أول تعليق من كاهن كنيسة سيدني عقب "الهجوم الإرهابي"      مصدر: والد المشتبه به في هجوم كنيسة سيدني لم يشهد أي علامات تطرف على ابنه      أستراليا.. الشرطة تؤكد الطابع "الإرهابي" لهجوم في كنيسة      السوداني يسعى إلى حل التداعيات الناجمة عن سحب المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين غبطة الكاردينال ساكو      العيادة الطبية المتنقلة التابعة للمجلس الشعبي تزور قرية بيرسفي      مارتن منّا: هناك محاولات لإعلان التوأمة بين عنكاوا و وستيرلينغ هايتس الأميركية      اللقاء العام لمجلس الرهبنات الكاثوليكيّة في العراق/ أربيل      غبطة البطريرك ساكو يستقبل السفير الفرنسي لدى جمهورية العراق      قناة عشتار الفضائية تتمنى الشفاءالعاجل للمطران مار ماري عمانوئيل      محافظ نينوى يزور مطرانية القوش      معرض ميسي يفتح أبوابه.. فماذا يمكن أن تشاهد؟!      تقنية ثورية.. زرع جهاز في العين قد يعالج مرض السكري      رئاسة إقليم كوردستان: نجاح الانتخابات يعتمد على مشاركة جميع الأحزاب والكيانات السياسية فيها      العراق.. أكثر من 27 ألف إصابة بالحصبة و43 وفاة بالمرض      خطوة عراقية أخرى باتجاه وقف إهدار ثروات الغاز المصاحب      فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة      السبب الحقيقي وراء انقطاع خدمات Meta المستمر      جدل حول آثار جانبية حادة لاستخدام الأدوية المضادة للذهان لتخفيف الزهايمر      مايلز كاغينز‏: الحوار حول استئناف تصدير نفط إقليم كوردستان سيبدأ قريباً      إلزام يوفنتوس بدفع 9.7 مليون يورو كرواتب متأخرة لرونالدو
| مشاهدات : 958 | مشاركات: 0 | 2021-07-12 09:23:42 |

تأوين الممارسات المعتقداتية أفضل الخيارات

لويس اقليمس

 

في ضوء نضج العقل البشري باتجاه تقييم رؤاه الإيمانية وممارساته "التدينية" وسط المجتمعات، بات ينظر الكثير من الحداثويين والمتمدنين إلى ما يجري في حياة المجتمعات الشرقية، والمسلمة منها على وجه واسع من ممارسات وسلوكيات، بكون الكثير من هذه ومن مثيلاتها قد أصبحت أدوات شبه عقيمة لا تقدّم بقدر ما تؤخر وتقف حائلاً دون فهمٍ وإدراكٍ لأهداف الدين، أي دين أو مذهب. فالفِرَقُ والأحزاب التي اتخذت من الإسلام السياسي وصوره البانورامية الطقوسية الجدلية المستندة لماضٍ سحيق والنابعة عن الرؤية العبثية في تقديس الأشخاص أو غيرها من المسميات المعنوية الغريبة القائمة هذه الأيام، قد أصبحت تشكل عائقًا كبيرًا في قبول تأوين وسائل تلقين التعاليم الدينية وممارساتها وفق مناهج واقعية تتعاطى مع تطور العصر ومقتضيات الحياة المتمدنة. والسبب الأكثر تفسيرًا وترجيحًا لهذا الرفض بالحداثة والتأوين وإعادة التقييم يُنسبُ إلى خشية دعاة هذا المنهج من أية ملامح إصلاحية قد تعصفُ بطموحاتهم وتحدُّ من قدراتهم في إبقاء السطوة الطاغية على مريديهم وأتباعهم ورعاياهم الذين اعتادوا على مسايرة توجيهات مراجعهم وزعاماتهم الدينية والحزبية والعشائرية بحجة طاعة أولي الأمر طاعة عمياء مهما كانت الأسباب والدواعي والظروف. وهذا انتقاص واضحٌ من حرية الفرد في التفكير والتعبير والمعتقد.

