عشتارتيفي كوم- أبونا/
التقى البابا فرنسيس، في كاتدرائية ديلي عاصمة تيمور الشرقية، الثلاثاء 10 أيلول 2024، الأساقفة والكهنة والشمامسة والمكرسين والمكرسات والإكليريكيين ومعلمي التعليم المسيحي. وتأمل في كلمته في فعلي "حفظ" و"نشر" العطر، الوارد في المقطع الإنجيلي: "تَناولَت مَريَمُ حُقَّةَ طِيبٍ مِنَ النَّارَدينِ الخالِصِ الغالي الثَّمَن، ودهَنَت قَدَمَي يسوع ثُمَّ مَسَحَتْهما بِشَعرِها. فعَبِقَ البَيتُ بِالطِّيب" (يوحنا 12: 1-11).
وفي حديثه عن حفظ العطر، قال: إننا في حاجة دائما إلى العودة إلى أصل العطية التي نلناها، أي كوننا مسيحيين، كهنة، رهبان أو معلمي التعليم المسيحي. وتابع البابا أننا قد تقبلنا حياة الله نفسها من خلال ابنه يسوع الذي مات من أجلنا ووهبنا الروح القدس. وذكَّر البابا هنا بكلمات بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل قورنتس "فإِنَّنا عِندَ اللهِ رائِحةُ المسيحِ الطَّيِّبةُ" (٢، ١٥).
أنتم رائحة المسيح، قال البابا فرنسيس للحضور وتابع مذكرا بأن في هذه الأرض ينمو بوفرة خشب الصندل ذو الرائحة المحببة، كما وذكَّر الأب الأقدس بحديث الكتاب المقدس عن ذلك وتحديدا في سفر الملوك الأول حين زارت ملكة سبأ الملك سليمان وأعطته خشب الصندل (راجع ١٠، ١٢). أنتم طيب الإنجيل في هذا البلد، تابع البابا فرنسيس قائلا للحضور، وكشجرة صندل خضراء وقوية، تنمو وتعطي ثمارا، فأنتم أيضا تلاميذ مرسلون يحملون رائحة الروح القدس الطيبة لتنتشي بها حياة شعب الله المؤمن.
وفي تشديده على ضرورة حفظ الرائحة التي نلناها من الرب أكد الأب الأقدس ضرورة أن نحفظ المحبة أيضا، المحبة التي عطَّر بها الرب حياتنا، وذلك كي لا تفقد هذه المحبة عبقها. ويعني هذا حسبما واصل البابا فرنسيس أن نكون مدركين للهبة التي نلناها، فكل ما ننال هو هبة وهذا ما علينا أن نعيه. علينا أن نتذكر أن الطيب ليس لنا بل كي ندهن به قدمّي المسيح بإعلاننا الإنجيل وخدمتنا الفقراء، ويعني هذا السهر على أنفسنا لأن الفتور الروحي هو خطر دائم. وحذر الأب الأقدس في هذا السياق من خطر الدنيوية الروحية مذكرا بأن السقوط فيها هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لنساء ورجال الكنيسة.
ثم أضاف البابا فرنسيس أننا ننظر بشكر إلى التاريخ الذي سبقنا، إلى البذرة التي زرعها هنا الإرساليون، وشدد قداسته على ضرورة أن نحب تاريخنا، تلك البذرة، وأشار في هذا السياق إلى مدارس التكوين. إلا أن هذا لا يكفي، تابع البابا، بل علينا دائما أن نغذي شعلة الإيمان. ومن هذا المنطلق دعا قداسته إلى عدم التقاعس عن التعمق في عقيدة الإنجيل وعن النضج في التكوين الروحي واللاهوتي وفيما يتعلق بالتعليم المسيحي، وذلك لأن هذا كله ضروري من أجل إعلان الإنجيل في ثقافتكم، وفي الوقت ذاته من أجل تنقيتها من أشكال وتقاليد بالية. شدد البابا فرنسيس بالتالي على ضرورة انثقاف الوعظ بالإيمان في ثقافتكم، قال قداسته للحضور مشيرا أيضا إلى إعلان الإنجيل في الثقافة. وتابع قائلا إن هناك الكثير من الأشياء الجميلة في ثقافة هذا البلد إلا أن هذا كله يجب أن يُنَقى في نور الإنجيل وعقيدة الكنيسة، وأكد قداسته أن كل ثقافة أو مجموعة اجتماعية هي في حاجة إلى تطهير ونضج.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن النقطة الثانية أي نشر العطر، وأكد قداسته أننا مدعوون إلى أن نحمل إلى الآخرين عطر الحياة، حياة الإنجيل الجديدة. وعاد قداسته إلى مريم التي دهنت قدمَي يسوع بالطيب فقال إنها لم تستخدم طيب الناردين الخالص غالي الثمن لتجميل نفسها بل كي تدهن به قدمَي يسوع فعبق البيت بالطيب، بل ويحدثنا إنجيل القديس مرقس عن أنها كسرت قارورة الطيب (١٤، ٣). وتابع البابا أن البشارة تحدث حين تكون لدينا الشجاعة لكسر القارورة التي تحتوي الطيب، كسر الغلاف الذي غالبا ما يغلقنا على ذواتنا، الشجاعة للخروج من تدين كسول، مريح، يعاش فقط انطلاقا من احتياج شخصي.
وتابع الأب الأقدس قائلا للحضور إن بلدهم أيضا، والمتجذر في تاريخ مسيحي طويل، هو في حاجة إلى انطلاق متجدد للبشارة كي يصل إلى الجميع عطر الإنجيل، عطر مصالحة وسلام عقب سنوات أليمة من الحرب، عطر شفقة يساعد الفقراء على النهوض مجددا ويُحْيي الالتزام من أجل انتعاش اقتصادي واجتماعي للبلاد، عطر عدالة ضد الفساد. ومن الضروري بشكل خاص حسبما واصل البابا فرنسيس نشر عطر الإنجيل ضد كل ما يهين ويزعج بل ويدمر أحيانا الحياة البشرية، ضد تلك الآفات التي تخلق فراغا داخليا ومعاناة، وأشار قداسته هنا على سبيل المثال إلى إدمان الكحول والعنف وعدم احترام النساء. وشدد البابا على أن إنجيل يسوع لديه القوة لتغيير هذا الواقع المظلم ولخلق مجتمع جديد.
ونظرا إلى الحاجة إلى هزة الإنجيل هذه فهناك حاجة إلى كهنة ورهبان ومعلمي تعليم مسيحي شغوفين ومؤهلين ومبدعين، قال البابا فرنسيس ووجه دعوة إلى الكهنة كي لا يتكبروا على الشعب، فأنتم من الشعب، أضاف قداسته، وقد كبرتم مع الشعب، وشدد البابا على ضرورة عدم نسيان ثقافة الشعب وعلى كون الكهنوت خدمة. دعا الأب الأقدس الجميع من جهة أخرى إلى عدم نسيان أن الطيب هو كي ندهن به قدمَي يسوع أي أقدام أخوتنا في الإيمان بدءً من الفقراء. وسلط البابا الضوء أيضا على أن الكاهن عليه دائما أن يكون خادم شفقة وعلامة لرحمة الله، ودليل هذا هو الكاهن الفقير، قال قداسته وتابع: أحبوا فقركم كأنه عروسكم. دعا البابا فرنسيس أيضا إلى عدم الإحباط أمام المصاعب، فالله يرافقنا، شدد بالتالي على ضرورة أن ندع الرب يرافقنا وذلك من خلال روح فقر وخدمة.