إهداء كتاب “القوش السلام” من الكاتب غانم حنا بولص لقناة عشتار الفضائية      شهادة وتقدير من المرصد الآشوري لقناة عشتار الفضائية      حراسة الكنائس في سوريا بين الترحيب والرفض      البطريرك المسكوني برثلماوس يلتقي ترامب لبحث أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط      ‎قداسة البطريرك مار افرام الثاني يطلق إكليريكية مار يوحنا للدراسات اللاهوتية      قداسة البابا لاون الرابع عشر يهنيء البطريرك ساكو بعيد شفيعه      غبطة البطريرك يونان يعفي الطلاب السريان (الكاثوليك والأرثوذكس) المسجَّلين في مدرسة ليسيه المتحف ومدرسة دير الشرفة من الأقساط للعام الدراسي القادم 2025-2026، للسنة السادسة على التوالي      وفد قيادي مشترك من حزب سورايا وحرس الخابور يزور مقر المنظمة الآثورية الديمقراطية      في زيارة لدير مار اوراها بنينوى.. الدكتور رامي جوزيف: "إنجازنا اليوم رسالة أمل للعائدين"      الجيش الألماني ضمن التحالف يزور مطرانية القوش للكلدان      توضيح من المتحدث باسم حكومة كوردستان بشأن قضية الرواتب والنفط      أميركا تدرج 4 فصائل عراقية على قوائم الإرهاب      نقلة نوعية في علاج السمنة: دواء جديد عن طريق الفم وبلا شروط غذائية      الادعاء العام الأميركي يسعى إلى إعدام المشتبه فيه باغتيال كيرك      خبر يزعج ماسك.. منافس روسي لـ"ستارلينك"      الأرض تكشف عن "قمر خفي" جديد.. يتبعها منذ ستة عقود      واقي الشمس ليس رفاهية.. تجاهله يترك أثرا خطيرا      8 أهداف في شوط واحد.. تعادل مثير بين يوفنتوس ودورتموند      البابا يندد بإجبار سكان غزة على النزوح       "سومو": استمرار الجهود للوصول الى اتفاق نهائي يتيح استئناف التصدير من إقليم كوردستان
| مشاهدات : 3422 | مشاركات: 0 | 2024-08-25 10:04:53 |

خواطر مجنونة

نشوان عزيز عمانوئيل

 

تحت ضوء النيون الباهت، أجلس بين الجدران الصامتة، وسط الناس الذين يتدفقون حولي كأشباح بلا وجوه. الجميع يعبرون، يتحدثون، يضحكون، وأنا أذوب في الفراغ. الزمن يمضي عليّ كأنما لا وجود لي، مجرد كائن يتنفس دون أن يشعر به أحد. لا أحد يتوقف ليسأل عن صوتي الذي تلاشى، أو عن تلك النظرة التي كانت تبحث بلا جدوى عن عيون تلتقي بها. كأنني شبح غريب في عالم مألوف، ضائع بين كل هذه الحياة، ورغم كل هذا الصخب، أظل وحدي تماماً، مختبئاً خلف قناع اللامبالاة.

 

في زوايا المدينة الباردة، أمشي بينهم بلا أثر، كأنما خطواتي محتها الريح. لا أحد يلتفت لوجودي، لا أحد يلاحظ غيابي. أحمل في صدري ثقل أيام لم أعشها، أحلام ذاب لونها مع مرور الوقت. وجهي مزيج من الذكرى والنسيان، وصوتي بات همساً في زحمة الضجيج. أحياناً أتمنى أن يسألني أحدهم عن حالي، عن ألمي الصامت، عن غربتي وسط هذا الجمع. لكنني أعرف أن السؤال لن يأتي، وأن وحدتي ستظل ترافقني، كظل ممدد على رصيف العمر، مهمل بين زحمة الأرواح.

 

في قلب المدينة التي لا تنام، أنا الغائب الحاضر، أتنفس بين الحشود كأنني شبح منسي. كل يوم يمر عليّ كصفحة فارغة، مليئة بصمت لا ينكسر، لا صوت فيه سوى صدى أنفاسي المتعبة. العيون تلتقي حولي، تتجاوز وجودي دون أن تراني، وكأنني شق في النسيج الأزلي للحياة. لم أعد أنتظر شيئاً، لا كلمات ولا لمسة، فقط أمضي كسفينة فقدت وجهتها في بحر بلا نهاية. في داخلي هاوية لا قرار لها، وذكريات باهتة كأنها أضغاث حلم. الوحدة ليست محيطاً حولي، بل هي نسيج جلدي، تحكم قبضتها عليّ، تجعلني أذبل بصمت، بلا شهود، بلا وداع.

 

تحت شحوب النيون الهزيل، أجلس بين جدران متحجرة، في زخم أرواح تتسرب حولي كأشباح مسلوبة الوجوه. الجميع يمرون، يتحدثون، يتقاسمون ضحكاتهم، وأنا أذوب في بؤرة الفراغ اللامرئي. الزمن يمضي فوقي كظل غريب لا يعترف بوجودي، كائن أتنفس بين غمامة عابرة، دون أن تحس بي العيون العمياء. لا أحد يلتفت لصوتي الذي اختفى في أقبية الصمت، أو تلك النظرة التي كانت تسعى عبثاً وراء عيون تصطدم بها. كأنني طيف تائه في عالم مألوف، أترنح بين ألوان الحياة المشتعلة، لكنني رغم كل هذا الصخب، أظل نكرةً تماماً، مختبئاً خلف قناع اللامبالاة المتقشرة.

 

في زوايا المدينة المتجمدة، أسير كريشة منسية، كأنما محقت الريح خطواتي. لا أثر لوجودي، لا صدى لغيابي. في صدري حُطام أيام لم تكتمل، وأحلام ذابت ألوانها مع عقارب الزمن. وجهي خليط من بقايا ذاكرة وندوب النسيان، وصوتي صار تمتمة ضائعة بين جدران الضجيج. أحياناً أرنو إلى سؤال عابر يكسر جدار صمتي، عن آلامي المدفونة، عن غربتي المتجلدة وسط هذا الزخم. لكنني أدرك أن السؤال لن يطرق بابي، وأن وحدتي ستظل تحاصرني، كظل يتطاول على رصيف الحياة، مهمل بين زحمة أرواح لا تلقي بالاً.

 

في قلب المدينة الساهرة، أنا الحاضر الغائب، أتنفس بين الحشود كأنني طيف منسي. تمر الأيام عليّ كصفحات بيضاء، مشبعة بصمت متجمد، لا صوت فيها إلا همس أنفاسي المجهدة. العيون تتقاطع حولي، تتخطى وجودي بلا مبالاة، وكأنني شرخ في نسيج الحياة السرمدي. لم أعد أترقب شيئاً، لا كلمة، لا لمسة، فقط أمضي كسفينة ضلت مسارها في محيط لا نهائي. في أعماقي هاوية بلا قاع، وذكريات باهتة كأنها بقايا حلم تلاشى. الوحدة ليست محيطاً يطوقني، بل هي جلد يلفني، تخنقني بقبضتها، تجعلني أذبل بصمت، بلا شهود، بلا وداع.










أربيل - عنكاوا

  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    [email protected]
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    [email protected]
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2025
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.4585 ثانية