عشتارتيفي كوم- بطريركية السريان الكاثوليك/
في تمام الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الأربعاء 25 كانون الأول 2024، احتفل غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بقداس عيد ميلاد الرب يسوع بالجسد، وذلك على مذبح كنيسة مار اغناطيوس الأنطاكي، في الكرسي البطريركي، المتحف – بيروت.
عاون غبطتَه المونسنيور حبيب مراد القيّم البطريركي العام وأمين سرّ البطريركية، والأب كريم كلش أمين السرّ المساعد في البطريركية وكاهن إرسالية العائلة المقدسة للمهجَّرين العراقيين في لبنان. وخدم القداس بعض الشمامسة من طلاب إكليريكية سيّدة النجاة البطريركية - الشرفة، بحضور ومشاركة جموع غفيرة من المؤمنين الذين قَدِموا ليشاركوا في القداس ويهنّئوا غبطته بالعيد، من مختلف رعايا أبرشية بيروت البطريركية ومن إرسالية العائلة المقدسة.
في بداية القداس، أقام غبطته الرتبة الخاصّة بعيد الميلاد بحسب الطقس السرياني الأنطاكي، وفي نهايتها، رنّم غبطته الإنجيل المقدس من بشارة القديس لوقا، ثمّ أضرم ناراً في موقدة وُضِعَت في وسط الهيكل، وزيّح فوقها الطفل يسوع. بعدئذٍ طاف غبطته في زيّاح حاملاً الطفل يسوع، يتقدّمه الكهنة والشمامسة والأطفال، فيما الجوق ينشد تسبحة الملائكة "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر"، وترانيم الميلاد، ليوضَع بعدها الطفل يسوع في المكان المرموز به إلى المذود في المغارة التي نُصِبَت داخل الكنيسة.
وفي موعظته بعد الإنجيل المقدس، استهلّ غبطة أبينا البطريرك كلامه بتحيّة المعايدة الميلادية "وُلِدَ المسيح... هللويا"، متوجّهاً إلى جميع المشاركين في هذا الاحتفال الروحي المبهج، شاكراً إيّاهم على حضورهم ومشاركتهم في عيد ميلاد الرب يسوع في بيت لحم.
وتناول غبطته "القراءة الأولى من سفر إشعيا، فقبل 600 سنة هذا النبي يتنبّأ عن مجيء المخلّص الذي هو رئيس السلام، وسمعنا كيف يتكلّم عن هذه الملاقاة الودّية بين جميع كائنات الأرض، حتّى الحيوانات. إذاً نقول إنّ هذا النبي كان من دعاة ما يُسمَّى اليوم الدفاع عن البيئة، الحيوانات الكاسرة والأليفة تسكن وتعيش مع بعضها البعض، أي العنف مع دعاة السلام والاعتدال".
وأشار غبطته إلى أنّه "في القراءة الثانية من الرسالة إلى العبرانيين، يتوجّه الكاتب إلى إخوته المؤمنين من اليهود، ويذكّرهم أنّ الله بعدما كلّم سابقاً البشرية بأنبياء كثيرين، كلّمنا في آخر الأزمنة بابنه الوحيد الذي هو المخلّص، المسيح المنتظَر. ومن هنا نفهم لماذا نسمّي يسوع المسيح كلمةَ الله، الكلمة التي أوحت لنا حقيقة الله".
ولفت غبطته إلى أنّه "في الإنجيل المقدس بحسب لوقا، والذي تلوناه عليكم، سمعنا حدث الميلاد، حيث يكتب لنا لوقا أنّه في زمن ولاية كيرينيوس على سوريا، ويذكر أنّ يسوع وُلِدَ في بيت لحم اليهودية. نتأمّل جميعنا بالأوضاع الراهنة في سوريا، هذه القلاقل التي ظهرت فجأةً وقلبت الأمور رأساً على عقب، ولا نعلم إلى أين سنصل. وبيت لحم اليوم، كسائر مدن وقرى الأراضي المقدسة، لا تستطيع أن تحتفل بفرحة عيد الميلاد كالمعتاد بسبب الأحداث العنيفة التي جرت في غزّة والمناطق الأخرى من الأراضي المقدسة".
