في كل دورة انتخابية، يحرص قادة الأحزاب على ترشيح أكبر عدد ممكن من المرشحين، لا حرصاً على الكفاءة ولا بحثاً عن أصحاب المشاريع الوطنية، بل سعياً إلى جمع أكبر قدر من الأصوات التي تُضاف إلى رصيد الحزب أو التحالف، وفقًا لقانون "سانت ليغو" سيّئ الصيت، الذي مكّن الكتل الكبرى من احتكار المقاعد حتى عبر مرشحين لا يملكون أدنى ثقل جماهيري.
هذا الواقع المقلوب، الذي تُدار فيه الانتخابات كما تُدار الأسواق، أفرز ظاهرة خطيرة تتكرّر كل دورة، وهي ظاهرة "المرشحين الرخيصين" الذين لا غاية لهم في الوصول إلى البرلمان، ولا يحملون مشروعاً إصلاحياً أو رؤية وطنية، بل يدخلون سباق الانتخابات كوسيلة للابتزاز أو جني الأموال، مستغلين مزايدات الأحزاب، ومناخ الفوضى الذي يسبق الاقتراع.
بعضهم لا يعرف من السياسة سوى لافتة يرفعها، ولا من الخدمة العامة سوى الوعود الفارغة، يدخلون السباق كأدوات عبور لغيرهم، أو كواجهة لصفقات مشبوهة، حيث تُباع الأصوات وتُشترى الذمم، وتُختزل الديمقراطية إلى تجارة خاسرة.
لكن الأخطر من ذلك، هو أن هذه الظواهر لا تحدث في الفراغ، بل تجد بيئةً خصبة في مجتمع أنهكته الأزمات وفقد الثقة بكل شيء، إن القبول الشعبي الضمني بوجود هؤلاء المرشحين "ولو على سبيل السخرية أو اللامبالاة" يكشف حجم الانحدار الذي أصاب الوعي السياسي العام. حين يصبح "الترشيح" مجرد ورقة للعب، و"الانتخاب" مناسبة للصفقات، تتحوّل الديمقراطية إلى مسرح عبثي، والمواطن إلى متفرجٍ سلبي على مشهد يُعاد إنتاجه كل أربع سنوات.
ومن هنا، تأتي أهمية استعادة المعنى الحقيقي للاقتراع: أن يكون تعبيراً عن الإرادة الحرة، واختياراً مبنياً على الوعي، لا على الوعد الزائف أو الرشى الانتخابية، إن صوتك أمانة، وورقة الاقتراع قد تكون أعظم من كل الخطب، لأنها تختصر المستقبل في لحظة.
فلا تهبها لمن لا يستحق، ولا تضعها في صندوق يملكه ناهب أو دجّال، كن يقظاً لا تغرّك الدعاية الكاذبة، ولا تنخدع بالهدايا الزائفة. فبصوتك تُبنى الكرامة، أو تُجهض بها الآمال.