كم هو مؤلم أن نستمع إلى كلمات معسولة عن "المحبة" تنطلق من شفاه لا تعرف معناها الحقيقي، أو أن نقرأ عبارات رقيقة تصف أسمى المشاعر بينما حياة كاتبها تخلو من أي أثر لها. يصبح الحديث عن المحبة زيفًا، بل وخداعًا، حين لا يكون له جذور راسخة في القلب ولا يتجسد في واقع معاش.
إن المحبة ليست مجرد كلمة نتداولها أو شعارًا نرفعه في وجه العالم. إنها جوهر إنساني عميق، ينبع من سلام داخلي حقيقي ويتدفق ليغمر الآخرين بالدفء والعطاء. هي فعل قبل أن تكون قولًا، وتجربة معاشة قبل أن تكون مجرد مفهوم نظري.
عندما يتحدث شخص عن المحبة بينما قلبه مثقل بالضغينة والحسد، أو لسانه يقطر سمًا من الغيبة والنميمة، فإن كلماته تصبح كذبًا صريحًا. وعندما يدعو إلى الإيثار وهو غارق في أنانيته، أو ينادي بالتسامح وروحه تتوق للانتقام، فإن حديثه يصبح نفاقًا مقيتًا.
إن المحبة الحقيقية تظهر في التفاصيل الصغيرة لحياتنا اليومية. إنها في اللمسة الحانية على كتف مهموم، وفي الإصغاء المتعاطف لشكوى صديق، وفي التضحية بوقتنا وجهدنا من أجل سعادة الآخرين. إنها في الفرح لفرحهم، والحزن لحزنهم، وفي مد يد العون دون انتظار مقابل.
أولئك الذين يكثرون الحديث عن المحبة بينما حياتهم تخلو من هذه التجليات الصادقة، يشبهون ممثلًا بارعًا يتقن دوره على المسرح لكنه يعيش شخصية مختلفة تمامًا خلف الكواليس. كلماتهم قد تبدو مؤثرة للوهلة الأولى، لكن سرعان ما ينكشف زيفها أمام تناقضها الصارخ مع أفعالهم.
لا يمكننا أن ندعي المحبة ونحن نتجاهل آلام الآخرين، أو نقلل من شأن معاناتهم، أو نسعى لاستغلالهم لتحقيق مكاسب شخصية. إن المحبة الحقيقية ترى في كل إنسان قيمة تستحق الاحترام والتقدير، وتسعى لرفعته لا لإذلاله.
فلنتوقف عن تجميل حديثنا بكلمات المحبة الرنانة، ولنركز بدلًا من ذلك على تجسيدها في سلوكنا اليومي. لنزرع بذور الود في كل تفاعل لنا مع الآخرين، ولنجعل أفعالنا هي اللغة الصادقة التي تعبر عن مشاعرنا الحقيقية.
حينما تنطق بكلمة "المحبة"، تأكد أنها نابعة من قلب صادق وعقل واعٍ، وأن حياتك تشهد على صدق هذا الشعور النبيل. لأن حديثك عن المحبة كذب، وزيف، وخداع، إن لم تعشها بكل جوارحك. اجعل حياتك هي البرهان، وأفعالك هي الشاهد الأمين على صدق محبتك.