كرسيّ البابا في بازيليك القدّيس بطرس-الفاتيكان يوم 3 أبريل/نيسان 2015 قبل بدء رتبة آلام الربّ بمناسبة الجمعة العظيمة | مصدر الصورة: مارتا كالديرون/وكالة الأنباء الكاثوليكيّة
عشتارتيفي كوم- آسي مينا/
بعد وفاة البابا فرنسيس، تدخل الكنيسة الكاثوليكية مرحلةً تُعرَفُ بشغور كرسي بطرس أو «سيديه فاكانتي» باللغة اللاتينية. وينطوي هذا الفراغ على سلسلة من رموز وتقاليد وبروتوكولات اعتُمِدَت منذ قرون تعبّر عن جوهر خلافة القديس بطرس الرسول.
يتوسّط هذا المشهد أمين الخزانة البابويّ، المعروف بـ«كاميرلينغو»، وهو في الوقت الحاليّ الكاردينال الإيرلندي كيفن فاريل، رئيس دائرة العلمانيين والأسرة والحياة ومطران دالاس الأميركيّة سابقًا. يشغل أمين الخزانة البابويّ منصبه بتعيينٍ من البابا، واختار فرنسيس الكاردينال فاريل عام 2019، ليحلّ محلّ الكاردينال الفرنسي الراحل جان لويس توران.
ما عمل أمين الخزانة البابويّ؟
ينظّم مسؤوليات أمين الخزانة البابويّ الدستور الرسولي الذي أصدره البابا فرنسيس عام 2022 «أعلنوا البشارة»، وهو ينصّ على وظائف مكاتب الكوريا الرومانية، أي الإدارة المركزيّة للفاتيكان، وهيكليتها.
ويوضح دستور رسوليّ آخر بعنوان «قطيع الرب العالمي»، وَضَعَه البابا القديس يوحنا بولس الثاني عام 1996، ترتيبات شغور كرسي بطرس وانتخاب بابا جديد.
وجرت العادة أن يترأّس أمين الخزانة البابويّ الغرفة الرسولية، وهي مؤسسة تعود إلى القرن الثاني عشر مُكلَّفة بإدارة ممتلكات الكنيسة في خلال فترة الشغور. وتتألف من أمين الخزانة البابويّ، ونائب الغرفة، والمدقّق العام، ومجمع مسؤولي الإكليروس.
لكنّ الغرفة الرسولية أُلغِيَت بموجب الدستور الرسولي «أعلنوا البشارة». فبقي دور أمين الخزانة البابويّ ويسانده ثلاثة كرادلة: الكاردينال المساعد الأول هو منَسِّق مجلس الاقتصاد، أمّا الاثنان الآخران «فيُحَدَّدان وفقًا للأساليب المنصوص عليها في التشريع الخاص في حال شغور الكرسي الرسولي وانتخاب حبر أعظم».
التأكَّد من الوفاة وكسر خاتم الصيّاد
بعد وفاة البابا، يتعيّن على أمين الخزانة البابويّ، المعروف بـ«كاميرلينغو»، «التأكد من وفاة أسقف روما، بحضور رئيس المراسم الليتورجية البابوية، ورجال الإكليروس في الغرفة الرسولية، وأمين السر والمستشار»، وفقًا للدستور الرسولي «قطيع الربّ».
يكسر أمين الخزانة البابويّ خاتم الصياد، أيّ الخاتم الذي يرتديه البابا للمرة الأولى في حفل تنصيبه حبرًا أعظم، فيُلغى بذلك ختم الحبرية. ويُدعى بـ«خاتم الصيّاد» دلالة على أنّ من يرتديه هو خليفة بطرس، صيّاد الجليل. يُقفِل أمين الخزانة أيضًا مكتب البابا وغرفة نومه بوضع أختامٍ كي لا يتمكن أحدٌ من دخول الغرف البابوية إلا بعد دفنه.
قد تختلف العملية قليلًا مع وفاة البابا فرنسيس، إذ اختار الأخير الإقامة في دار القديسة مارتا بدلًا من القصر الرسولي الفاتيكانيّ عقب انتخابه عام 2013. لذا، في هذه الحالة، ينبغي لأمين الخزانة إغلاق الغرف البابوية التي لم تُستَخدَم في خلال الحبرية، ومكان إقامة البابا في بيت الضيافة الفاتيكاني.