لعلّ السبب الأساس في كلّ هذا، نابعٌ من التمسّك بأهداب الماضي الذي إن كان يصلح قبل ألف عامٍ ونيّف أو أكثر أو أقلّ، فهو لم يعد صالحًا في وقت بروز عصر الذرة والعولمة والتكنلوجيا المتقدمة والتطور الرقمي الحديث في حياة الأمم والشعوب. بل يرى البعض أن شكل هذا التحزّب والتمسّك والتشدّد بأهداب الماضي بما له وما عليه من دون تحديث ولا تمحيص ولا تطوير عملي ولا مراجعة فكرية صائبة لفرز الصالح من الطالح والنافع من ضارّه، كفيلٌ بغرز منهج غير مستقرّ ورافض لأية محاولات للتصحيح والتعديل في السيرة وقبول النقد بغاية الإصلاح وكأنه كأسٌ مقدّس لا يمكن المساسُ به. في حين أنَّ الدينَ وتعاليمه وتوجيهاتِ مرجعياته "الرصينة" "المعتدلة" "الحداثوية" من دون تعيين ولا تمييز، ينبغي أن تكون لصالح الإنسان وليس الإنسان لصالحها. ولنا في هذا أفضل قول سديدٍ للسيد المسيح حين انتقده الفريسيون بسبب قيام تلاميذه بقطف سنابل الزرع في اثناء سيرهم يوم السبت "المقدّس" لدى اليهود. فلمّا عرفَ أفكارَهم نهرَهم بالقول: " السبتُ، إنّما جُعل من أجل الإنسان، لا الإنسان من أجل السبت" (إنجيل مرقس 2:27). فحاجة الإنسان أهمّ من أية مظاهر فارغة وغير منتجة. وهذه هي فلسفة الحياة بالدعوة لصناعة الحياة وضروراتها وليس بتقديس ما حصل في التاريخ الذي تُطمسُ (بضم التاء) ذكرياتُه حتى لو لم يكنْ عقيمًا. فالإنسانُ يبقى قلبَ الحدث مهما قالَ التاريخ وتحدثت الجغرافيا!

في هذا السياق أيضًا، لعلَّ أفضل ما فطنَ إليه بابا الفاتيكان في أحد أحاديثه ولنفس السبب، وهو يخاطبُ أوربا مجتمعة مستذكرًا تاريخَها وقيمَها، أنه حذّرَ من مرحلة عدم اليقين ومن مخاطر الانجرافات الفردية في التعلّق بما أسماه "ألبوم الذكريات" والاستعانة عوضه بنظرة موضوعية قادرة على بناء مستقبل حيّ وفاعل يمكن تقديمه للعالم أجمع. وليس غيرُ التضامن كفيلًا بتأمين الفسحة الحقيقية بين الشعوب، لاسيّما في عصرٍ تزداد فيه التحديات من حروب وأزمات وأشكال تمزّق وانقسامات وأوبئة تهاجم العالم أجمع بضراوتها التي يصعب التحكم بها بالرغم من تطور وتنوع التقنية الحديثة التي وقفت خجلة أمام كلّ هذه المشاكل والأزمات. وهذا ما يتطلّبُ اكتشاف سبلٍ جديدة ومثمرة لصناعة الحياة وعيش تفاصيلها الإنسانية بشكلٍ أفضل وأنجع، ليس بالعودة إلى الماضي البائد في محتواه وعناصره الضعيفة، بل بالاستفادة من دروسه المثمرة واكتشاف دروب سديدة أكثر منفعة للبشرية ولشعوب الأرض بحيث لا تخرج عن نطاق التعاون والتضامن والتآزر وما فيه من قيمٍ إنسانية عليا. وقد أسماه بابا الفاتيكان ب"درب الأخوّة" الذي وحده كفيلٌ بتأمين سبل السلام والسلم الأهلي والتوحد لصناعة حياة أفضل للبشرية جمعاء.

