كثيرًا ما ننظر إلى أنفسنا من خلال مرآة العالم، فنعكس صورًا مشوشة تتأثر بتقييمات الآخرين، وإنجازاتنا المادية، ومكانتنا الاجتماعية. لكن السؤال الأعمق الذي يستحق التأمل هو: مَن نكون حقًا في نظر الله؟ نظرة تتجاوز الظاهر الزائل لتصل إلى جوهر وجودنا وقيمتنا الحقيقية.
في صميم الإيمان، تُقدم لنا رؤية مختلفة جذريًا لذاتنا. نحن لسنا مجرد كائنات عابرة في هذا الكون الفسيح، بل نحن خليقة فريدة ومحبوبة للخالق العظيم. لقد خلقنا الله على صورته ومثاله، نفخ فينا من روحه، ومنحنا عقلًا وقلبًا يميزاننا عن سائر المخلوقات. هذه الحقيقة الأساسية تمنحنا قيمة وكرامة أصيلة لا يمكن لأي ظرف خارجي أن ينتقص منها.
في نظر الله، لا تُقاس قيمتنا بكم نملك أو ما حققنا من إنجازات دنيوية. إنما تُقاس بقلوبنا، بنوايانا، وبمدى سعينا نحو الخير والحق والجمال. إنه ينظر إلى العمق الداخلي، إلى بذرة القداسة الكامنة في كل واحد منا، والتي دعانا إلى تنميتها ورعايتها.
قد نشعر بالضآلة والضعف أمام عظمة الكون وقوته، وقد تغمرنا مشاعر النقص والعجز في مواجهة تحديات الحياة. لكن في نظر الله، نحن لسنا مجرد ذرات غبار تائهة. نحن أبناء وبنات محبوبون، يحمل كل واحد منا بصمة فريدة وقدرات خاصة وهدفًا مقصودًا في هذا الوجود.
إن الله يرانا بكل تعقيداتنا، بنقاط قوتنا وضعفنا، بأفراحنا وأحزاننا. إنه لا يتجاهل أخطاءنا وعثراتنا، لكنه ينظر إليها بعين الرحمة والغفران، فاتحًا لنا دائمًا أبواب التوبة والرجوع. حبه لنا ليس مشروطًا بكمالنا، بل هو حب أبوي أبدي يحتضننا كما نحن، ويسعى دائمًا لتقويم مسارنا ورفع شأننا.
في نظر الله، كل نفس بشرية هي كنز ثمين. لقد ضحى ابنه الوحيد من أجل خلاصنا، وهذا أعظم دليل على القيمة اللامتناهية التي نتمتع بها في عينيه. هذه الحقيقة يجب أن تغير نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخرين. يجب أن نتعامل مع ذواتنا ومع بعضنا البعض بتقدير واحترام يليقان بهذه الكرامة الإلهية التي منحنا إياها.
إن معرفة من نكون في نظر الله تحررنا من قيود التقييمات البشرية الزائلة. إنها تمنحنا ثقة راسخة بالنفس، وشعورًا عميقًا بالأمان والانتماء. إنها تدعونا إلى أن نعيش حياتنا بمسؤولية وغاية، ساعين إلى تحقيق الإمكانات التي وهبنا إياها الخالق، وأن نكون نورًا وملحًا في هذا العالم.
فلنتوقف قليلًا عن النظر إلى مرآة العالم، ولننظر بعمق إلى المرآة الإلهية التي تعكس صورتنا الحقيقية: صورة مخلوق فريد ومحبوب، يحمل في داخله بذرة القداسة والقدرة على الخير، ومدعُوٌّ لعلاقة حب أبدية مع خالقه. عندها فقط سنكتشف من نحن حقًا، وما هي قيمتنا الحقيقية في هذا الوجود.