( ليس لأحد حب أعظم من هذا : أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه )
الله هو مصدر الحب ، وهو الذي أحبنا وأفدى بإبنه الوحيد من أجل مصالحتنا وخلاصنا . فالمؤمنين بإبنهِ هم أبناء المحبة الإلهية فعليهم أن يبغضوا الحقد والعنف والكراهية ليمتلأوا من الحب حتى التضحية من أجل الآخر ، فوصف الرب يسوع هذا الحب وقال ( ليس لأحد حب أعظم من هذا : أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ) " يو 13:15 " .
ثمار الإيمان المسيحي مصدرها الحب ، فيجب أن لا تنطفي شعلة الحب من قلب المؤمن لكي تظهر محبة المسيح الذي هو مصدر الحب فيه . فيسوع جمع وصيتي العهد القديم الخاصة بمحبة الله والإنسان في وصية واحدة ، وهي ( حب الله والقريب ) . لا يجوز أن نحب الله من دون القريب ، بل علينا أن نحب القريب الذي نراه أولاً لكي نعَبّر عن محبتنا لله الذي لا يرى . الفريسيين والكتبة الذين كانوا يفتخرون بإنتمائهم إلى شريعةآبائهم ، وآبائهم قتلوا أبناء الله ، ساهموا هم أيضاً في بناء قبورهم فبعملهم ذاك زكوا آبائهم في ما إقترفوه ، وإشتركوا في جريمتهم ، وخالفوا الشريعة بأعمالهم ، كما أكدوا حقيقتهم للتاريخ من خلال تعاملهم مع المسيح الذي كانوا ينتظروه ، بل دفعوه إلى الصلب والموت ، وبهذا اكدوا حقيقتهم للأجيال في ما فعلوه واشتركوا في جريمة آبائهم . لو كانوا سالكين في الأمانة مع الله فعلاً ، لكانوا عملوا بحسب أقوال الأنبياء الذين تنبؤا بمجيء المشيح المخلص ، لكنهم لم يكتشفوا حتى زمن مجيئه ليشهدوا له بل قتلوه ، والشريعة تقول ( أحبب قريبك ) ألم يكن يسوع يهودياً ومن سبط يهودا ، فلماذا لا يحبوا قريبهم ؟
علينا نحن في هذا الزمن أن ندرك موضوع محبة القريب مهما كان ، وإن كان غريباً عن إيماننا وقومنا وبلادنا فهو أخينا في الإنسانية لأنه إبن آدم أيضاً فعلينا أن نحبه حباً كنفسنا . يجب أن لا نفهم القرابة من الناحية الجسدية ، إنما كل إنسان محتاج إلى الرحمة الإنسانية ، فهو قريب من كل إنسان ، أي كل إنسان هو قريبنا في المسيح يسوع الذي مات من أجل خلاص كل البشر .
لاقيمة للقرابة العائلية ، لهذا قيل ليسوع ( أن أمك وإخوتك واقفون خارجاً ... ) لكنه أجاب قائلاً ( أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون به ) " لو 8: 20- 21 " ، بهذا غيّر يسوع نظام القرابة المألوف إلى نظام جديد . ضرب النظام القديم ليفرق بين الأب ضد أبنائه ، والأم ضد بناتها ، والحماة ضد كنتها . أي العلاقات العنصرية الضيقة المحصورة في العائلة باتت غير مقبولة لدى الله ، والله يريد أن تكون علاقة حب واسعة وشاملة تنبذ المحبة العنصرية المؤسسة على أنانية الإنسان . فالذي يقول ( إنصر أخاك أو قريبك إن كان ظالماً أو مظلوماً ) فإنه ما يزال يعيش في نظام قبلي مرفوض ، فأقرب الناس من بعضها ومن الله هو الذي يعيش ويعمل بحسب وصايا الله . وهكذا نستطيع أن نمحي حدود القرابة والصداقة بين البشر لكي يمتدوا صوب المسيح محب جميع البشر فيجعلوا المسيح معهم وفيما بينهم وهو الذي يجعل كل الناس إخوة وأقرباء .
المطلوب أن يكون الرب يسوع هو الرابط بيننا وبين كل البشر ليشدّهم معاً برباط المحبة الأخوية . بهذا يتحول العالم الكبير إلى عائلة عالمية واحدة . فكل إنسان يصبح قريبي وأخي ، وبغير هذا النظان سنسلك طريق الأنانية وحب الذات فنبتعد عن طريق الحق والعدل فنقسي قلوبنا على كل من يحتاج إلى مساعدتنا وحتى القريبين منا كما فعل الكاهن واللاوي مع الجريح الذي كان يهودياً مثلهم ، هكذا سنفقد محبتنا للإنسان إذا إبتعدنا من تعاليم الله الذي علمنا إياها الرب يسوع .
أخيراً لنسأل الله القدير بأن يعضدنا في حياتنا الزمنية على هذه الأرض وينظّم علاقتنا وحياتنا مع الآخرين ، وهذا يحصل عندما نجعل الرب يسوع هو الألف والياء ، وحجر الزاوية في حياتنا ، ونسلم ذواتنا له ليقود أفكارنا وأعمالنا نحو محبة العالم ليصبح كل من مات المسيح لأجله أخاً وصديقاً لنا ، ونحن له ، وهكذا يتمجد إسم المسيح الحي .
توقيع الكاتب ( لأني لا أستحي بالبشارة ، فهي قدرة الله لخلاص كل من آمن ) " رو 16:1 ".