لا مجالَ للتشدّد والراديكالية

لقد أطلقت جائحة كورونا صافرة الإنذار بضرورة استعادة الدول والشعوب زمامَ المبادرة بإجراء تقييم إنسانيّ شامل للأزمات التي أحدثتها والتي لم تعد تنفع معها سمةُ الانفرادية والتشدّد والانعزالية والانفصالية في اتخاذ القرارات المصيرية وإدارة شعوب الأرض أو التحكم بها وفق أمزجة عبثية مختلّة. فالجائحة والأزمة التي خلقتها، إنّما هي عابرة للقارات والدول والشعوب. وفي حين لم تنجُ منها أية أمة أو دولة أو مجتمع أو فئة، فتلك رسالة تنذر بأسوأ ما يمكن أن يكون أو يحصل. وهذا الوضع غير المستقرّ في حياة شعوب الأرض خيرُ مناسبة وأفضل زمن لإعادة تقييم الأوضاع والقرارات وتهيئة الرؤى نحو مستقبل أفضل للبشرية ككلّ من حيث تجديد وسائل الإيمان والمعتقدات ونبذ أية مسحة مائلة إلى التشدّد والتطرّف في المواقف والمظاهر التقليدية الاستهلاكية غير المجدية، ومنها الإصرار والثبات على ممارسات ومظاهر لم تعد قادرة على خدمة الإنسان وتقديم ما يُصلحُ حالَه ويؤمّنُ حاجاته المتزايدة. فلنترك الماضي حائرًا بشخوصه وأحداثه، في ذات الوقت الذي يمكن للعالم أن يكتشف حاجاته المستقبلية في ضوء حاضره المنهك بالهموم التي جعلته أسير تلك "الذكريات" التي أصبحت من الماضي. فالعودة إلى زمن الماضي ضياعٌ للوقت والجهد في زمن يركض أسرع من البرق إلاّ فيما يمنح فرصًا أفضل لتقييم الأوضاع وتصحيح المسارات وإصلاح الذات ومصائر البلدان ووضعها في خدمة البشرية المتألمة.

بذلك نقول، لا مجال بعدُ للعودة إلى ذلك الزمن الذي ولّى لفقده سمة الضرورة، إلاّ بالاستفادة من دروسه وعبرهِ، وذلك بسبب ضياعه في متاهاتٍ ساهمت بشكلٍ أو بآخر في تخلّف أمم وثقافة شعوب كان يُفترض بها إدامة زخم زهوها وتقدمها ورفعتها فيما لو رفعت راية التأوين والتطوير والانفتاح في أفكارها وممارساتها الطقوسية المتنوعة وفي رؤيتها الصحيحة لحقيقة مَن ترفعهم إلى درجات "القداسة" وتمنحهم سمة "القدسية" بدون مسوّغ. ولو أدركت زعاماتُ العالم، ومنها الدينية التي تمسّ منطقتنا وشعوبَنا، وتفحصت العبرة بضرورة مراجعة الماضي، لأدركتْ قيمة ُ"الحاجة إلى الحقيقة" وشكل "العدالة الاجتماعية" التي أثارتها حضاراتُ شعوبٍ وبلدان متطورة وسياساتُها الحديثة المعاصرة التي عرفتْ طريقَها إلى التقدم والتفاؤل والتطور في كلّ مفاصل حياتها عبر حداثتها وتأوينها لحاجاتها المعتقداتية وفق الظرف والحاجة. وهذا ما حصلَ ويحصل لشعوبٍ أسدلت الستار على اية خبراتٍ سلبية ماضية أعاقت تقدمها وتطوّرَها، بعكس شعوبِ منطقتنا ومن دون تمييز في الدين والمذهب، ولاسيّما المتشدّدة منها والماضية بإبقاء ذات المفاهيم الدينية المتخلفة من دون إعمال العقل والقناعة، وإدامة زخم مراسيم وطقوسٍ استهلاكية لم تعد تنفع ولا تساير الزمن في أدواتها وأشكالها.