ونوّه غبطته إلى أنّ "الملائكة ينشدون المجد لله وعلى الأرض السلام للناس ذوي الرجاء الصالح. إذاً منذ أكثر من ألفي سنة ونحن ننشد هذا النشيد الملائكي عن مجد الله وعن السلام، ونتساءل أين هو هذا السلام، وكيف وما معنى تمجيد الله عندما يسعى الناس الأقوياء إلى التغلُّب على الضعفاء والاستبداد بهم؟ فأين هو الدين الصحيح الذي يمجّد الله مع قبول الآخرين مهما تعدَّدت دياناتهم وطوائفهم وإثنياتهم ولغاتهم؟ تقولون لنا إنّهم سيؤسِّسون دولة مدنية، ونعلم أنّ الدولة المدنية ليس فيها أكثرية وأقلّيات. في الدولة المدنية، الجميع متساوون بموجب دستور يحافظ ويدافع عن حقوق جميع المواطنين. يتكلّمون عن دولة مدنية، ويسعون أن يفرضوا على الجميع ديناً واحداً مهما كان، لأكثرية أو لغيرها. يتكلّمون عن دولة مدنية، ويتناسون أنّ الجميع متساوون، وأنّ علينا أن نقبلهم وأن نحافظ على حضارتهم وإيمانهم وتعدُّديتهم".
وأكّد غبطته على أنّ "هذا ما ندعو إليه اليوم في فرحة هذا العيد، ضارعين إلى الله كي يحلّ أمنه وسلامه في بلادنا، من خلال هذه الفرحة التي نفرحها. عائلاتنا، أكان في العراق أو سوريا أو لبنان، تجابه الصعوبات والتحدّيات الكثيرة والخطيرة، ونحن نعلم ماذا حصل منذ عقدين في العراق، هذا النزوح الكبير المخيف لِما يُسمَّى المكوِّنات الصغيرة، وبشكل خاصّ للمسيحيين. يطلبون الحقوق وحرّيتهم الدينية وكرامتهم الإنسانية، وللأسف في بلاد خارج منطقتنا الشرق أوسطية. ونسمع ونشاهد ماذا يحدث في سوريا، يَعِدُوننا بوعود لم تتمكّن أيّة فئة من الحكّام أن تطبّقها، لا ماضياً ولا حاضراً، لكنّنا نطلب من حميع المسؤولين أن يحافظوا على حضارة سوريا التعدُّدية، كما على حضارة العراق التعدُّدية، كي يستطيع جميع المواطنين أن يعيشوا بوئام واحترام متبادَل".
وتطرّق غبطته إلى الأوضاع في لبنان، فقال: "أمّا لبنان اليوم، علينا أن نتذكّر أنّ هذا البلد كان دوماً موئلاً لجميع المضطهَدين، وملجأً لكلّ من ينشد الحرّية، إن كانت دينية أو مدنية. لذلك نسعى، إن كنّا مسيحيين أو مسلمين، مع جميع ذوي الإرادة الصالحة، أن يتحقّق لنا هذا الحقّ الذي يحقّ لجميع المواطنين، وهو انتخاب رئيس للجمهورية، وتكوين الحكومة والمؤسَّسات الدستورية".
وختم غبطته موعظته قائلاً: "نعم، ملائكة الرب أنشدت السلام والرجاء الصالح لبني البشر، واليوم نحن أيضاً معكم، في صلواتنا وأدعيتنا، نناشد الرب المولود من حشا مريم العذراء بقوّة الروح القدس في بيت لحم، أن يحلّ أمنه وسلامه في شرقنا وفي العالم كلّه، ويجمع قلوب جميع المواطنين بالمصالحة الحقَّة والاحترام المتبادَل، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة النجاة، وسيّدة العائلة المقدسة، وجميع القديسين والشهداء في بلادنا، كي يتحقّق هذا النشيد: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر".
وقبل نهاية القداس، وجّه المونسنيور حبيب مراد كلمة تهنئة بنوية إلى غبطته، باسم جميع الحاضرين، سائلاً الله أن يديمه بالصحّة والعافية والعمر الطويل، ويحفظه راعياً صالحاً للكنيسة، مقدّماً التهنئة للجميع بهذه المناسبة المباركة، ومتمنّياً أن يشرق نور مولود بيت لحم الإلهي في عتمة شرقنا المعذَّب ويمنحنا السلام والاستقرار.
وبعدما منح غبطة أبينا البطريرك البركة الختامية، تقبّل غبطته تهاني المؤمنين بمناسبة هذا العيد المجيد في الصالون البطريركي، في جوّ من الفرح الروحي.