عشتار تيفي كوم - آسي مينا/
إلى الشمال من البصرة، وعلى ضفاف نهر دجلة، تقع العمارة، مركز محافظة ميسان. وقد حملت أبرشيّة كنيسة المشرق المزدهرة منذ القرن الثاني الميلاديّ هناك اسم (براث ميشان)، ومنذئذٍ تَواصَل الحضور المسيحيّ فيها عبر القرون، متذبذبًا بين زيادةٍ ونقصان.
فكيف هي أحوال مسيحيّي ميسان اليوم وهل ثمّة بقيّة باقية هناك؟ «آسي مينا» حاورت المطران حبيب هرمز، راعي أبرشيّة البصرة والجنوب الكلدانيّة، فأوضح أنّ أعداد المسيحيّين عاودت تزايُدَها في مدن جنوب العراق مطلع القرن العشرين، منجذبةً بالنموّ الاقتصاديّ تارةً، أو لأنّهم اضطرّوا تارات، إثر الهجرة الاختياريّة أو القسريّة من أعالي وادي الرافدين، تركيا الحاليّة، بسبب ويلات الحرب العالميّة الأولى وهربًا من مذابح سيفو التي طالت المسيحيّين.
بين الأمس واليوم
وأشار إلى أنّ إحصائيّات الخوري يوسف تفنكجي عام 1913 أحصَت كلدان الجنوب كلّه بقرابة 8000 مؤمن، كان يخدمهم خمسة كهنة في ثلاث كنائس ولديهم مؤسّساتهم ومدارسهم. كما قدّرهم التعداد الحكوميّ عام 1920 بأرقام مُقاربة.
وسط غالبيّةٍ من المسلمين الشيعة هم سكّان العمارة، «لم يتبقَّ اليوم سوى ستّ عشرة عائلة مسيحيّة»، كما صرّح هرمز. وتابع: «بعد أن كانت في القرن التاسع عشر باقةً ملوّنةً من المكوّنات المتنوّعة، يقطنها مسيحيّون كلدان وسريان إلى جانب اليهود والصابئة المندائيّين، تسبّبت ظروف البلاد المضطربة في تناقص أعداد جميعهم، فالعائلات اليهوديّة رحلت تمامًا في منتصف القرن الماضي، ولم يبقَ من المندائيّين سوى قرابة 200 عائلة».
ستّ عشرة عائلة فقط
وأردف: «بلَغَ عدد عائلات ميسان المسيحيّة مطلع الثمانينيّات، قبيل اندلاع الحرب العراقيّة الإيرانيّة، قرابة الأربعين. تَناقصَ عددهم لاحقًا بسبب ظروف الحرب، ثمّ تضاءل عقب 2003 وما شهدته البلاد من أحداث، فلم يبقَ منهم سوى 16 عائلة اليوم».
في المدينة اليوم كنيستان؛ الأولى كلدانيّة على اسم العذراء أمّ الأحزان، تأسّست عام 1880، وكنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك التي تأسّست عام 1940. وقد شهدتا إعمارًا وصيانةً مرّاتٍ عدّة، بهمّة الكنيسة والحكومة المحلّيّة التي لا تبخل عليهما، فضلًا عن بعض المساعدات من الكنائس الغربيّة، وفق ما قال هرمز.
قدّاس شهريّ ومحبّة يوميّة
واسترسل: «يخدم كاهنٌ كلدانيّ من البصرة كنيسة العمارة، ويحتفل بالقدّاس مرّة واحدة شهريًّا. وهناك شمّاس إنجيليّ سريانيّ كاثوليكيّ من أبناء المدينة. وخدمت رسالةٌ للراهبات الدومينيكيّات المدينة مطلع القرن العشرين، قبل إغلاقها بسبب الحربَين العالميّتَين».
الجدير بالذكر أنّ عددًا من البطاركة الكلدان زاروا كنيسة العمارة ومؤمنيها إبّان القرن المنصرم، لا سيّما البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني الذي كان كلّما زار البصرة تفقَّدَ أيضًا الرعايا في مدن الكوت والعمارة والأهواز. كما زارها البطريرك الكلدانيّ الكاردينال لويس روفائيل ساكو عام 2014.
وإن غادرها مسيحيّوها، فالزيارات لا تنقطع عن الكنيسة الشهيرة بمزار السيّدة العذراء، فهي قِبْلة الزوّار والمصلّين من أبناء المدينة، وبخاصةٍ النساء، متضرّعين إلى العذراء وطالبين عونها، وإذ ينالون طلباتهم، يُعلّقون لافتات الشكر على جدران الكنيسة اعترافًا بِفَضلها.