لقد أسهم مثل هذا الواقع غيرِ المستقيم ببروز أدعياء وأتباع صار لهم منهجٌ في فرض صفة "القداسة" و"القدسية" حتى على أشخاصٍ أو مؤسساتٍ أو أحزابٍ أو مسميات معنوية أو فئاتٍ القصدُ منها إبعادُ الشبهات عن سلوكيات هذه أو هؤلاء، والسعي لتوفير أقصى درجات التغطية والحماية على أدائهم وتأمين مواقفهم ومواقعهم ومناصبهم من أية انتقادات في مسيرتهم المتعثرة. وكلُّ ذلك يحصل باسم الدين والطائفة وبدعم من مرجعيات جدلية غير رصينة تحولت معظمُها إلى أدوات ساعية للاستثمار التجاري والدعاية في كلّ شيء أو بتحوّلها إلى مكاتب اقتصادية لجمع المال بأية حجة وأيّ عذر باستخدام الدين وسيلة. وما الإصرار من جانب أطراف تدّعي الولاء والخدمة والعشق الأزليّ للأئمة، وتشدُّدهم على إبقاء بعض مظاهر الطقوس غير الحضارية، سوى باب من أبواب الرضوخ لدعاة تقديس الأشخاص والأفراد والجماعات واتخاذها سبيلاً لبلوغ أهداف تجارية وأخرى سياسية بعيدة عن الوازع الإيماني والمعتقداتي الصحيح. وهذا جزءٌ لا يتجزّأ من مفهوم التشدّد والراديكالية المستخدمة في إدامة تدوير هذه المظاهر، والذي ينبغي معالجتُه وتعديلُه والنظر إليه باعتباره شأنًا غير مقبول في الزمن المعاصر الذي تغيرت فيه المفاهيم والقيم والرؤى تحقيقًا للعدالة الاجتماعية واحترامًا لباقي الأطراف الشريكة في الوطن والإنسانية.

إنَّ مَن يريد اليوم في مجتمعنا العراقي تحقيق حاكمية الله على الأرض بأية وسيلة أو محاربة الخارجين عن الملّة بحجة تحقيق الشرع، لا يختلف في رؤيته وسلوكه عمّن قتلَ وسبا واغتصبَ ودمّرَ وأحرقَ من دواعش الدولة الإسلامية إبان احتلالهم لأكثر من ثلث أرض العراق وتدنيسها بأفعالهم الشنيعة والمرفوضة بكلّ المقاييس والمعايير من جميع الأديان السماوية والشركاء في الوطن. فأولئك فعلوا ذلك أيضًا باسم الدين وحفاظًا على ما ادّعتهُ زعاماتُهم بالخروج عن الموالاة وبحجة حماية الدين والمذهب انطلاقًا من فكر راديكالي متشدّد. وفي الحقيقة كان الغرض الأخير منه توطيدَ سلطانهم وتبريرَ مظالمهم وتحقيقَ أطماعهم.

من هنا، وضمن ذات المعايير، لا يختلفُ عنهم مَن يُصرُّ اليوم على إبقاء ذات المظاهر الاستهلاكية وذات السلوكيات العنفية الرعناء لتحقيق هذه الحاكمية غير المقبولة التي يتضرّرُ منها الغيرُ المختلف عنهم ويتحفّظُ عليها الشريكُ في الوطن وتبقي حركة البلاد وإدارتَها شبه مشلولة ومضطربة. فإنزال القصاص في أشكالٍ من العنف غير المبرّر ومحاربة أصحاب محلات بيع الخمور المجازة رسميًا أو غير المجازة منها في هذه الأيام الأخيرة، كلُّها من مظاهر العنف غير المبرّر لكونها تحدث خارج نطاق القانون والدولة التي وحدها كفيلة بمؤسساتها الرسمية معالجة أي خرقٍ أو خروجٍ عن الآداب العامة والقوانين النافذة. وهذا جزءٌ من سيادة الدولة وبقاء هيبتها منتصبة في نظر المجتمع والأمم والشعوب. وأيّ انتقاصٍ من هذه الهيبة وهذه السيادة من شأنه أن يطيح بمصير شعبٍ بأكمله ويُسقط رهان الوطن إذا انتصر العنف على المحبة والرفق وطغا القتل على الرحمة والألفة وسادت الفوضى على القانون وتطبيقاته الدستورية. وما أحوجنا اليوم إلى ثقافة المحبة واحترام الآخر!

 

لويس إقليمس

بغداد، في 20 آذار 2021










أربيل - عنكاوا

  • موقع القناة:
    www.ishtartv.com
  • البريد الألكتروني: web@ishtartv.com
  • لارسال مقالاتكم و ارائكم: article@ishtartv.com
  • لعرض صوركم: photo@ishtartv.com
  • هاتف الموقع: 009647516234401
  • رقم الموقع: 07517864154
  • رقم إدارة القناة: 07504155979
  • البريد الألكتروني للإدارة:
    info@ishtartv.com
  • البريد الألكتروني الخاص بالموقع:
    article@ishtartv.com
جميع الحقوق محفوظة لقناة عشتار الفضائية © 2007 - 2024
Developed by: Bilind Hirori
تم إنشاء هذه الصفحة في 0.6025 ثانية