحق يُحرركم" (يو32:8). فبقولي للحقيقة هذه أكون قد عملتُ وعشتُ وصية الرب، ومن خلال هذه الوصية أكتب خبرتي لأبنائي الشباب ليدركوا مسيرتهم الحياتية دون تضييع الأيام الجميلة التي يعيشونها وخاصة في هذا البلد الجريح والمعروف بفساده منذ زمن وبمحاصصته وأمور أخرى، ولا زال يعيش أياماً قاسية وصعبة من بعض المتنفذين والمسؤولين والمتسلطين على رقاب الأبرياء والبسطاء.
ولا زالت السياسة تعمل مكان الإيمان، وتلعب دوراً كبيراً في مسيرة الحياة الإيمانية والكنسية والدنيوية، ويا للأسف أصبحنا معبداً للسياسة بدل أن نكون كنيسة تعلّم الإيمان والصلاة وتدرّس وصايا الله وتحيا حياة المؤمن المسيحي وتجمع أبناءها "كما تجمع الدجاجة فراخها" (متى37:23) فهي الأمّ والمعلّمة، وأصبحنا في داخلها موظفين "لا نعمل إلا ما أُمرنا به" (لو10:17) ونسينا أنه يوماً قال لنا "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّذوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 19:28) كما قال "مجاناً أخذتم، مجاناً أعطوا" (متى8:10).
يقول متّى الإنجيلي: وإِذا بِرَجُلٍ يَدنو فَيقولُ له:"يا مُعلِّم، ماذا أَعمَلُ مِن صالحٍ لِأَنالَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟" فقالَ له:"لماذا تَسأَلُني عَنِ الصَّالِح؟ إِنَّما الصَّالِحُ واحِد. فإِذا أَرَدتَ أَن تَدخُلَ الحَياة، فَحفَظِ الوَصايا". قالَ له:"أَيَّ وَصايا؟" فقالَ يسوع:"لا تَقتُلْ، لا تَزنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بِالزُّور. أَكرِمْ أَباكَ وأُمَّك"، و"أَحبِبْ قَريبَكَ حُبَّكَ لِنَفسِكَ". قالَ له الشَّابّ:"هذا كُلُّه قد حَفِظْتُه، فماذا يَنقُصُني؟" قالَ لَه يسوع:"إِذا أَرَدتَ أَن تكونَ كامِلًا، فذْهَبْ وبِعْ أَمْوالَكَ وأَعْطِها لِلفُقَراء، فَيكونَ لكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فتبَعْني". فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ هذا الكلام، اِنصَرَفَ حزينًا لأَنَّه كانَ ذا مالٍ كثير (متى 16:19-22) وقد ذُكر المَثَل هذا في الأناجيل الإزائية.
نظرة عامة
أقول: من المشاكل التي يعاني منها إنسان اليوم هو الحديث عن الشباب، والحديث عن هذه الشريحة جذّاب ومهم وفي نفس الوقت مخيف وخطر جداً لأنه قد ينقلب – كما أقول – إلى نوع من الهوس وإلى كلمات فارغة عبر مشاريع كبيرة لا تُكتَب إلا على ورق وأفكار لجاذبيثتها ولأهميتها، إذ يشعر الإنسان الشاب أنه قريب جداً من القلوب التي تحيط به، وبأن له الطاقات الهائلة والطموحات الواسعة وله رغبات كثيرة وخاصة في هذا الزمن، زمن التقدم العلمي والتكنولوجي، فيشعر بنفسه أنه يدرك كل شيء وينسى أن يأخذ الخبرة ممّن سبقوه في هذا المضمار، فيفكر في اللقاءات الكثيرة والاجتماعات الطويلة والمحاضرات السديدة هنا وهناك كما يعتبرها، ذهاباً وإياباً، وينسى الحقيقة التي تُعاش، مثله مثل هذا الشاب الغني الذي جاء إلى يسوع يطلب منه أن ينال الحياة الأبدية ونسي أن الحياة هي الحب والعطاء قبل المصلحة والمحاصصة.
