وهنا استعدت بعض من الامل في تلك الزاوية البعيدة وتشجعت وتقربت بحذر كبير وجلست بقرب الكيس وقارورة الماء على الارض ورحت اتلفت يمينا ويسارا لئلا يراني احد ويعذب كبريائي المنكسر اصلا، وبهدوء تام مدت يدي لتلك القارورة وسط ضلام مبهم ووضعتها على ثمي دون تذوقها اصلا من شدة عطشي وشربت الى حد الثمالة وبعدها باشرت بمد يدي للخبز العسكري في ذلك الكيس ومع انه كان صلب ومتيبس الا شكرت ربي انني لن ابقى جائعا وعطشا بعد الان.
ومع مباشرتي لاكل خبز الشعير اليابس ومضغه العسير مع شرب الماء والارتواء شبعت اخيرا الى حد ما فقمت بعدها وتسللت الى الخلف كي لا يحس عليا احد وعدت الى مقعدي بهدوء تام متحسسا بثقل جفوني المتعبة وجسدي المنهك ورائحة ملابسي العسكرية النتنة من عبق العرق، غطت عيناي بدون ارادتي في نوم عميق متاملا ان يكون صباح يوم جديد اجمل.
وعلى صوت صافرة القطار معلنا وصوله الى المحطة الاخيرة استيقظت اخيرا بعد جهد جهيد لانصدم بصوت جنديان يتشاوران في حديث حادثة الامس(سرقتي للخبز والماء)، مندهشين فسرقت الاستماع لهم بغية معرفة هل احسوا بفعلتي ام لا؟!
الجندي الاول: لا اعلم يا صديقي لكن احسست بعد تفحصي للكيس الكبير والمملوء بخبز الشعير انه ناقص وان قارورة الماء خاصتي فارغة فهل شربت منها؟
الجندي الثاني: مستحيل لان معي ما معك من ماكل و مشرب واصلا كنت قد التجأت الى النوم قبلك.!!
الجندي الاول: عجيب!!! على ايت حال لا يهم فقد وصلنا بكل الاحوال ولكن استغرب من سرق كيس الخبز الذي اصلا كان يابس كالصخر وكنت قد لممته من وحدتي العسكرية في الانبار من بقايا خبز الجنود ولمدة عشرون يوما لاخذه اليوم معي واعطائه لابقاري والخراف في قريتي فمن سرقه يا ترى ومن اجل ماذا؟!
وهنا رغم كل الصدمات التي مررت بها على متن قطار الشئم الا كسماعي وصدمتي لما سمعت لم اصدم قبلها!!!!!!!
وهنا رتبت الكلمات التي سمعتها واحدة تلو الاخرى لاستفهم اني اكلت من كيس هذا الجندي لخبز شعير يابس ومعفن الطعم والذي كان مخصص لاطعام الابقار والخراف، نعم احبتي الى هذا الحال وصلت الى قمة المذلة لجندي هدفه الاول والاخير حماية تراب الوطن الذي لم يسعفه باي شيئ ولا اي امتيازات ليعيش كريم النفس والعزة، وبعد نزولي في المحطة الاخيرة لعنت في سر نفسي الحكومة التي اذلت الجندي العراقي الباسل وجعلته ذليلا بين المجتمع.
عذرا ابو خليل فهذا العراق العظيم.