إبلاغ سكّان روما بالخبر
بعد هذه الإجراءات، يُخطِر أمين الخزانة النائب الرسولي لأبرشية روما بوفاة البابا. وينقل النائب الرسولي، الكاردينال بالداساري رينا، النبأ إلى شعب روما عبر إعلانٍ خاص.
ويتعيّن على أمين الخزانة أيضًا إبلاغ رئيس الكهنة في بازيليك القديس بطرس، الكاردينال ماورو غامبيتي. ومن ثمّ يصبح أمين الخزانة المُشرِف على القصر الرسولي في الفاتيكان ومبنى اللاتران وكاستل غاندولفو.
ترتيبات للجنازة
يتّخذ أمين الخزانة أيضًا جميع الترتيبات اللازمة لجنازة البابا ودفنه بعد التناقُش مع أعضاء مجمع الكرادلة.
لا منصب في الفاتيكان اسمه «نائب البابا». لذا، لا يتولّى أمين الخزانة السلطة البابوية في ذاتها، بل يُشرف حصرًا على الإدارة العاديّة، بمعاونة ثلاثة كرادلة. ويكون أمين الخزانة على تواصل دائمٍ مع مجمع الكرادلة.
تابوت خشبيّ بسيط
وضَع البابا فرنسيس إصلاحات في خدمة الجنازة البابوية. فلا يُؤكَّد نبأ وفاة البابا في الغرفة حيث قضى لحظاته الأخيرة، بل في الكابيلا البابوية. يدعو أمين الخزانة البابا المُتَوَفَّى ثلاث مرات باسمه في المعمودية، ومن ثمّ يُعتَمَد الاسم الذي ناله في المعمودية للإشارة إليه، بدلًا من الاسم البابوي، إذ تتوقّف الخدمة البابويّة عند الوفاة. ولا يُعتَمَد اليوم تقليد طَرق البابا المتوفى ثلاث مرات بمطرقة فضية صغيرة على رأسه.
يوضَع بعدها جثمان البابا في داخل تابوت مفتوح، بدلًا من نعشٍ مرتفعٍ يُسَمّى فراش الموت أو «كاتا ليتو» باللاتينية، على غرار ما حدث بعد وفاة يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر. وفي تعديل البابا فرنسيس للطقوس، يُلغى استخدام ثلاثة توابيت، واحد من خشب السرو وآخر من الرصاص وآخر من خشب السنديان. وعوضًا عن ذلك، يوضَع الجثمان في تابوت خشبي بسيط مع بطانة من الزنك ويُنقَل إلى كاتدرائية القديس بطرس، إذ لا يُعرَض الجثمان اليوم في القصر الرسولي أيضًا وفق ما جرت العادة.
مراسم الجنازة
يُحتَفَل بمراسم الجنازة التي تُدعى «قداس الغفران» في كاتدرائية القديس بطرس أو ساحة القديس بطرس، ويحضرها وفود وشخصيّات من مختلف أنحاء العالم. ويوضع جثمان البابا في تابوت خشبي عادي، ويُغطّى وجهه بوشاح من الحرير.
ولا يُسمَح لأي شخص بالتقاط صور للبابا ما لم يأذن له أمين الخزانة بشكلٍ خاص. ويجب التقاط صور للأب الأقدس مرتديًا الزي البابوي.
وكانت تقاليد قديمة تقضي بإزالة أعضاء البابا الداخليّة وحفظها في حاويات خاصة في كنيسة القديسَيْن أناستاسيو وفينتشنزو في روما قبل تحنيط الجثمان. إلّا أنّ البابا القديس بيوس العاشر ألغاها.
إخلاء المناصب الفاتيكانيّة الرفيعة
عقب وفاة البابا، يُخلي جميع الكرادلة في الكوريا الرومانية، بمن فيهم أمين سرّ دولة الفاتيكان، مناصبهم. وتبقى مناصب قليلة محفوظة في خلال فترة الشغور، مثل مناصب أمين الخزانة البابويّ، ورئيس ديوان التوبة الرسوليّ، والمرشد الروحي البابوي، والكرادلة النواب الرسوليين في روما ودولة الفاتيكان، وعميد مجمع الكرادلة.
ولاحقًا، يستدعي أمين الخزانة البابويّ الكرادلة لعقد جمعيات عامة تسبق انتخاب البابا الجديد. وبعد مرور 20 يومًا على وفاة البابا، يجتمع الكرادلة المؤهلون للتصويت لخليفة بطرس الجديد في مجمع انتخابيّ مُغلَق يُعرَف بكونكلاف.