في هذا الموضوع وهذه الكلمات وعبر هذا المقال لا أرمي إلى توجيه انتقاد هدّام، لا إلى الكنيسة ولا إلى الشباب ولا إلى الخورنة والمسؤولين عن إدارة الشباب، فالكنيسة هي كنيستي وأنا مَدينٌ لها، وأكيداً أعطيتُ من أيام حياتي وأيام شبابي من أجل الرعية والخورنة، ولأني تذكّرتُ أنني كنتُ يوماً شاباً فيها بالرغم ما يعتريها من شوائب وصعوبات. والشباب هم أبناء هذه الكنيسة وهذه الرعية والخورنة وربما أبنائي، وهم إخوتي وأخواتي وأولادي، ولا أريد إلا أن أحضنهم وأعلّمهم ما هو الأحسن لمسيرتهم الإيمانية رغم أنني في بلد متعَب، لا يعرف للسلام والأمان مكاناً ولا زماناً، لذلك أتمنى أن تكون كنيسة خورنتي كنيسة المسيح وليس كنيستي كما يفعل ويقول الكثير من المسؤولين عن إدارة الشبيبة أنهم يهيّئون شباباً لهم وليس لمسيحهم، وأن يكونوا في خدمة هذه الرعية، وأن يكون الشباب جميعاً في خدمة هذه الكنيسة، فهما ليس أمرين منفصلين بل "ربٌّ واحد وإيمانٌ واحد" (أفسس 5:4) ويتطلّعون إلى مستقبل حياتهم ولكن بعيون هذه الكنيسة وهذه الخورنة من أجل بنائهم الروحي ونهضتهم المستقبلية، وهذه حقيقة كلماتي اليوم بل في هذا المقال، حيث سأُلقي نظرة عن دور الشباب في كنيسة اليوم بعدما أتكلم عن ماذا تريد الكنيسة من شباب اليوم وماذا تعطي لشباب الزمن هذا، ثم نظرة عامة إلى كنيسة اليوم وما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه الشباب في كنيستهم وخورنتهم، فهم الكنيسة والكنيسة لهم، لأبنائهم ولآبائهم ولأمّهاتهم وإخوتهم وأخواتهم ولأقاربهم ولأبناء الرعية جميعاً بل هي "كلاً في الكل لتربح الكل" (1كو 22:9).
إذاً، لنلقِ هذه النظرة على الكنيسة وأخرى لنلقيها على شبابنا الحالي لكي نستخلص من هاتين النظرتين طريقة التعامل وعلاقات الشباب بالكنيسة وعلى الدور الذي ينتظره المسيح منهم وما تنتظره الكنيسة أو الخورنة وطريقة التعامل مع الاثنين، وكما قال الكتاب المقدس "أن الله رأى كل شيء حسن" (تك 31:1)، وتوجيه الشباب بحزم ودراية لكي يقفوا على صخرة صلبة من الإيمان الذي يعيشونه في قلوبهم وأن يكونوا بكل انتباه، ولكي يقفوا بكل قوة ولتكن التربية الإنجيلية هي أساس كل نشاط وعمل ورسالة مكاناً لنموهم الروحي، وتوفر لهم الغذاء الكافي لمسيرتهم، حاملين مصباح المسيح والكنيسة إلى ظلمات بلدهم وفساده، إلى ظلمات العالم المغشوش بالإنسان المصلحي الذي يفتش عن هواه دائماً ولا يبالي بالجماعة أو بخدمة الرعية أو الخورنة لينيروه ويعلّموه، ويمتلئ من القيم الأصيلة لئلا يبقى الشباب تائهين في هذه الحياة عبر مثاليات وينسوا حقيقة المسيح المتواجد في داخلهم من أجل أن يكونوا له مخلصين ليس إلا، ولا يكونوا مثل الشاب الذي أراده المسيح فذهب حزيناً لأنه كان صاحب أموال كثيرة. فالويل لشبابنا اليوم إذا ذهبوا حزانى دون أن يلبّوا نداء المسيح وخاصة في هذا الزمن القاسي... (وإلى الحلقة الثانية).